لا تتشكل الحضارات من فراغ، بل تنبع من تراكمات عدة، على رأسها كثرة القراءة والاطلاع، ومن هنا يمكن النظر إلى دولة الصين، فعلى الرغم من الإيقاع السريع لأكثر دول العالم دينماكية سريعة فى الأداء، ورغم تحديات ضيق الوقت، وتداعيات كورونا، لم يكف الشعب الصينى عن القراءة يوما، متخذا شعار الكتاب صديق للتنين الأصفر، حيث أقامت الحكومة الصينية أكثر من 600 مدينة صينية لأنشطة تعزيز القراءة، ونظمت شانجهاى منتديات للقراءة إضافة لمعرض دولى سنوى ضخم.
المكتبات فى الصين عامرة بالكتب
ومع انتشار منصات البيع الإلكترونية وشعبيتها تناقص عدد المكتبات في الشوارع، وهذا ظاهرة عالمية لا يمكن إنكارها، وفى الصين ومنذ عام 2002 إلى عام 2012، عانت المكتبات في الصين وأغلق نصفها تقريبًا بسبب غلاء الايجار وصدمة الكتب الالكترونية، كما اعتاد الناس على استكشاف الكتب التي يحبونها في المكتبات، ثم شراءها بخصم يصل إلى 50٪ و60٪ على الإنترنت، لكن هذا الوضع تغير كثيرًا في السنوات الخمس الماضية.
تهيئة الجو والمناخ الملائم للقراءة
وحسب الاحصاءات، يوجد 1910 مكتبات بمدينة بكين وذلك حتى شهر نوفمبر الماضى، بزيادة 611 عن العام الماضى، وفي سبعينيات القرن الماضى، كان لدى الصين سلسة مكتبات وحيدة، هى مكتبة شينخوا التى تديرها الدولة، وكان عدد المكتبات أقل من 10 آلاف على مستوى البلاد، وفي عام 2019 ، بلغ عدد المكتبات في جميع أنحاء البلاد 160 ألف مكتبة، وهو الرقم الأعلى في تاريخ الصين.
وقالت صحيفة "أورينتال نيوز" اليابانية أن الزيادة في عدد المكتبات الصينية تعد نتيجة مباشرة للنمو الاقتصادى، وافتتاح خمس أو ستمائة مركز تسوق كبير كل عام في الصين، ومن أجل تعزيز جاذبيتها، تقوم عدة مراكز تسوق بافتتاح مكتبات، عادة ماتكون مليئة بالحس الفني. كما لايتوقع المشغلون جني الأموال عن طريق بيع الكتب، لكنهم يريدون السماح للعملاء الذين لديهم القدرة الشرائية بالتوقف والقراءة في المكتبة، ثم الذهاب إلى المطاعم لتناول الأطعمة والتسوق.
خلوة القراءة فى المكتبات
أما العامل الثاني الذي ذكرته الصحيفة اليابانية، فهو"القوة الثقافية"، حيث يبحث المشغلون عن طرق لزيادة ربحية المكتبات، مثل بيع القهوة أو الوجبات الخفيفة.
إضافة إلى ذلك، تقد عدّة مكتبات أنشطة مثل صنع القهوة وتدريس تنسيق الزهور وفصول الموسيقى، وتقيم بعض المكتبات مايزيد عن 300 نشاط سنويا. في هذا السياق، قال موظف بإحدى المكتبات: "يبلغ إجمالي الأرباح المتأتية من الكتب حوالي 30٪ ، والبن 50٪، أما هامش الربح من الأنشطة فكبير نسبيا."
وإلى جانب العوامل المذكورة، فإن الدعم السياسي يعد أحد أهم الأسباب في تطور عدد المكتبات في الصين خلال السنوات الأخيرة أيضا.
وشجعت الحكومة الصينية حملة "القراءة للجميع" وعملت على تعزيز الاستهلاك من خلال تحسين الحس الثقافي للمستهلك، ويأتي ذلك في إطار استراتيجية النمو الاقتصادي طويل المدى.
وقد نشر موقع "boredpanda" "عين بنهاى" أضخم مكاتب الصين وتضم مليون كتاب أضخم مكتبة تم إنشاؤها فى الصين، تلك التى تحتوى على 1.2 مليون كتاب، ذكرت صحيفة "تشاينا ديلي" في تقرير لها، اليوم الثلاثاء، أن الصينيين قرؤوا ما معدله ثمانية كتب للشخص الواحد في العام الماضي، من بينها أكثر من ثلاثة كتب إلكترونية.
أماكن الأطلاع داخل المكتبات فى الصين
ونقلت الصحيفة، عن بيانات صدرت مؤخرا لمركز أبحاث البيانات الكبرى في بكين، أن عدد قراء الكتب الإلكترونية في البلاد ارتفع من 300 مليون في عام 2015، إلى 740 مليون العام الماضي، مضيفة أن أزيد من 86 بالمئة منهم أفراد دون سن ال35 عاما فيما دخل نصفهم أقل من 5000 يوان (حوالي 725 دولار أمريكي) شهريا.
وأضافت صحيفة "تشاينا ديلي" أن أدب الرومانسية والخيال والرحلات شكلت أكثر الكتب شعبية لدى القارئ الصيني، وأظهرت الأرقام الواردة في التقرير تطور سوق الكتب الإلكترونية في الصين بسرعة في السنوات الأخيرة، بقيمة سوقية تجاوزت 20 مليار يوان العام الماضي (حوالي 3 مليارات دولار)، بزيادة قدرها 21 بالمئة .
غرفة الكتب في مدينة لانتشو الصينية
كما أشارت إلى أن مبيعات التجزئة الصينية للكتب بلغت 102.3 مليار يوان (14.7 مليار دولار امريكي) في عام 2019، بزيادة قدرها 14.4 في المئة، فيما انخفضت المبيعات عبر المكتبات بنسبة 4.24 في المئة مقارنة بالعام السابق.
وأظهر التقرير طرح 194 ألف عنوان جديد في سوق بيع التجزئة للكتاب العام الماضي، ما يمثل انخفاضا بنسبة 6.7 في المائة عن عام 2018.
وقال خبراء إن مبيعات الكتب من خلال قنوات الإنترنت شكلت 70 في المائة من إجمالي المبيعات في عام 2019، ما يثبت الاتجاه المتزايد للقراء نحو اقتناء الكتب عبر منصات الإنترنت.
وقالت الحكومة الصينية أنها تخطط لزيادة شعبية الكلمة المطبوعة بين المواطنين من خلال طرق من بينها المساعدة في نشر المزيد من الكتب، وتشجيع الابتكار في الاتصالات وتوزيع الكتب في المدن الاصغر والمناطق الريفية.
الهدوء مفتاح القراءة الواعية
وأن سوق الكتاب شهد نموا مطردا في الأعوام الأخيرة بالصين مع انتعاش ديناميكية محلات الكتب الالكترونية المستمر، على الرغم من تقلص عدد المحلات الحقيقية بشكل متواصل في الصين.
ومع حلول يوم القراءة العالمي الذي يصادف يوم 23 ابريل من كل عام، ومعرض بكين الدولى للكتاب، أصبحت القراءة موضوعا ساخنا بين وسائل الإعلام والجماهير في الصين.
وتلاقي القراءة إقبالا متزايدا في الصين. فحسب نتائج استقصاء القراءة الوطني ، بلغت نسبة القراءة العامة للصينيين البالغين 79.9% بينما ازدادت نسبة القراءة الالكترونية باستمرار لتصل إلى 68.2% في العام حسب آخر تقرير.
غرفة القراءة أماكن مخصصة فى معظم المؤسسات وأماكن العمل
وقرأ الصينيون 7.86 كتاب في المتوسط خلال عام كامل، من ذلك 4.65 كتاب ورقي مقابل 3.21 كتاب الكتروني.
وتتصدر الهواتف المحمولة سبل قراءة البالغين الصينيين حيث اعتمد 66.1% منهم عليها للقراءة. وصرف كل منهم 26 دقيقة في القراءة عبر تطبيق ويتشات الذي يعد أكبر وسيلة للتواصل الاجتماعي في البلاد .
وحسب تقرير صدر عن فرع آمازون في الصين، فإن 56% من المستطلعين البالغ عددهم 14 ألف شخص يخططون لقراءة 10 كتب خلال العام 2017 ما سيسجل رقما قياسيا في الصين.
كانت الصين تعاني الصين من فجوة كبيرة من حيث عدد المكتبات بالمقارنة مع بعض الدول المتقدمة حيث كانت تحتضن أكثر من 3100 مكتبة عامة فوق مستوى المحافظات في كافة أنحاء البلاد حتى نهاية 2015 ضمنها مكتبة وطنية و39 مكتبة على مستوى المقاطعات و365 مكتبة على مستوى المدن. ولذا فإن مكتبة واحدة كانت تخدم نحو 440 ألف شخص في الصين.
ومن أجل خلق ظروف مواتية للقراءة، أدرجت الصين " القراءة للجميع " إلى تقرير عمل الحكومة المركزية خلال 4 سنوات متتالية منذ العام 2014. وحسب مشروع القانون آنف الذكر، ستتحمل الهيئات الحكومية مسؤولية رئيسية بشأن بناء المكتبات كما أنها ستشجع الدوائر الاجتماعية على المشاركة في هذه العملية.
يحتاج الانغماس فى القراءة إلى جو هادئ خالٍ من الضجة، فالجميع يفضل أن يشعر بالخصوصية أثناء القراءة، لأن الإحساس بأن هناك من يراقبنا يصيبنا بالتشتت وعدم التركيز، إلا أن تلك المكتبة يمكن أن تجذبك جذباً لزيارتها.
المكتبات فى الصين
القراءة عنصر أساسى لا يتجزأ عن الحياة اليومية
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة