المسيرة الوهمية.. صورة عبثية أكثر واقعية عن حياة الإنسان

الخميس، 07 أكتوبر 2021 08:00 م
المسيرة الوهمية.. صورة عبثية أكثر واقعية عن حياة الإنسان المسيرة الوهمية
محمد عبد الرحمن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"الكتابة المسرحية فى عهد الصورة" كان ذلك عنوان أحد المحاور الفكرية بالمهرجان القومى للمسرح المصرى فى دورته الـ14، وهى الجملة التى انتابت تفكيرى أثناء مشاهدتى العرض المسرحى "المسيرة الوهمية" إخراج طارق الدويرى، من إنتاج مركز الهناجر للفنون.
 
"المسيرة الوهمية" تأليف الكاتب الكبير الراحل رأفت الدويرى، مستقى من 7 نصوص من تأليف الكاتب الراحل، بطولة كل من حمادة شوشة، سهام عبد السلام، حنان نور الدين، آدم يوسف سمير، إسلام جمال، إسراء عاطف، إيمان ثابت، بكر محمد علي، جرجس أنور، جميلة ياسين، حسين الشافعي، شيماء فوزي، فجر أمين، مارك ميخائيل، محمد سعيد، محمد غريب، محمد فوزي، مايكل مجدي، ميشيل ميلاد، هالة ياسر.
 
ويعتمد النص المسرحى على فكرة متعددة المستويات والأبعاد وتترك مساحة كبيرة للمتلقى للتفاعل معها، عبر سلسلة من المواقف المتناقضة أو الصراع بين ثنائيات المرأة والرجل والحاكم والمحكوم والغنى والفقير والمعرفة والجهل والبؤس والرخاء والفرد والمجموع.
 
243892011_2768893546738201_7602521973883287899_n
 
العرض منذ الوهلة الأولى جاء معقداً فى تناوله، فلا يوجد حكاية واحدة للعرض أو خيط درامى متصاعد، لكنها مجموعة من المواقف المتشابكة فى أحداثها وموضوعاتها ومواقفها المتناقضة، وهو ما جعله "مشكلاً" لعدد كبير من المشاهدين، إلا أن ما يميز العرض هو انتصاره للصورة الرائعة من خلال إخراج جيد كان قادراً على توظيف عناصر المسرح التقليدية والمعاصرة لخروج عامل مسرحى متكامل من حيث الصورة الإخراجية الرائعة، والاستعراضات الغنائية المبهرة والتى مزجت بين روح التراث والحداثة، والفكرة الفلسفية المتعددة، وربما كان ذلك هو سبب تداخلها عند البعض.
 
ويدور العرض فى إطار درامى استعراضى عبثى، متناولاً لوضع الإنسان العبثى منذ نشأته، وعذابه غير المفهوم، وغير المعقول أيضاً، وصراعه، وتحديه لقدره ذاك مع نفسه، ومع الأقوياء الذين يمثلون الأغلبية أحياناً، لعوارض الوجود، وانعدام القيم، والمفارقة بين الموت والحياة، فى محاولة لتجسيد رحلة الإنسان من خلال مشاهد تجمع بين التاريخى والواقعى والفنتازيا.
 
243985635_2768892920071597_5227121581688625198_n
 
والعديد من الرؤى التى تناولها العرض، تبدو وكأنها سيرة وهمية وعبثية عن حياة الإنسان، ومع ذلك تبدو أكثر واقعية فى التعبير عن النفس البشرية وصراعاتها من أجل الوجود، وعن حياة الإنسان منذ ولادته، وربما كانت الإجابة الأولى التى تصل إلى المشاهد أنه لا توجد أى ضمانات لمستقبل الإنسان، وأن جميع الضمانات الموجودة والتى ربما تكون لامعة وبراقة فى أعين البعض، تكون أوهامًا وأكاذيب، عبر مشهد عبثى يجمع زوجًا وزوجته مسنين، ينتظران مولوداً، لكنه يرفض النزول من دون ضمانات تتعلق بمستقبله في هذا العالم، ولأن الوالدين لا يملكان تلك الضمانات يضطران إلى التوقيع، على بياض، للسلطة التي ستتولاه بالعناية. 
 
كذلك قضية صراع الإنسان من أجل الوجود، وسيطرة سلطة الكهنوت على الإنسان منذ وجوده على الأرض، وسيطرة الغريزة على دوافع الإنسان وسوقه إلى مصيره، كذلك يستعرض الأوجه غير القويمة لفكرة السلطة وانحيازاتها، وما يتصادم منها مع السعى والمعرفة.
 
244213458_2768893486738207_7342673917525699150_n
 
واعتمد العرض على عدد من الأحداث لتناول أفكاره منها نضوب النهر، والذى استوحيت من الأساطير والطقوس والحكايات الشعبية مثل الشدة المستنصرية فى مشهد آكلى لحوم البشر، والعربية مثل جليلة والزير سالم، والأساطير الإغريقية والاستعانة بأسطورة الإله زيوس إله الأمطار وجامع السحاب عند الإغريق، والذى استغلها المخرج فى توضحيه لسيطرة الكهنوت على حياة الناس، واندفاع البشر بسياسة القطيع، وراء ما هو دينى ومقدس دون وعى، هذا بجانب استلهامه من الأساطير الفرعونية والعادات الصعيدية الأصيلة خاصة في المشاهد الجنائزية.
 
244395027_2768893606738195_8174040456305628074_n
 
تبدو الميزة الأكبر فى العرض هى الصورة، والتى ظهرت فى عدة مشاهد وكأننا أمام لوحة فنية، استغل فيها المخرج أبعاد المسرح، مقسمًا خشبة المسرح بشكل مدروس إلى مناطق عدة من أجل توظيف مواقف ومشاهد فى آن واحد، دون شعور بزحام غير مبرر على خشبة المسرح، ما جعله يتحكم فى توزيع حركة الكتل الكبيرة بشكل مناسب دون أن يشعر المشاهد بتزاحم فى الرؤية، كذلك كانت توزيع الإضاءة مناسبة لتوضيح بؤرة الأحداث وتسارعها وتباطؤها مع وتيرة المواقف الدرامية، وإظهار الديكورات بصورة تلائم ما يتم عرضه، لتخرج الصورة النهائية وكأننا أمام لوحة فنية.
 
ميزة أخرى للعرض هى أنه جمع بين الشكل العصرى للمسرح من خلال استعراضات حركية وغنائية، التى جاءت متماشية مع الروح التراثية التى وجدت فى العرض، كذلك اعتمد المخرج على أبطال من فئات عمرية مختلفة، فاستعان بأبطال من كبار السن (نسبيا)، بجانب الشباب الفئة الأكبر من أبطال العرض وكذلك الأطفال، وكأنه يريد أن يعبر عن مراحل الإنسان، ومسيرته فى هذا العالم العبثى من وجهة نظره. 
 
244451688_2768893170071572_4754756283650998013_n
 
فى النهاية قدم المخرج طارق الدويرى، طرحًا من خلال عرض أسئلة أكثر تبحث عن الإجابات، ورؤى فلسفية وأسئلة وجودية طرحها، من خلال أدوات عصرية جعلت العرض أقرب إلى عروض التجريب، ورغم تناوله العبثى، لكنك تخرج سعيداً بما شاهدته على خشبة المسرح من تمثيل واستعراض وغناء، وإضاءة وديكور موظفان بدقة كبيرة.
 
243725965_2768893236738232_7705780082439508042_n
 
243900327_2768892880071601_2749661978361234656_n

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة