محمد ثروت

حدود حرية التعبير والجهل بالآخر

الثلاثاء، 08 سبتمبر 2020 12:56 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ما الشىء المفيد الذي تقدمه للإنسانية رسوم مسيئة لديانة ما أو قومية أو مجموعة عرقية؟ الإجابة لاشىء، بل الأكثر من ذلك أنها تؤجج الصراع داخل المجتمعات التي يتم نشر تلك الرسوم بها من خلال وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي. فهي تحمل أضرارا ولا تحمل أي نفع على الإطلاق.

إن الذين يرون في ذلك إيمانا بحرية الرأي والتعبير، هم أجهل الناس وأكثرهم نفاقا وتناقضا وازدواجية بمفهوم حرية الرأي والتعبير الذي تنص عليه المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: “لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود".

ذلك أن نشر رسوم مسيئة لدين أو عقيدة أو قومية أو مجموعة عرقية، يتعارض مع المادة 1 من نفس الإعلان التي تطالب بأن يعامل البشر بعضهم البعض بروح الإخاء، وفي النشر تحريض على الكراهية وتمييز بإهانة مقدسات ومعتقدات ورمز الآخرين، كما تتعارض تلك الرسوم مع قاعدة الحقوق والقيم الإنسانية التي تضمنتها المادة 30 والأخيرة في الإعلان: "ليس في هذا الإعلان أيُّ نصٍّ يجوز تأويله على نحو يفيد انطواءه على تخويل أيَّة دولة أو جماعة، أو أيِّ فرد، أيَّ حقٍّ في القيام بأيِّ نشاط أو بأيِّ فعل يهدف إلى هدم أيٍّ من الحقوق والحرِّيات المنصوص عليها فيه" .

وكيف يدعو هؤلاء المروجين للمجتمعات التعددية واحترام القيم الإنسانية إلى حرية الرأي والتعبير ويتناسون أن أساس التعددية احترام الفروق في المجالات الثقافية والدينية؟

لا شك أن كلام مسؤول غربي كبير بحجم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (بيروت 1سبتمبر 2020) عن إعادة نشر الرسوم المسيئة لنبي الإسلام محمد (ص) بأنها "حرية رأي"، يؤكد وجود أزمة كبيرة لدى الغرب والشرق معا، تتمثل في نقص المعرفة بثقافة الآخر وتقاليده وطقوسه. وقد ترتب على ذلك تجاهلا لما قد يسببه ذلك النقص من إثارة حساسيات الطرف الآخر وتغذية الصراع الحضاري، بدلا من التبادل الثقافي والحوار بين الحضارات الإنسانية.    

الإشكالية التي فجرها تصريح ماكرون ليس نقص المعرفة فحسب، بل القدرة على التمييز بين أين ينتهي حق الإنسان في حرية الرأي والتعبير، ليدخل في التحريض على الكراهية والإساءة للآخرين.

لقد رسخت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إطارا مهما لحدود حرية الرأي والتعبير بعد منع الحكومة النمساوية في مايو 1985 فيلما من العرض، لاحتوائه على سخرية من الديانة المسيحية قامت بإنتاجه مؤسسة بريمنجر للإنتاج السمعي البصري.  

لم تعتبر المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حجز السلطات النمساوية  للفيلم انتهاكا للحق في حُرية التعبير بحسب المادة ١٠ للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. واعتبارا لغياب موقف موحّد في أوروبا بخصوص دلالة الدين في المُجتمع اعتبرت المحكمة أن السلطات الوطنية تتمتع بهامش لتقييم ضرورة فرض قيود تحول دون الإساءة للمُعتقدات الدينية.

لقد تجاهل ذلك المسؤول الأوروبي الكبير أن مسؤولية الدولة بحسب قرار المحكمة الأوروبية

"أن حرية الرأي والتعبير لا تنطبق على الأفكار التي تُصدم وتُسيئ وتُحرج الدولة أو أي فئة من المُجتمع. فتلك هي مطالب التعددية والتسامح والانفتاح التي لا يُمكن لمُجتمع ديمقراطي أن يستمرّ بدونها "(الفقرة ٤٩).

رأت المحكمة الأوروبية بأن المحكمة المحلية النمساوية، لم تتجاوز هامش التقييم المُتاح لها في الاعتبار بوجود حاجة اجتماعية مُلحّة للحفاظ على السلم الديني مع الأخذ بعين الاعتبار بكون عرض شريط الفيلم للجمهور يمثل تعبيرا عاما قد يرتقي إلى درجة الإساءة".

إذا هناك حالة نقص معرفة ليس بثقافة وقيم الآخر فحسب، بل بالقوانين والقيم الأوروبية أيضا، وبميراث كبير من القرارات والتشريعات والأحكام المتعلقة بالحافظ على السلم المجتمعي واحترام التعددية.

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة