منذ أكثر من 500 عام سقطت مصر في يد العثمانيين، بعد مقاومة مشهودة من المماليك، ولكن الغلبة كانت للعثمانيين، الذين تعاملوا مع مصر بصفتها مغنما، لم يهتموا بها، فقط سيطروا على مقدراتها، وكانت الخسائر كثيرة في البشر والحجر.
وألقى كتاب "تاريخ مصر من الفتح العثمانى إلى قُبيل الوقت الحاضر" لـ عمر الإسكندرى وسليم حسن، الضوء على هذه الفترةمن تاريخ مصر والمعاناة التى لقيها البشر والحجر، فيقول تحت عنوان "حكم العثمانيين فى مصر":
الضرائب
لما فتح العثمانيون مصر فى سنة (923 ﻫ/1517م) فرضوا عليها خَراجًا سنويًّا يُرسل للسلطان، يُجمع من ضرائب الأملاك وخاصة الأراضى، وكانت هذه الضرائب تسمى "الميري" — أى الأموال الأميرية — وكان لكل جهة ملتزِم يتعهد بتوريد ما يخصها من الخراج، ومن أجل ذلك تُعفى أرضه من الضريبة، ويُكلَّف الفلاحون زرعَها له بالمجان، علاوةً على ضريبة أخرى يجبيها لنفسه منهم، وكانت حقوق هؤلاء الملتزمين ومناصبهم وراثية.
وكان جانب عظيم من الأرض موقوفًا على المساجد والمدارس والأربطة وغيرها من الأمور الخيرية، وهو مُعفًى أيضًا من الضريبة، ويُزرع بعضه — إن لم يكن كله — بالتسخير.
وأنشأ السلطان سليم بالقاهرة قلمًا يُعرف بقلم "الأفندية" لتقرير الضرائب ومراقبة جمعها وتسلُّمها من الملتزمين، وجعل فيه دفاتر لحصر حساب الحكومة وأخرى لتدوين انتقال الملكية.
ويُعلم مما تقدم أن كاهل الفلاح كان مُثْقَلًا بالضرائب وأعمال السخرة، وليت مصابه وقف عند ذلك الحد؛ فإن ما كان يبتزُّه منه بيكواتُ المماليك أنفسهم كان أدهى وأمر، فإن كل بيك من حكام المديريات كان يفرض على محصول الأراضى ضريبة لإدارة المديرية تُسمى "كشوفية"، وكثيرًا ما يفرض على السكان ضرائب أخرى إضافية كما احتاج إلى المال لمحاربة نظرائه من المماليك أو مكافحة الباشا أو السلطان.
بهذه الضرائب المضاعفة — التى لم يكن لها حد معلوم — تسرَّب الفقر إلى أهل البلاد حتى وصلوا فى أواخر القرن الثانى عشر الهجرى إلى درجة من الفاقة التى لم يسبق لها مثيل.
المباني
لم تَعُدْ مصر بعد أن دخلها العثمانيون دولة ذات أملاك عظيمة كما كانت من قبل، بل صارت ولاية لا ثروة لها إلَّا من داخلها، وهذه الثروة ذاتها أخذت فى الاضمحلال بتسرُّب الإهمال فى مرافق الزراعة والصناعة، ثم إن اهتداء البرتغال إلى طريقٍ للهند حول جنوبى أفريقيا حوَّل التجارة المارة بين أوروبا والهند من طريق مصر إلى المحيط الأطلنطى كل ذلك أضعفَ كثيرًا من ثروة البلاد فصارت لا تقوى على إنشاء الآثار العظيمة التى كانت تقام من قبل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة