زينب عبداللاه تكتب: لا تحزنوا.. ماما عبلة الآن تحصد زرعها وتلتقى بمن تحب.. كانت بلسماً تداوى الجميع بروح الدين ورحمته واختارت أصعب مجالات الخير.. أعمالها باقيات صالحات فهنيئا لها اليوم بما صنعت ومن التقت

الإثنين، 25 يناير 2021 12:27 م
زينب عبداللاه تكتب: لا تحزنوا.. ماما عبلة الآن تحصد زرعها وتلتقى بمن تحب.. كانت بلسماً تداوى الجميع بروح الدين ورحمته واختارت أصعب مجالات الخير.. أعمالها باقيات صالحات فهنيئا لها اليوم بما صنعت ومن التقت عبلة الكحلاوى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

نعم الحزن شديد ، نعم اهتزت الأرض لرحيلها وارتجف الكثيرون الذين صدمهم نبأ وفاتها، فهى الأم التى تفيض حبأ وحناناً على الجميع، حتى من يكبرونها سناً ، يثقل على اللسان والقلب أن نقول "رحلت ماما عبلة" ، انتقلت إلى السماء فخسرها أهل الأرض، خسر العالم تلك الأم الحنون والداعية الفقيهة والعالمة الجليلة التقية الزاهدة العابدة، صارت الدنيا أكثر توحشاً لأنها فقدت نبعاً ومصدراً للحب والخير والأمان والطمأنينة والسكينة، لم تعد بها الدكتورة عبلة الكحلاوى بصوتها الذى يمنحنا الأمان ويهون الصعاب ويدعو بالخير، ووجهها الباسم الذى يبعت على الطمانينة  حتى وهى تعتصر من الألم والمرض، وبخيرها الذى يفيض على الفقراء والمحتاجين والضعفاء ممن وجدوا عندها الملاذ والمأوى.

رحلت ماما عبلة كما يناديها الجميع، ورغم الحزن والألم على فراقها لكن عزاؤنا أنها اليوم فى أسعد حال ، اليوم تلتقى بمن تحب ومن كانت تدعو أن تكون إلى جواره ، ومن كانت تناديه وتناجيه دائماً بحب ولهفة المشتاق "حبيبى يارسول الله" ، اليوم تجزى ما عملت من خير وتجده حاضرا، اليوم زال عنها كل ألم ومرض وهم، اليوم تحصد مازرعت.

كانت الدكتورة عبلة الكحلاوى طوال حياتها وستظل نموذجاً فريداً لم ولن يتكرر وكأنها تنتمى للملائكة وليس البشر، بمجرد أن تسمع صوتها تشعر بالراحة والطمأنينة تنجذب إلى أسلوبها الهادئ  وروحها الطيبة، تشعر أنها أم حنون تملك صوت الحكمة فتلجأ إليها لتستشيرها وتسألها وأنت واثق أنك ستجد لديها حلاً لمشاكلك يريح قلبك، طوال حياتها لم تعنف أو تلوم أو تعاتب من يلجأ إليها أو يستشيرها مهما كان يحمل من ذنوب أو معاصى وأخطاء، كانت رحمة للجميع ، بلسماً يداوى الجراح ويفتح لك أبواب الرحمة والنجاة.

هكذا استطاعت الداعية الدكتورة عبلة الكحلاوى أن تدخل قلوب الملايين فى مصر والعالم العربى والإسلامى وأن تقدم نموذجاً للداعية التى تجمع بين التفقه فى الدين والقدرة على أن تكون محل ثقة وحب واحترام الجميع فى وقت يكثر فيه الجدل والاختلاف والضجيج، وتكثر فيه الانتقادات الموجهة لعدد من علماء الدين بعد وقوعهم فى شباك الفتاوى المثيرة أو الغريبة التى تضعهم فى مرمى الانتقادات.

على مدار عمرها لم تنساق الدكتورة عبلة الكحلاوى ولم تقع فى مثل هذه الدوائر التى وقع فيها غيرها من علماء الدين، لم تطلق فتوى غريبة أو مثيرة للجدل ، حرصت دائماً على أن تتحدث دائماً فيما ينفع الناس ويجمعهم ولا يفرقهم، ما يفتح لهم  أبواب الرحمة وينجيهم من العذاب.

لا تجد فى كل البرامج التى ظهرت فيها الدكتورة عبلة الكحلاوى أو قدمتها ما يثير الخلاف أو يسئ إلى أحد ولم تنزلق أبداً إلى مستنقعات الجدال الفارغ التى يغرق  فيها غيرها، كانت دائماً تقدس الإنسانية وتهتم بما ينفع الإنسان، تستمع بانتباه لأى سؤال أو شكوى وترد بحرص وحكمة بإجابات وفتاوى وكلمات تحمل روح الدين وسماحة الإسلام وحنان الأم وحكمة الفقه لذلك دخلت القلوب وحازت ثقة الملايين من كل الفئات.

الدكتورة عبلة الكحلاوى شخصية فريدة لم تكتف بالدعوة إلى سبيل الله ونشر سماحة الدين بالقول والفتوى فقط لكنها كانت تقدم دائماً نموذجاً للعمل الصالح، واختارت أصعب سبله.

قابلتها كثيرا فى بيتها وفى جمعية الباقيات الصالحات، حيث اختارت أن تصنع بنفسها وفى حياتها صدقة جارية تبقى لها لهذا اليوم الذى تنتقل فيه إلى جوار ربها، وتكون فى ميزان حسنات زوجها الراحل اللواء مهندس ياسين محمد بسيونى أحد أبطال حرب أكتوبر، اختارت أصعب مجالات العمل الخيرى وهو رعاية مرضى الزهايمر من كبار السن الذين تخلى عنهم أبنائهم و أقرب أقاربهم فى أصعب وأضعف لحظاتهم، وهو المجال الذى يتحاشاه الكثيرون حتى من لهم باع فى الأعمال الخيرية ولكنها كانت تستشهد دائماً بالأية الكريمة:"فلاَ اقتَحَمَ الْعَقَبَةَ  وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ  فَكُّ رَقَبَةٍ  أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ  يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ  أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ  ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْمَرْحَمَةِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ " ، هكذا اختارت ماما عبلة أن تجتاز الصعاب حتى تكون من أصحاب الميمنة ، وكانت تقول دائماً : "الجمعية أصبحت كأنها أحد أبنائى، فهى حلمى، وزادى للآخرة، وعملى الذى لن ينقطع فى الدنيا».

رأيتها كيف تتعامل مع هؤلاء المسنين الذين فقدوا كل شيئ وتخلى عنهم الأهل والأبناء ومنهم من كان ذا شأن وسلطة ومال وقوة وكأنهم أبنائها، تحنو عليهم حنان أم على أطفال فى المهد، تدخل ومعها بعض الهدايا والحلوى، لهؤلاء الذين فقدوا كل ما يملكون، الصحة والمال وحنان الأهل، ورغم أنهم فقدوا حتى الذاكرة، فإنهم يعرفونها ويفرحون بها فرحة الطفل بأمه، فيجتمعون حولها كأطفال تتجاوز أعمارهم السبعين، يحتضنونها ويتحدثون معها، ويحصلون منها على جرعات حنان ضنّ عليهم بها أقرب الأقربين.

أنفقت الدكتورة عبلة الكحلاوى معظم ما جمعته من أموال دون أن تتحدث أو تعلن، وأنشئت دار" أبى" للرجال، ودار "أمى" للسيدات، وكلاهما تحوى بشرا فى أضعف حالاتهم، مسنين عجزة لا يستطيع أى منهم أن يقوم بأبسط الأشياء، عجزوا عن الحركة والكلام ويحتاجون لرعاية خاصة وصبر شديد، ولم تتخل عنهم حتى فى أصعب أوقات انتشار وباء كورونا ، فزادت عليها مشقة رعايتهم والحفاظ على صحتهم فى الوقت الذى تنصل منهم أبنائهم ورفضوا استلامهم أو حتى دفن من رحل منهم.

أقامت عبلة الكحلاوى  أيضاً داراً لرعاية الأطفال مرضى السرطان وأسرهم وخاصة المغتربين الفقراء الذين يأتون لتلقى العلاج فى القاهرة، وشاركت فى تجهيز مئات اليتيمات، ووصل خيرها إلى المناطق الفقيرة والنائية فى القرى والصعيد، سواء مواد غذائية أو وصلات المياه،

هكذا قضت ماما عبلة عمرها فيما ينفع الناس سواء بالدعوى إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة أو فى مساعدة المحتاجين، ووسط كل هذه الضغوط كانت تحتفظ بابتسامتها وسكينتها الدائمة، وتتذكر ما مرّ بها من تجارب ورسائل ربانية، حين شاهدت والدها الشيخ محمد الكحلاوى الذى كان مطربًا وممثلًا، وفقد صوته فجأة، وبعد فترة من المحنة رأى رؤية سمع فيها هاتفًا يناديه: «سيعود صوتك، فلا تغنِّ إلا للرسول»، واستيقظ الأب ليجد صوته قد عاد، ويعيش ما تبقى من حياته مداحًا للرسول، ورافضًا أن يغنى لغيره، حتى أنه رفض الغناء أمام الرئيس عبدالناصر رغم حبه له، ووفاءً بعهده مع الله، فعرف أبنائه السبعة ومنهم الدكتورة عبلة الكحلاوى أهمية الوفاء بالعهد مع الله ومعيته.

 فهل لنا أن نحزن على من اختار معية الله حين ينتقل إلى جواره؟

اليوم ارتاحت ماما عبلة من كل آلام المرض التى تحملتها لفترة طويلة من حياتها فى صمت حتى نراها مبتسمة دائماً راضية غير ساخطة، اليوم ستجنى أمنا الحبيبة حصاد ما زرعت وستلتقى بمن تحب، اليوم أراها بوجهها الباسم المضيئ وملابسها البيضاء وكأنها عروس تطير بأجنحة الملائكة إلى السماء، فهنيئاً لها بما صنعت ومن التقت.

 

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة