تواصلت المناقشات بين أعضاء «لجنة المائة» حول وثيقة «ميثاق العمل الوطنى» فى شهر نوفمبر عام 1961 بحضور الرئيس جمال عبدالناصر، وكانت الدكتورة حكمت أبوزيد ضمن هؤلاء المائة، مع سيدات أخريات، أبرزهن الدكتورة عائشة عبدالرحمن «بنت الشاطئ» وفاطمة عنان، ثم شاركن بعد ذلك فى المؤتمر القومى الذى شارك فيه نحو 1500 لمناقشة وإقرار هذه الوثيقة عام 1962.
لفتت «أبوزيد» بآرائها نظر عبدالناصر خلال هذه المناقشات.. وحسب محاضر جلساتها، طرحت قضايا كثيرة، تحدثت عن المرأة والريف والمشاركة الاجتماعية والسياسية، وطالبت: «لايجب أن نظل فى أبراجنا العاجية نصوغ النظريات، إنما لا بد أن نلمس الواقع، لا يجب أن نظل فى الجامعات كأساتذة، أو نظل فى مدارسنا كمدرسين، أوفى مهنتنا كأطباء، ولا نعرف قط ضمائرنا، ولا نستلهم هذه الضمائر، ولانستلهم مصلحة الشعب»، وتحدثت عن «كيف لا نبعد مبادئ الاشتراكية عن المبدأ الإنسانى؟».
لم تفارقها ذكريات هذه الأيام حتى آخر أيامها (توفيت فى 30 يوليو 2011)، تتذكرها فى حوار لها مع جريدة «البيان» الإماراتية، 23 يوليو 1999»، شارك فى أجزاء منه زوجها المستشار محمد الصياد، تقول: «كانت مناقشات ميثاق العمل الوطنى هى المرة الأولى التى دار فيها حوار بينى وبين عبدالناصر، تناقشنا واختلفنا حول المراهقة السياسية والمراهقة الفكرية»، تضيف: «التقطت الميثاق، وقرأت ما جاء فيه عن المراهقة السياسية والفكرية، واستمرت المناقشة والخلاف ما يقرب من 15 دقيقة».
يتذكر زوجها: «كنت أتابع ما يدور فى منزلنا بجوار محافظة الجيزة عبر الشاشة الصغيرة (كان التيلفزيون ينقل الجلسات مباشرة) شاهدت عبدالناصر يكتب فى ورقة صغيرة اسمها، وحين عادت إلى المنزل أخبرتها أن عبدالناصر كتب اسمها فى ورقة صغيرة، وهذا يعنى أنه إذا قرر أن تكون فى مصر أول وزيرة عربية فسوف تكونين أنتِ.. ردت: هل هذا معقول؟!».
صدقت توقعات الزوج، فبعد فترة أقدم الرئيس على تشكيل جديد للحكم شمل، مجلس للرئاسة، ومجلسا تنفيذيا (وزراء)، وكان رئيس هذا المجلس هو «رئيس المجلس التنفيذى» ويساوى رئيس الوزراء، وترأسه على صبرى، يتذكر «الصياد»: «استدعاها على صبرى من رأس البر، وأثناء المقابلة كان عبدالناصر يعلن فى خطبة له أنه اختار سيدة لوزارة الشؤون الاجتماعية، وعاملا لوزارة العمل، فقال لها على صبرى: من أجل هذا استدعيتك»، كان الاستدعاء يوم 25 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1962، وإعلان التشكيل يوم 29 سبتمبر 1962، وشغلت فيه «وزير دولة للشؤون الاجتماعية»، لتكون شعلة نشاط فى تنفيذ مشروعات اجتماعية كثيرة ضمن مشروعات الخطة الخمسية الأولى، وأطلق عبدالناصر عليها لقب «قلب الثورة الرحيم» وقت زيارة السيدة «باندرانيكا»، رئيسة وزار سيلان إلى مصر، وإطلاعها على دورها فى تهجير النوبة من المنطقة الجنوبية لأسوان إلى شمالها لبناء السد العالى، حسبما تؤكد هى.
كان اختيارها وزيرة حدثا كبيرا، لأنه الأول من نوعه فى تاريخ مصر، ودفعا من ثورة 23 يوليو لحقوق المرأة، وتتويجا لتاريخ هذه السيدة المولودة عام 1916 فى كفر الشيخ داود، القوصية، محافظة أسيوط، وتنقلت من مدرسة ابتدائية لأخرى بالصعيد، والتحقت بمدرسة حلوان الثانوية، ثم كلية الآداب قسم التاريخ، وحصلت على دبلوم معهد التربية عام 1941، وماجستير التربية من أسكتلندا عام 1950، ودكتوراه فى علم النفس التربوى من جامعة لندن، والتحقت بالتدريس بكلية البنات جامعة عين شمس، وانخرطت فى صفوف اللجنة النسائية للمقاومة الشعبية مع سيزا نبراوى وإنجى أفلاطون، أثناء العدوان الثلاثى 1956.
كان والدها ملهما لها، حسب تأكيدها لمجلة «حواء، 25 سبتمبر، 2010»، تتذكره بمحبة قائلة: «كان يعتبر البنات أحق من الذكور فى التعليم، ومن هنا كانت لديه روح مجاهدة من أجل تعليم بناته اللائى سبقن أولاده الذكور فى الولادة، لم يسعَ لشراء أطيان يتركها لنا، ولكن هذا الفلتة الطبيعية تنبأ بأهمية تعليم الفتيات، وتغلب على الصعوبات الجغرافية، وانتقالنا من مدرسة لأخرى بسبب تنقله للعمل بالسكة الحديد فى أماكن مختلفة، كان يفعل ذلك فى وقت كان الصعيد بلا أى نهضة تربوية أو تعليمية».
وتم المشروع الذى جندت من أجله وزارات: «الإسكان، والصحة، والزراعة واستصلاح الأراضى»، حتى قال عنى الزعيم أثناء لقائه بالسيدة باندرانيكا رئيسة وزراء سيريلانكا، والتى أظهرت انبهارها بالتجربة: انها عبأت كل إمكانيات الدولة.. إنها قلب الثورة الرحيم».
غادرت مصر إلى ليبيا أثناء حكم الرئيس السادات، وتم سحب جواز سفرها والتحفظ على ممتلكاتها لمعارضتها السلام مع إسرائيل، حتى عادت إلى مصر فى مارس 1992.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة