فساد وأزمات كبيرة تشهدها جماعة الإخوان عبر العصور المختلفة أثبتت أن الفساد الذي تدعى الجماعة الإرهابية رفضه، واصل فيها حتى النخاع، ومتجذر في ممارسات عدد من قادتها البارزين، والذي ظهر بسبب إساءة استخدام قادة الإخوان لمناصبهم التنظيمية في تحقيق مصالح ذاتية أو خاصة بأفراد أو مجموعة معينة.
وذكرت دراسة أعدها مركز "الإنذار المبكر" للدراسات السياسية والاستراتيجية، إنه تلجأ قيادة جماعة الإخوان للتستر على وقائع الفساد المتعلقة بقادتها ورموزها، ولعل ذلك ينطلق من واقع كونها حركة أيدولوجية تهدف للحفاظ على تماسكها التنظيمي عبر الالتزام بأفكار محددة، وحشد القواعد الإخوانية خلف القيادة.
وأوضحت الدراسة أن قيادة الإخوان تتستر وقائع الفساد المالي والإداري عندما يمس الأمر شرف رموزها البارزة، لاعتقادها أن عملية التربية داخل محاضنها التربوية والتي تمتد لسنوات عديدة ، وفي نفس الوقت تتعامل بصرامة واضحة مع أي شخص يخرج عن أيدولوجيتها وتعتبره “صاحب فتنة” وأن خروجه من الجماعة يعتبر نفيًا لخبث الدعوة وحرصًا على بقاء صفائها الذاتي، لذا فإن انكشاف وقائع الفساد الإخواني مرتبط بالخلافات والصراعات الداخلية التي تحدث بين تيارات الإخوان.
وأكدت الدراسة أنه يعد انتشار الفساد الإداري والمالي داخل جماعة الإخوان، أحد النتائج الطبيعية للعمل السري والقيادة المنغلقة على ذاتها، التي تُقدم أهل الثقة على أهل الكفاءة، للحفاظ على ما تعتبره وحدة الصف، والتماسك التنظيمي والنقاء الأيدولوجي لها، ولعل أحد أسباب الفساد الرئيسية هو اعتبار تلك القيادات نفسها وصية على الجماعة، إضافة لخلطها أموال الإخوان التي تُجمع عبر اشتراكات وتبرعات الأعضاء وغيرها، بأموال القيادات، مع إعطائهم حرية التصرف والتدبير في تلك الأموال، دون وجود آلية محاسبية واضحة.
وتوحي وقائع الفساد التي تكشفت داخل جماعة الإخوان خلال الفترة الممتدة من 2013: 2020 بأن الفساد الموجود داخلها، أكبر بكثير من المعلن، وربما لم يكن الفساد ليظهر بهذه الصورة، لولا الخلافات التنظيمية التي نشبت بين جبهتي الإخوان، وسعي كل جبهة لحشد دعم القواعد الإخوانية لها عبر ضرب مصداقية وأمانة قيادات الجبهة الأخرى، لأن الأدبيات التربوية وفقه المحنة الذي تتبناه الإخوان يعلي من مفهوم الصمت على الأخطاء وغض الطرف عنها في أوقات الأزمات، ويؤكد على مفهوم أن الحركة قد تُنصر بأخطائها لو أطاعت قيادتها، في استدعاء لرمزية غزوة أحد (3 هجرية) والتي انهزم فيها المسلمون الأوائل.
وتلجأ الجماعة لإخفاء وقائع الفساد والتستر عليها، لا سيما إذا كان هذا الفساد يمس قادتها البارزين، وتصدر القيادة العليا أوامر مباشرة بالتكتم على التحقيقات في تلك الوقائع، دون اتخاذ إجراءات فيها، في حين لا تتسامح نهائيا في أي نقد أو كشف لوقائع الفساد وتضغط، بطرق عديدة، على كاشفيه لتقديم اعتذارات والتراجع عن الاتهامات، وفي حال رفضوا ذلك فإنها تقوم بتجميد عضويتهم أو فصلهم من الجماعة.
ولفتت الدراسة أنه رغم أن رائحة الفساد الإداري والمالي باتت معروفة ، إلا أنه من غير المتوقع أن تُساهم في ترك أثر استراتيجي كبير على الجانب التنظيمي للإخوان، أو تؤدي لحدوث انشاقاقات واسعة، وذلك يرجع بالأساس إلى طبيعة عملية التربية في المحاضن الإخوانية والتي تُركز على تعزيز مبدأ السمع والطاعة والثقة بالقيادة العليا، أو بالتعبير المصري الدارج في أوساط أعضاءها “إخوانا اللي فوق”، إضافة لعدم وجود بدائل لدى الأعضاء المتورطين في أعمال العنف أو الملاحقين قضائيا في مصر، فبقائهم في الدول المتواجدين فيها كتركيا على سبيل المثال، مرتبط بالانقياد للقيادة المتحكمة في الجانبين الإداري والمالي، وإلا طردوا من “جنة الإخوان” وحرموا من الإعانات الضئيلة التي يتحصلون عليها شهريا.
واختتمت الدراسة أن قيادات الإخوان لاسيما المجموعة المتنفذة والمتحكمة في مقاليد الأمور بها، ستظل تستخدم الفساد المالي والإداري لإحكام السيطرة على قواعد الجماعة التنظيمية، وتحقيق مصالحها الذاتية والخاصة، وستواصل اتباع أساليب ملتوية وخادعة لعموم الصف الإخواني والالتفاف على اللوائح الداخلية، وفي نفس التوقيت، ستبقى تلك القيادات تتبنى خطابًا إعلاميًا وتنظيميا يدين الفساد بكل صوره، في تمثل واضح لظاهرة الانفصام المرضي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة