محمد ثروت

ذهنية التكفير.. تشريح علمي لجرثومة التطرف الديني

الإثنين، 03 أغسطس 2020 12:53 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

 الأهم في كتاب"ذهنية التكفير" للمفكر للدكتور حسن حماد أستاذ الفلسفة،  تشريحه العلمي وتحليله المتعمق لظاهرة التطرف الديني التي وصفها ب"جرثومة"، لأنها تحولت من مجرد ظاهرة إلى بنية ثقافية وعقلية متماسكة تفرز التطرف والإرهاب ومن بكتيريا خفية إلى شبكة متماسكة ومعقدة من العلاقات في مختلف القطاعات والمؤسسات ممثلا في نبرة التحريم، أي هذا حلال وهذا حرام، التي انتشرت بين طبقات الشعب المختلفة، وظهرت أفكار غريبة عن طابع مصر المتوسطية الأكثر تسامحا في المنطقة، منها النظرة الدونية  المرأة وعدم احقيتها في تولي بعض المناصب القيادية، الفن بعضه حلال وبعضه حرام، مصر إسلامية وليست فرعونية.

 

 يقدم حسن حماد  في"ذهنية التكفير"، قراءة نقدية تحليلية لمنابع التطرف الديني، قسمها المؤلف إلى عوامل ذاتية وأخرى موضوعية.

تنطلق العوامل الذاتية للتطرف من مشكلات اقتصادية واجتماعية، فقد أدت الاخفاقات الاقتصادية منذ منتصف السبعينيات  إلى رفع التيارات الإسلامية شعار الإسلام هو الحل لدغدغة مشاعر الجماهير  التي تبحث عن احتياجات يومية، وهذا التحليل تمثل في صورة عملية بتوزيع شنط رمضان واكياس السكر والشاي والسمن والمكرونة على الفقراء، وتبين بعد ذلك توظيف تيار الإسلام السياسي لحاجة الفقراء سياسيا في غزوات صناديق الاقتراع.

المنبع الثاني للتطرف هو هيمنة السلطة الأبوية ومعنى ذلك كما يشير الكتاب، أن المجتمع الذكوري مازال يؤمن بالسلطة المطلقة للأب، كبير العائلة وقد انتقل ذلك الخطاب الإجتماعي القبلي إلى الخطاب الديني، فالخطاب الساءد في المنزل هو خطاب الأب، وفي قاعة الدرس هو خطاب المعلم، وفي التجمع الديني القبلي الشيخ، فهو خطاب أحادي، والآخر عليه بالصمت والاستماع والطاعة العمياء.

ينتقد حماد تلك الرؤية الصماء التي تصنع عقلا متطرفا يرفض نقد المرويات الدينية عن فلان عن فلان، وبيان مدى عقلانية الرواية وصدق الرواة.

ومن منابع التطرف الديني أيضا تدني السياسة التعليمية في العالم العربي والإسلامي، وتفشي الجهل والخرافة، يظهر ذلك في تربية الطفل منذ صغره على أهوال يوم القيامة، وعدم تذكيره بالإسلام دين الرحمة والرفق بالحيوان والتكافل الاجتماعي، والحفاظ على البيئة و العلاقة مع الآخر  غير المسلم، والمواطنة.

المنبع الرابع للتطرف يتمثل في تزايد مشاعر اليأس والخوف والتطلع لمجىء مخلص، وقد استغلت الأصوليات الدينية هذه المشاعر السلبية لترويج أفكارها، والدعوة إلى الاستشهاد والعمليات الانتحارية، في سبيل الجنة الموعودة،  و قد ظهر ذلك في إجابات أعضاء تنظيم داعش الإرهابي على أسئلة المحققين عقب سقوط دولة الخلافة المزعومة في العراق وسوريا.

أما العوامل الموضوعية للتطرف كما بينها الكتاب،  فقد استغلها اليمين المتطرف في الغرب الذي صاغ رؤية أصولية متطرفة ظهرت في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، وتعرف بالمسيحية الصهيونية. ولذلك فالتطرف الذي نمت جذوره في الغرب، تزامن مع تطرف ديني في الشرق،  لذلك يرى المؤلف أن العبث بالأديان لعبة خطيرة، تدمر  من يمارسها أيا كان في الغرب أو الشرق.

إن أي قراءة للعقل المتطرف والإبحار فيه بدون تحليل ايديولوجيا الإسلام السياسي، هي قراءة منقوصة، ولذلك يقدم كتاب "ذهنية التكفير" رؤية لمنطلقات عقدية للإسلام السياسي، تتمثل في أن الإسلام هو الأيديولوجية الشاملة للحياة الشخصية والجماعية للدولة والمجتمع، وأن القرآن والسنة وقيم المجتمع الإسلامي الأول، هي أساس حياة المسلم، و دستور حياة المسلمين اليومية، وأن الشريعة تقدم المثال والمنهج للمجتمع الإسلامي الحديث، و الذي لا يعتمد على المعايير الغربية، وأن الجهاد واجب وفريضة على مستوى الأفكار والتطبيق، لذلك يجب تحقيق أسلمة ناجحة للمجتمع.

 

يطرح حسن حماد حلولا في نهاية كتابه، فهو يعتقد وأتفق معه في الرأي، أن خطر الإسلام السياسي لم ينته، وما زال يسعى لاستغلال الفرص لتحقيق مكتسبات، والحل في دور ثقافي تنويري يبدأ بمراجعة المناهج الدراسية الدينية،  وتنقية التراث وتحريره من خطاب الحاكمية وعمل مشروع تحديثي نهضوي شامل في الاقتصاد والسياسة والثقافة والتعليم والإعلام، يسعى إلى ترسيخ قيم ومبادئ المجتمع المدني، وتحقيق العدالة الاجتماعية.

إن الفكر يواجه بالفكر والحرب ضد قوى الفكر والتطرف طويلة المدى، معركة إعمال العقل في مواجهة تغييب العقل و إقصاءالتفكير،  معركة التقدم والتنوير في مواجهة العودة إلى للوراء والاستبداد باسم الدين.

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة