محمد ثروت

مع وليم سليمان قلادة ..عن المواطنة ونهاية عقد الذمة

الأحد، 09 أغسطس 2020 12:16 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يعتبر المفكر الراحل الدكتور وليم سليمان قلادة(1924-1999) وكيل مجلس الدولة المصرى، و‏ ‏الكاتب ‏الموسوعي‏ ‏والقانوني‏ ‏والمؤرخ‏ ، من ‏‏أوائل‏ ‏الذين‏ ‏اهتموا‏ ‏بقضية‏ حوار الأديان ‏و المواطنة‏ ‏والتنظير‏ ‏لها‏ ‏منذ‏ ‏فترة‏ ‏مبكرة‏ ‏في‏ ‏تاريخ‏ ‏مصر‏ ‏المعاصر،  أصدر‏ ‏العديد‏ ‏من‏ ‏الكتب‏ ‏والمؤلفات‏ ومنها: ‏الحوار‏ ‏بين‏ ‏الأديان‏، ‏المسيحية‏ ‏والإسلام‏ ‏في‏ ‏مصر، ‏مصر‏ ‏في‏ ‏طقوس‏ ‏كنيستها‏ ‏،مبدأ‏ ‏المواطنة‏: ‏دراسات‏ ‏ومقالات‏، المواطنة المصرية :حركة المحكومين نحو المساواة والمشاركة، التسامح الدينى والتفاهم بين المعتقدات.  

ومن بين الكتب المهمة التي صدرت بعد وفاة قلادة، كتابه "المواطنة المصرية: حركة المحكومين نحو المساواة والمشاركة"، وقد استغرق في تأليفه، بحسب تلميذه المفكر سمير مرقس-تسع سنوات منذ عام ١٩٩٠ حتى وفاته عام ١٩٩٩.

الكتاب رؤية موضوعية لهوية مصر، التي نشأت فيها الحركة الدستورية مبكرا قبل دول كثيرة في المنطقة، بعد انجلترا وفرنسا، وارتبطت  الصيغة المصرية المنفردة للدين بالأرض و الطبيعة، فالإنسان المصري يرى الدين في براءته الأولى، وثوابته العليا ومقاصده السامية ومثله النقية، ولذلك التقت المسيحية والإسلام على أرض مصر دون تعارض وعلى خلفية حضارية تستوعب كل ثقافة وافدة. 

تحدث قلادة عن فقه الحكام وفقه المحكومين بخلفية قانونية وتاريخية  مميزة، مشيرا إلى أن  المصريين أول من ثاروا ضد ان الخليفة أو السلطان أو الحاكم ظل الله في الأرض، ورسخوا لمبدأ السيادة للوطن والمواطن، من خلال أكبر انتفاضة لعرب البلاد وقبطها، منذ العام ١٠٧ ه وحتى العام ٢١٧ ه حين اخمدها المأمون.  وكانت ثورة ضد الدولة الريعية التي تنتسب للإسلام،  وكان الهدف إبقاء إيرادات وخيرات مصر لأهلها.

وفي الفصل الثاني عشر من الكتاب يتحدث قلادة عن قضية شغلت حيزا كبيرا -ولاتزال، من الفقه السياسي، وهي عقد الذمة أو حقوق وواجبات غير المسلمين في الدولة الإسلامية.ويرى قلادة أن الواقع ألغى المبررات التاريخية لهذا العقد، فالواقع الراهن يعتبر غير المسلمين مواطنين من الدرجة الأولى، فلا قسمة للناس على أساس أديانهم، واعتبار مواطني الدولة الإسلامية هم المسلمون دون غيرهم أو قبل غيرهم،  واعتبار مسئولية النظام أمانة في عنق المسلمين وحدهم.

ويشير قلادة في كتابه إلى أن تاريخ المصريين واحد منذ الفتح الإسلامي لمصر، والفلاح القبطي أو المسلم كانت معاناته واحدة في أوقات مغالاة بعض الولاة في دفع الضرائب، وكانت الكنائس تبنى في عهد الصحابة، كما أن فرض ملابس معينة على أهل الذمة في بعض العصور لاقت اعتراضا، اضطر الولاة لتغيير المراسيم. وينقل قلادة عن المؤرخ إبراهيم على حسن، أن الدولة الإسلامية منذ بدايتها في مصر وحتى العصر الحديث- درجت على أن تجعل الولاية الإدارية والمالية في أيدي الأقباط، مثل يوحنا ابن المصري، وواصف القبطي، والمعلم إبراهيم جوهري والمعلم جرجس جوهري وغيرهم من الكتبة والصيارفة ومسؤولي توزيع الضرائب والمحاسبين في دواوين الدولة المصرية بمختلف عصورها.

ويرصد قلادة مجالات متعددة كانت تضم المصريين جميعا، بعيدا عن تقسيمة الدين، وهي المهن وخاصة الزراعة، والمناسبات الاجتماعية، واللغة الواحدة والفن والإدارة والاشتراك معا في مواجهة القرارات الجائرة والمواجهة مع الغازي الوافد من خارج البلاد.

أرسى وليم قلادة قواعد للحوار في ضوء الخبرة المصرية، القاعدة الأولى (عن الآخر) وهي تدعو الى فهم الآخر كما يريد هو أن يكون مفهوماً.

القاعدة الثانية (عن الشخص) وهي تؤكد أن الحوار ليس فقط دعوة لفهم الآخر ولكن كي يزداد الشخص المشارك فيه تفهما لعقيدته حتى يستطيع عرضها للآخر بأسلوب مقنع.

القاعدة الثالثة (عن المطلق) وهي تؤكد أن الايمان الأصيل بالله يعني أن المتدين يؤمن بأن الخالق الذي يؤمن بوجوده هو المعتني بجميع البشر مهما اختلفت فيما بينهم الأجناس والأديان والعقائد.

القاعدة الرابعة (عن الممارسة) وهي تؤكد أن جوهر الدين ليس مجرد المعرفة النظرية وحسب، وإنما الممارسة العملية أيضاً. أي إلتحام المبدأ بالواقع ثم التزام الموقف والتبعات الناشئة من هذا الالتحام.

إن هذا الكتاب دعوة لقراءة متعمقة في إسهامات المفكرين المصريين في حركة التنوير والمواطنة والإصلاح الديني، ودعوة لاسترداد هوية مصرية متسامحة، بعيدة عن التدين الشكلي الوافد.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة