محمد حبوشه

لبيروت.. من قلبى سلامٌ لبيروت

الجمعة، 07 أغسطس 2020 09:56 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لبيروت..

من قلبى سلامٌ لبيروت

وقُبلٌ للبحر والبيوت

لصخرةٍ كأنها وجه بحارٍ قديمِ

هى من روحِ الشعب خمرٌ

هى من عرقِهِ خبزٌ وياسمين

فكيف صار طعمها طعم نارٍ ودخانِ

لبيروت..

مجدٌ من رمادٍ لبيروت

من دمٍ لولدٍ حُملَ فوق يدها

أطفأت مدينتى قنديلها

أغلقت بابها

أصبحت فى المساء وحدها

وحدها وليلُ

لبيروت..

من قلبى سلامٌ لبيروت

وقُبلٌ للبحر و البيوت..

 

تلك الكلمات التى كتبها "جوزيف حرب"، وغنتها جارة القمر "فيروز" هى خير ما يمكن أن يقال الآن فى ظل أزمة الانفجار المروع الذى هز أرجاء بيروت، حتى أن البعض وصف انفجار الأربعاء بأنه مثل انفجار "هيروشيما"، والذى صادف اليوم الذكرى 75 له، وسقط على إثره مئات القتلى وآلاف الجرحى من أبناء لبنان الحر الأبى، هذا الشعب الذى كتبت عليه الانفجارات على مدار تاريخه، حتى تبدو الانفجارات بكل أصنافها قدر بيروت المحتوم، غير أن الانفجار الأخير مختلف عن سابقيه، وقد يتحول إلى علامة فارقة فى تاريخ "سويسرا الشرق الأوسط"، وربما قد يسرع ببلد مُترنح إلى الهاوية، كما يرى عدد من المعلقين السياسيين.

يبدو لى ولغيرى أن ذاكرة بيروت الحديثة أصبحت مليئة بالمآسى والحروب، فالوهلة التى تلت الانفجار دفعت اللبنانيين إلى الغوص من جديد فى جروح لم تندمل لماضى قريب بعيد، عدة وسائل إعلام عربية وعالمية تساءلت: أليس من صدف الأقدار أن يكون مكان اغتيال رفيق الحريرى رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق، على بعد بضعة كيلومترات فقط من موقع انفجار الميناء - وذلك قبل 15 عاماً - فى هجوم هز العالم فى حينه، صحيح أنه قد وُجهت فيه أصابع الاتهام لنظام الأسد وحليفه حزب الله.

 

ويتزامن ذلك أيضا مع تلك القضية التى من المتوقع أن يفصل فيها القضاء الدولى نهاية هذا الأسبوع، غير أن ضخامة الانفجار الأخير جعلت بعض رواد المواقع الاجتماعية يعتبرونه صيغة لبنانية باعتداءات الحادى عشر من سبتمبر 2001 فى الولايات المتحدة، وإن اختلف السياق.. هى إذن فقاعة من الدخان تصاعدت فى ومضة إلى السماء أوحت، بصرياً على الأقل، بانفجار لا تحدثه إلا أسلحة لدمار الشامل.

 

مواقع كثيرة كتبت ووصفت حال منطقة الجميزة فى بيروت، القلب النابض للحياة الليلية الصاخبة فى العاصمة اللبنانية، فبعد الأزمة الاقتصادية الخانقة جاءت جائحة كورونا لتسدل ستار من الظلام الدامس فى ظل انقطاع متواصل للكهرباء فى منطقة ألفت ألا تنام، قبل أن يفرض عليها حالة أخرى أكثر سودا من الصمت والهدوء فى أجواء سريالية حتى قبل انفجار لم يعرف لبنان مثيلاً له، بما فى ذلك أحلك فترات الحرب الأهلية.. إنها كارثة اختارت أسوأ وقت ممكن فى بلد يوجد أصلا على شفا الانهيار، كما أجمع على ذلك المعلقون السياسيون فى كبريات وسائل الإعلام الدولية التى عبرت عن صدمتها من روعة الحادث.

وسائل الإعلامية العالمية  واكبت على مدار الساعة تداعيات الكارثة، ما هو معروف حتى كتابة هذه السطور، هو أن انفجارا مزدوجا بقوة غير مسبوقة حدث يوم الثلاثاء (الرابع من أغسطس 2020)، حوالى (الساعة 6:10 مساءً) فى ميناء العاصمة اللبنانية، الانفجار دمر جزءاً مهما فى بيروت بحصيلة ثقيلة "مؤقتة" مايقرب من 150 قتيلاً، ومايقرب من خمسة آلاف جريح حسب الصليب الأحمر الدولي، وفى نداء عاجل دعا رئيس الوزراء اللبنانى "حسان دياب" جميع الدول الصديقة والشقيقة التى تحب لبنان للوقوف إلى جانبه" ومساعدته حتى تلتئم جراحه.

 

أظهرت مقاطع الفيديو العديدة التى تناقلتها منصات التواصل الاجتماعي، حرائق فى المبانى وعلى أرصفة ميناء بيروت، كما تضررت سفينة تابعة للأمم المتحدة، وأُصيب جنود من بعثة القبعات الزرقاء التابعين للمنظمة الدولية "يونيفيل"، بعضهم فى حالة خطيرة، بحسب بيان للأمم المتحدة، السلطات الأمنية اللبنانية بدأت على الفور تحقيقات موسعة للكشف عن خلفيات الانفجار، حيث قال شهود عيان أنهم سمعوا دويه حتى بلدة لارناكا الساحلية بقبرص على بعد 240 كيلومتراً من الساحل اللبناني، الحادث أثار موجة تعاطف عالمية، فإلى جانب برلين وباريس وغيرها من العواصم الأوروبية التى قالت إنها تقف إلى جانب لبنان، عرضت عدد من العواصم العالمية، بما فى ذلك إسرائيل، البلد الذى يوجد رسمياً فى حالة حرب مع بلاد الأرز.

 

بسبب حجم الانفجار والأضرار غير المسبوقة التى أحدثها، رفضت جهات كثيرة فى البداية سواء على مستوى الداخل اللبنانى أو على مستويات أخرى إقليمية ودولية القبول بفرضية الحادث العارض، ربما فى البداية افترض الكثيرون فرضية غارة جوية أو قنبلة تم تفجيرها، حتى أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تحدث عن "هجوم فى بيروت"، نقلاً على ما يبدو عن جنرالاته، وتبدو لى تصريحات ترامب هى محاولات للتعمية على الحقيقة التى تكمن وراء هذا الانفجار المروع الذى أودى بحياة المئات وخلف آلاف الجرحي، وهذه الأعداد ليست للبنانيين فقط، بل تشمل دول كثيرة حتى أنها تمثل منتخب العالم على أرض لبنان، ومن ثم تتحول القضية اللبنانية إلى قضية دولية بامتياز، ما يتطلب دخول كافة الأطراف لتخفيف العبئ عن كاهل شعب يعانى انقسامات على صخرة الواقع السياسى الذى تديره عصابة تحكم لبنان حاليا.

 

وأحب أن أؤكد أن تعبير "عصابة تحكم لبنان" ليس من عندياتي، بل إنه أصبح تعبيرا دراجا - حسبما قال لى بعض الأصدقاء اللبنانيين الذى كنت قد بادرات بالاطمئان عليهم فور حدوث الانفجار، وكلهم جميعا أشاروا إلى أن لبنان للأسف تحكمه عصابة تعمل لصالحها، ولا ترى المواطن اللبنانى على الإطلاق، وربما كان ذلك منذ اندلاع الأزمة اللبنانية على أثر احتجاجات الشارع المعروفة بانتفاضة 17 أكتوبر 2019، والتى ماتزال آثارها قائمة على الأرض حتى الآن، فى ظل حالة من التخبط فى القرارات حتى جاء الانفجار كاشفا الحقيقة العارية.

 

وفى أعقاب وصول الرئيس الفرنسى "ماكرون" أمس الخميس تبدو خيوط اللعبة الدولية تحكم قبضتها من جديد على بلد عربى أصبح منكوبا بفعل شياطين الأنس من أبنائه الذين يحكمونه فعلى الرغم من طمأنة الرئيس الفرنسى اللبنانيين بعدم دعم الأيدى الفاسدة، لكنه فى نفس الوقت يحمل أجندة الاتحاد الأوروبى عبر شروط تعد معجزة لكل أطراف الأزمة اللبنانين من السياسيين، ومن ثم ذلك يمهد لتدويل الأزمة اللبنانية على النحو الآتي:

إعلان بيروت مدينة منزوعة السلاح من ميليشيا حزب الله.تفكيك جميع مخازن ومؤسسات الحزب من بيروت والضاحية الجنوبية.تسليم مطار بيروت لقوات مشتركة دولية برئاسة ألمانيا.انتشار "اليونفيل" فى بيروت وجبل لبنان وتثبيت طرادات بحرية قبالة بيروت وصولا للجنوب.تفكيك جميع منظومة الصواريخ والأسلحة للحزب فى الجنوب، وتسليم المراكز لليونفيل.استقالة مجلس النواب وعلى رأسهم "نبيه بري" والحكومة وإجراء انتخابات سريعة ينتج عنها انتخاب رئيس للجمهورية فورا.طرح لائحة بأسماء الأمنيين المشبوهة انتماءاتهم وتطهير الأجهزةفى حال رفض المسؤولين هذه المطالب سيصدر قرار عن مجلس الأمن خلال عشرة أيام يقضى بتكليف حلف الناتو تولى فرض الأمن فى لبنان وتنفيذ النقاط السابقة.

 

والمتأمل لتلك الشروط سوف يلحظ أن هنالك ترتيبات مع بعض أطراف الصراع اللبنانى سبقت زيارة "ماكرون" للعاصمة اللبنانية بعدة ساعات، فقد طالب وليد  جنبلاط رئيس الحزب الاشتراكى والنائب السابق، بلجنة تحقيق دولية لكشف الحقيقة بشأن انفجار مرفأ بيروت، مؤكدا أنه لا ثقة بهذه الحكومة على أنها قادرة على كشف الحقيقة، وأكد جنبلاط فى مؤتمر صحفى قائلا: "لا نؤمن بأى لجنة تحقيق محلية، ونطالب بلجنة تحقيق دولية لنكشف الحقيقة ولنعرف كيف وقع انفجار بيروت، ولا ثقة بهذه الحكومة أنها قادرة على كشف الحقيقة".

 

وقد لاحظت وربما غيرى أيضا لاحظ، أنه فى أثناء هذا المؤتمر سأل جنبلاط عن الانفجار"هل هو صدفة أم مؤامرة؟.. رد على الفور فى عبارة ملخصة: "التحقيق سيكشف ذلك"، لكنه أضاف: "من المعلومات الضئيلة التى أملكها، هذه الكمية الهائلة التى أتت من الأمونيوم إلى مرفأ بيروت وبقيت تقريبا 6 سنوات، لا تنفجر حتى لو كانت سامة أو متفجرة لوحدها، إنها بحاجة لصاعق، وعندما نرى كيف أن ذخائر أو مفرقعات معينة بدأت تنفجر تمهيدا للانفجار الكبير هذا هو الصاعق".

 

ولعل أخطر ما قاله جنبلاط فى تصريحاته: إن "الحكومة الحالية معادية ولا بد من حكومة حيادية تخرجنا من المحاور ويجب السيطرة على المعابر والمرافئ"، مشددا على أن "لا ثقة بالمطلق بهذه العصابة الحاكمة".، هكذا قالها دون مواربة "العصابة الحاكمة"، ولفت جنبلاط إلى أن "العرب أتوا إلى لبنان المجروح المحتل المعزول المسيطر عليه. أتى العرب ليقولوا نحن معكم بالرغم من كل الصعاب"، شاكرا للرئيس الفرنسى "إيمانويل ماكرون" زيارته الذى أتت بأوج صعاب لبنان، ورغم الموقف المتوحش من قبل الحكومة الذى أجهض مهمة وزير خارجية فرنسا "جان إيف لودريان" منذ أسبوع، وكأنه يرغب فى وصاية فرنسية جديدة على لبنان.

 

واقع الحال يقول للأسف: أن الدراما التى يعشها لبنان ستستمر طويلاً، فبعد أشهر من الاضطرابات السياسية وما خلفه ذلك من انهيار شبه تام للاقتصاد، بخلاف معاناة اللبنانيين من تداعيات وباء كورونا القاتل، فوجئ اللبنانيين بدعوات على مواقع التواصل الاجتماعى فيس بوك، تطالب بعودة الانتداب الفرنسى للبلاد، والخوف كل الخوف من تلك الدعوات التى جاءت بالتزامن مع زيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، لأنها للأسف تضمنت توقيعات أكثر من 36 ألف شخص بحسب تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية بى بى سي، مشيرة إلى أن العريضة انعكاس لحالة الغضب والاحباط التى يعانيها اللبنانيين منذ تفجير مرفأ بيروت الذى خلف أكثر دمارا شاملا فى المنشآت والبشر.

 

خوفى كل الخوف من تلك العريضة التى تطالب بوضع لبنان تحت الانتداب الفرنسى للسنوات العشر المقبلة، وفى ظل حالة الانقسام والجدل بين مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى من اللبنانيين، تتسع هوة الخلاف أكثر مع تطور الأزمات التى تلحق بلبنان، رغم أن بعضهم استنكر المطالبات بعودة الاحتلال واصفا إياها بأنها خيانة للوطن، لكن رأى البعض الآخر أن لبنان "لم يكن بلداً مستقلاً فى أى وقت من الأوقات"، مجادلا بأن ذلك قد يكون حلاً للمشهد المعقد الذى تعيشه البلاد فى ظل حالة انعدام الثقة فى الطبقة السياسية الحاكمة.

 

قلبى مع لبنان وبيروت أجمل مدن الدنيا، وقد اعتصرنى الألم مثل كثير من المصريين والعرب، حين أعلن رئيس وزرائه بأنها مدينة منكومة قبل أيام .. لعن الله الانقسامات السياسية والطائفية المقيتة التى تتحكم فى شعب الأرز المحب للحياة والفن والجمال، ولا نملك غير الدعاء للمولى عز وجل بأن يكشف تلك الغمة التى تطارد شعب لبنان الحر الأبى الذى أثبت على مدار تاريخه أنه احتمل طوائف مختلفة من الفسدة الذين يطيحون فور كل أزمة جديدة وكأنه كتب عليهم قول أمل دنقل:"لا تحلموا بعالم سعيد

فخلف كل قيصر يموت: قيصر جديد !

وخلف كل ثائر يموت: أحزان بلا جدوى ..

ودمعة سدى."

وأخيرا لبيروت.. من قلبى سلامٌ لبيروت.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة