رحل عن عالمنا منذ قليل، أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح (91 عاما) بعد أن وافته المنية فى الولايات المتحدة الأمريكية أثناء استكمال علاجه منذ 23 يوليو بعد عملية جراحية أجراها فى بلاده، ليتشح العالم العربى كله بالسواد على رحيل الأمير الملقب بأمير الانسانية إلى جوار ربه.
محطات كثيرة ومسيرة حافلة بالعطاء، منذ توليه أول مسؤولية "عمل عام" فى 1954 وهو فى الـ 25 من عمره، ومرورًا بتوليه منصب أول وزير للإعلام بالكويت، ثم منصب وزير الخارجية على مدار 40 عامًا، فرئيس للوزراء خلال الفترة من 2003 إلى 2006، ثم أميرًا للكويت منذ عام 2006، وما تخلل ذلك من مناصب ومهام ومسؤوليات عديدة تولاها، لم يتوان الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح فى خدمة وطنه وأمته والإنسانية بشكل عام، فحققت الكويت فى عهده قفزات تنموية واقتصادية فى مختلف المجالات، وأسهمت وساطاته فى حل العديد من أزمات المنطقة.
توجت مبادراته الإنسانية، التى كانت لها أصداء عالمية بتكريم رفيع من الأمم المتحدة بمنحه فى 9 سبتمبر 2014 لقب "قائدًا للعمل الإنساني" وكان الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الحاكم الـ15 لدولة الكويت الابن الرابع للشيخ أحمد الجابر الصباح الحاكم العاشر للكويت.
ولد فى 16 يونيو عام 1929، ودخل "المدرسة المباركية" ومن ثم أوفده إلى بعض الدول لاسيما الأجنبية منها للدراسة واكتساب الخبرات والمهارات السياسية التى ساعدته فى ممارسة العمل بالشأن العام، وكان الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح يرافق والده فى رحلاته الخارجية.
بدأ الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حياته السياسية الأولى وتمرس فى العمل العام ولم يكن قد تجاوز الـ25 عامًا من عمره عندما تم تعيينه فى 19 يوليو عام 1954 عضوًا فى اللجنة التنفيذية العليا التى عهد إليها بمهمة تنظيم مصالح ودوائر الحكومة الرئيسية ووضع خطط عملها ومتابعة تنفيذ تلك الخطط.
وفى عام 1955 تولى منصب رئيس دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل، حيث تولى تنظيم العلاقة بين العمال وأصحاب العمل، كما أولى اهتمامًا بالفنون وعلى رأسها المسرح، فأنشأ أول مركز لرعاية الفنون الشعبية فى الكويت عام 1956، ثم فى 1957 أضيفت إلى مهامه رئاسة دائرة المطبوعات والنشر، إذ عمل على إصدار الجريدة الرسمية للكويت "الكويت اليوم"، وتم إنشاء مطبعة الحكومة لتلبية احتياجاتها من المطبوعات ووقتها تم إصدار مجلة "العربي".
بعد استقلال دولة الكويت عام 1961 عين الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح عضوًا فى المجلس التأسيسى الذى عهدت إليه مهمة وضع دستور البلاد، ثم عين فى أول تشكيل وزارى عام 1962 وزيرا للإرشاد والأنباء، التى تحول اسمها بعد ذلك لوزارة الإعلام، ليكون أول وزير لها فى تاريخ الكويت.
وفى 28 يناير 1963، وبعد إجراء أول انتخابات تشريعية لاختيار أعضاء مجلس الأمة عين الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وزيرًا للخارجية، لتبدأ مسيرته مع العمل السياسى الخارجى والدبلوماسية التى برع فيها ليستحق عن جدارة لقب مهندس السياسة الخارجية الكويتية وعميد الدبلوماسيين فى العالم، بعد أن قضى 40 عامًا على رأس تلك الوزارة المهمة قائدًا لسفينتها.
وإبان عمله وزيرا للخارجية، رفع الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح علم الكويت فوق مبنى الأمم المتحدة بعد قبولها عضوًا فيها فى 11 مايو 1963، وبذل طوال سنوات قيادته لوزارة الخارجية جهدًا كبيرًا فى تعزيز وتنمية علاقات الكويت الخارجية مع مختلف دول العالم، كما قام بالعديد من الوساطات التى أسهمت فى حل العديد من الأزمات.
وشهدت البلاد نتيجة ذلك استقرارًا فى سياستها الخارجية وثباتًا اتضحت ثماره فى الثانى من أغسطسب عام 1990 عندما وقف العالم أجمع مناصرًا للحق الكويتى فى وجه غزو الرئيس العراقى الراحل صدام حسين، والذى أثمر صدور قرار مجلس الأمن رقم 678 الذى أجاز استخدام كل الوسائل بما فيها العسكرية لتحرير الكويت.
ونظرًا إلى ما يتمتع به من فطنة وذكاء وقدرة فائقة على تحمل المسؤولية، فقد أسندت إليه العديد من المناصب، إضافة إلى منصب وزير الخارجية، حيث عين وزيرًا للإعلام بالوكالة فى الفترة من 2 فبراير 1971 وحتى 3 فبراير 1975.. وفى 16 فبراير 1978 عين نائبًا لرئيس مجلس الوزراء الكويتى، ثم فى 4 مارس 1981 تسلم حقيبة الإعلام بالوكالة، إضافة إلى وزارة الخارجية حتى 9 فبراير 1982.
ويوم 3 مارس 1985 عين نائبًا لرئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية حتى 18 أكتوبر الأول 1992 عندما تولى منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية.. وأسندت إليه مهمة تشكيل الحكومة الكويتية بالنيابة عن ولى العهد ورئيس مجلس الوزراء آنذاك الأمير الراحل الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح بسبب ظروفه الصحية، وذلك يوم 14 فبراير 2001.
فى 13 يوليو 2003، صدر مرسوم أميرى بتعيينه رئيسًا لمجلس الوزراء، ليسجل نجاحًا جديدًا فى قيادة دفة السياسة الداخلية، كما نجح على مدار 40 عامًا فى قيادة السياسة الخارجية لبلاده، ومنذ اللحظات الأولى لتوليه منصب رئاسة الوزراء، حرص الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح على تبنى رؤية شاملة وعميقة للتنمية فى الكويت تطول مختلف قطاعات الدولة، وعلى رأسها القطاع الاقتصادى، فقام بتشجيع القطاع الخاص وفتح فرص العمل الحر أمام الشباب من خلال دعم المشروعات الصغيرة.
واستمر فى مسيرة العطاء رئيسًا للحكومة الكويتية حتى يناير عام 2006، عندما اجتمع مجلس الوزراء واتخذ قرارًا بالإجماع بتزكية الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أميرًا للبلاد، وفقا للمادة 3 من قانون توارث الإمارة الصادر عام 1964.
وكان أول أمير كويتى منذ عام 1965 يؤدى اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة، وعلى مدى 55 عامًا من تولى الشيخ صباح الأحمد مقاليد الحكم شهدت البلاد نهضة تنموية شاملة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة