اتهام الإسلام والمسلمين بالإرهاب أصبح أمرا معتادا من الأعداء التاريخيين، وأحيانا- للأسف- يكون مقبولا من بعض دعاة التنوير المزعوم من بنى جلدتنا، فحين يقع حادث فى أقصى الأرض، يذهب بحياة العديد من الأشخاص ويدمر المبانى والممتلكات وقبل أن يعلن من قبل السلطات المختصة فى هذا البلد عن طبيعة الحادث هل هو إرهابى؟ أم بسبب انفجار أنبوبة غاز بالقرب من مخزن محروقات؟ يتبرع هؤلاء ويشمرون عن ساعد الجد، ويشدون أربطة أعناقهم، ليظهروا بمظهر جيد أمام شاشتنا، وكأنهم فرغوا للتو من التحقق من حقيقة الحادث، ربما بخيالهم النافذ أو جنودهم من الشياطين، فيعلنون بكل وضوح: أن هذا «تفجير إرهابى يقف خلفه مسلمون متشددون»، مع أن هؤلاء العباقرة سمعوا عن الحادث لتوهم ربما ممن يستضيفهم، وربما تسمع فى غمرات انفعالهم ترديد كلمة «الأزهر» ومناهجه وقياداته، وتسبب الجميع فى مثل هذه الأحداث الإرهابية، وقبل انتهاء اللقاء- أو بعده- إذ ببيان رسمى يصدر من جهات الاختصاص بهذه الدولة يعلن بأن الحادث ليس إرهابيا، إنما هو نتيجة ماس كهربائى أو انحراف عجلة قيادة لسيارة ارتطمت بمخزن لمواد مشتعلة! فيختفى أصحابنا دون اعتذار عن تعجلهم ورعونتهم وكذبهم واتهامهم للمسلمين من دون دليل، ولا نرى وجوههم إلا حين يقع حادث آخر ليكررون فعلتهم دون استحياء ودون أن يذكرهم مستضيفهم بخطأ تحليلهم لحدث سابق، أما فى الغرب فلا يحتاجون إلى حادث أصلا ليرددون اتهاماتهم لديننا ولأتباعه بالعنصريّة ومعاداة الساميّة والإرهاب والهمجيّة والجهل والتخلف! مع تأكيدهم على أنهم أمم متحضرة ترعى الحريّات ولا تفرق بين مواطنيها الأصليين والمجنسين والمقيمين فيها، وأن المنتمى لديانة الدولة الرسميّة لا فضل له على المنتمى لدين آخر، وغير ذلك من شعارات يثبت الواقع كل يوم أنها شعارات زائفة وغير حقيقيّة، وأننا نحن الأمم المتحضرة حقا، وإن لم نؤمن نحن بفضل نُخبنا التى لا تكف عن بث الإحباط فى نفوسنا والتقليل من شأننا، والمعالجات الظالمة لنا ولحضارتنا ولأدياننا مقارنة بالآخرين، وهذه الأبواق الناعقة هنا وهناك لا تراها ولا تسمع لها صوتا حين تودى العمليّات الإرهابيّة بأرواح المسلمين التى ينفذها غير مسلمين فى بلاد الغرب، وغيرها، وما أحداث مينمار ونيوزلاندا، وغيرهما عنا ببعيد.
وحتى لا يكون كلاما مرسلا، أعلم أنه لن يروق لكثيرين مهما دللت عليه، فلنلق نظرة على بعض الأحداث التى وقعت فى بلاد الحريّات الزائفة، وموقفهم وموقف نخبنا منها، ولست فى حاجة لعرض موقف هؤلاء وهؤلاء من مماثلة مرفوضة تقع من ضالين فى بلادنا.
فحين وقع الحادث الإرهابى على صحيفة شارلى إيبدو الفرنسية فى عام 2015م، كان الأزهر فى طليعة المؤسسات التى أدانت وبشدة هذا الحادث الإجرامى، رغم إجرام الصحيفة بنشرها رسوما مسيئة لرسولنا، وأكد الأزهر- فى بيانه- أن تجاوز الصحيفة المرفوض والمستقبح لا يُبرر الاعتداء على مقرها، فالفكر يواجه بالفكر وليس بالفجر والقتل، وهذا هو التحضر بعينه، وكان موقف المؤسسات الإسلاميّة والدول الإسلاميّة رافضا من قبل، وبشدة، لما وقع فى دول أخرى كالدنمارك وغيرها ممن نشروا صورا ميسئة لرسولنا ولديننا، ولكن لم يبح أحد ولم يحرض مسلمين للقيام بأعمال عنف ضد الفاعلين، وهذا هو التعامل الراقى والمتحضر فى مقابل التصرفات الهمجيّة التى قامت بها مؤسسات فى الدول الرافعة والمتشددة براية الحريّات، ثم تسابقت مؤسساتنا- وفى مقدمتها الأزهر- لإدانة كل أعمال الإرهاب والعنف التى وقعت فى كل أنحاء العالم ومنها أوروبا بما فيها الدول التى ارتكب من على أرضها أكبر الإساءات لديننا، وهذا دليل تحضرنا ورقينا، ولم تُقدر هذه المؤسسات والدول هذه المواقف الرسميّة الداعمة لهم فى مقاومة العنف الواقع على أرضهم، بل سمحت لهم- مرارا وتكرارا- بمعاودة الإساءات ونشر الرسوم المسيئة، وحرق نسخ من كتاب الله لأكثر من مرة، وفى أكثر من دولة، كان آخرها السويد، وربما يبادر البعض منا- وليس منهم- متطوعا ليدافع عن تلك الدول بأنها بلاد حريُات لا تتدخل فى عمل مؤسسات على أرضها، بدليل أن هذه الصحف عندهم تنتقد قيادات دولهم أشد ما يكون الانتقاد بكل حريّة، ويُعدد المدافعون من بنى جنسنا أدلة على إعمال الحريّات فى هذه الدول، وأقول لهؤلاء: ماذا لو أن صحيفة- أو صحفى- بدولة من هذه الدول فعل برسول غير رسولنا مثل ما فعلوه برسولنا؟ وماذا لو تجرأ أحدهم فاتهم الشعب اليهودى أو المسيحى أو غيرهما ببعض ما يكيلونه لنا كمسلمين؟ وهل الحريّات فى هذه الدول تقبل أن تفعل صحيفة فى بلادنا شيئا مماثلا- حاشا لله- برسول غير رسولنا؟ وهل سيكتفون إن قمنا بإغلاق هذه الصحيفة أو حتى حاكمنا القائمين عليها؟ أم أنهم سيطالبون بهم ليحاكَمون على أرضهم بتهمة معاداة السامية وازدراء الأديان؟ وغير ذلك من قوائم الجرائم التى على ما يبدو الاعتداء على الإسلام والمسلمين ليس من بينها، فهو فقط الكلأ المباح لكل من أرد الاستهزاء بدين ورسوله وأتباعه.
لا نقبل- بكل تأكيد ونرفض كل الرفض- التعرض لأى دين ولأى رسول، كما نرفض التعرض لرسولنا ولديننا، فنحن نؤمن بكل الأنبياء السابقين، وإيماننا بهم شرط لقبول إسلامنا كما نص عليه كتاب ربنا وأمرنا به: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}، ومع إيماننا برسلهم أجمعين لا نكرههم على الإيمان بديننا ورسوله، ولكن من حقنا أن يحترموا ديننا، وهذا موقف متحضر فى مقابل أفعال همجية عدائية، فإن لم يفعلوا فلدينا من الوسائل ما يرغمهم على ذلك صاغرين دون أن نحرك جيشا أو نرفع سلاحا فهؤلاء يؤلمهم عض رغيفهم أكثر من عض قلوبهم، ولكننا- للأسف- لا نستخدم هذا السلاح الفعال، فبضاعتهم أقرب لقلوبنا من بضاعتنا وأموال أثريائنا فى خزائن بنوكهم ومشروعاتهم التنموية.
إن ما يقع على أرض هذه الدول التى تدعى التحضر لهو عين التخلف والإرهاب الفكرى فى أبشع صوره، وهو دليل عنصرية بغيضة، وتفريق حقيقى فى الموقف من الأديان وأتباعها وإن أعلنوا غير ذلك، واستفزاز لمشاعر المسلمين المقيمين على أرض هذه الدول وغيرهم، وهى الشرارة التى يستغلها بعض المتهورين من المسلمين لسلك طريق الإرهاب الدموى المرفوض منا كمسلمين متحضرين نواجه الفكر المتطرف والمنحرف بالفكر الصحيح المنضبط، فسقوط الآخرين لا ينبغى أن يجرنا إلى هاويتهم، لكن يرسخ أقدامنا ويجعل هامتنا شامخة.
إن ديننا لن تنال منه أفعال هوجاء يقوم بها قطعان من المجرمين الذين لا يعرفون لأى دين- حتى الدين الذى يتبعونه- حرمة، فلا يوجد دين ولا رسول يسمح بالمساس بدين آخر، فرسلهم بشرت برسولنا وتمنى بعضهم لو كان ممن يدرك رسولنا ليكون من بين أتباعه، ورسولنا امتدح إخوانه من الأنبياء والمسلمين، وأعلن أنه جاء ليتم بناءهم لحقيقة الدين الواحد: «إنَّ مَثَلِى ومَثَلَ الأنْبِياءِ مِن قَبْلِى، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فأحْسَنَهُ وأَجْمَلَهُ، إلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِن زاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ به، ويَعْجَبُونَ له، ويقولونَ هَلّا وُضِعَتْ هذِه اللَّبِنَةُ؟ قالَ: فأنا اللَّبِنَةُ وأنا خاتِمُ النبيِّينَ».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة