منذ داهمتنا جائحة كورونا كغيرنا من دول العالم اختلفت سلوكيات الناس فى التعامل مع الجائحة، فبعضهم بالغ فى رعبه وقلب حياته رأسا على عقب ووضع نفسه فيما يشبه العزل التام متخذا أقصى درجات الحماية التى أوصت بها منظمة الصحة العالميّة ووزارة الصحة وزاد عليها من عنده، لاسيما أولئك الذين يعانون مما يشبه الوسوسة والحساسية الزائدة خوفا من العدوى حتى من الإنفلونزا العاديّة، وبعضهم التزم بالضوابط المعلن عنها على تفاوت بينهم من التزام كامل من قبل البعض أو ناقص من قبل أكثر هذا الفريق من الناس، وبعضهم وأظنه أكثر الناس تجاهل كافة التعليمات والضوابط إلا ما فرض عليه فرضا كالإجازات الإجبارية لأصحاب الأمراض المزمنة، وأمهات الأطفال من العاملات، ومن لدية حالة مصابة فى بيته أو أكثر، وتخفيف العمالة وهو ما يعنى مكوث بعض أيام فى المنزل، والتزام جزئى بحظر التجوال الذى فرض ليلا خوفا من الغرامة فى الغالب وليس من الإصابة بالفيروس،
ولأن الناس لم يعتادوا التعامل مع جائحة لفترات طويلة مع ضوابط التعامل معها المقيدة لكثير من حرياتهم، ورغم أن الحكومة لم تعلن يوما زوال الجائحة أو رفع ضوابط الحماية فإن الناس اعتبروا تخفيف بعض القيود كعودة الأعمال الحكوميّة بكافة موظفيها، ورفع الحظر وفتح المتاجر، دليلا على زوال خطر كورونا، لاسيما مع إعلان وزارة الصحة عن انخفاض نسب الإصابة وخلو غالب مستشفيات العزل ومنها مستشفى الأزهر التخصصى من الحالات المصابة، مع التأكيد مرة أخرى أن أى جهة حكوميّة أو حتى أهليّة لم تعلن حتى الآن انتهاء الجائحة، وأن هذه الإجراءات التى خُففت هى لضرورة اقتصادية، فلا يمكن لأى دولة مهما قوى اقتصادها أن تستمر وقتا طويلا مع القيود التى تؤثر سلبا بشكل كبير على الإنتاج وقضاء حاجات الناس، وإذا كان هذا هو حال الدول التى تملك اقتصادات قويّة فتأثيرها على الدول التى تعانى مشاكل اقتصاديّة كدولتنا يكون بشكل أكبر بكثير، وحيث إن الله- تعالى- قد أعطانا عقولا مفكرة ومدركة فيكون من الإجحاف تعطيلها لتلبية رغبات نفوسنا مع علمنا بمجافاته للحقيقة، ولذا ففور تخفف الناس فى غالبهم الأعم من الضوابط الاحترازيّة كانت النتائج سريعة حيث عاودت الحالات ارتفاعها من جديد وأعلنت وزارة الصحة عن عودة مستشفيات فى عدة محافظات لاستقبال الحالات التى تحتاج إلى عزل من جديد، ولذا بدأ الحديث عن موجة ثانية للجائحة وأنها ربما تكون أشد من الموجة الأولى، وأظن ظنا فلست من أهل الاختصاص أنه ليس هناك موجة ثانية، حيث إنه لم يعلن عن انتهاء الأولى ولا يمكن أن تأتى موجة على موجة، وإنما ارتفعت الحالات نظرا لتخلى معظم الناس عن الاحتياطات الاحترازيّة فى وقت كان ينبغى زيادتها مع عودة التجمعات البشرية فى الأعمال وغيرها، ليس هذا وفقط بل عادت بعض الاحتفالات الجماعيّة ضاربة عرض الحائط بالتباعد الاجتماعى، حيث تقام الأفراح وتشيّع الجنائز وتقام سرادقات العزاء فى الأرياف بتجمعاتها البشريّة كما كانت قبل الجائحة، وكذا استمرت الأسواق بتكدساتها، ورأينا بعض المهرجانات الانتخابية لمرشحين لمجلس الشيوخ، ويندر أن ترى مرتديا لكمامة أو ممسكا بمطهر بين هذه الحشود الحاشدة، والأدهى والأمر أن بعض الحالات المصابة تخفى إصابتها وتنتشر بين الناس تباشر أعمالها، وقد حكى لى أحد الأشخاص أنه استقل سيارة تاكسى وفى نقاش مع سائقها اكتشف أنه مصاب بكورونا وأنه علم بذلك قبل يوم واحد بعد ظهور نتيجة مسحة أجراها، ولكنه مضطر للاستمرار فى العمل من أجل لقمة العيش، غير مدرك أنه يمكن أن ينقل العدوى إلى أعداد كبيرة فى اليوم الواحد، وهؤلاء بدورهم ينقلونها لأسرهم ومن يخالطونهم فى معاملاتهم، وهذا مجرد مثال، وبعض الناس يخفى مرضه وكأنه عار لا يجب أن يطلع عليه الناس، وهذه ثقافات لا تناسب شعبا متحضرا، فالمرض ليس عارا ولا ذنبا ارتكبه من أصيب بالمرض مالم يكن مفرّطا، وحتى هذا الذى وقع فى التفريط لا ينبغى أن يتمادى فيه فيخفيه على الناس ناشرا العدوى بينهم، وليعلم الفاعل أنه آثم لمجرد إخفاء مرضه متى خالط الناس ولو لم يصب أحدا، أما إذا أصاب شخصا أو أكثر فأصابوا غيرهم فهو مسؤول شرعا عن كل من أصيبوا منه مباشرة أو بواسطة من أصابهم، وبما أن الإصابة بالفيروس قد تؤدى للوفاة فليتدبر المستهين بإصابته لو أصيب أشخاص بالعدوى منه فمات بعضهم كيف يكون موقفه بين يدى الله- عز وجل- بل كيف يكون موقفه مع نفسه وضميره؟
وفى ظل عودة ارتفاع حالات الإصابة فمن غير المستبعد أن تعود الإجراءات المقيدة أو بعضها كقرارات حكوميّة للحد من انتشار المرض إذا لزم الأمر، وهنا يلزم التذكير من جديد بضرورة الالتزام بتنفيذ القرارات بشكل حرفى حتى يُبرئ الإنسان ذمته من مسؤولية إصابته بالفيروس أو إصابة غيره وأولهم أهل بيته وأحبته، وفى حال اتخاذ هذه الإجراءات أتمنى أن يكون من بينها منع كافة التجمعات البشرية وفى مقدمتها منع المهرجانات الانتخابية قبل جولة الإعادة، حيث إن العديد من النتائج لم تحسم من الجولة الأولى، لاسيما وقد عرف الناخبون المرشحين ولايحتاجون لتعريفهم بهم مجددا، وحتى لو لم تتخذ الدولة إجراءات معيّنة فعلينا جميعا طالما لم تعلن الدولة زوال الأزمة أن نُبقى بقدر استطاعتنا على احتياطاتنا الاحترازيّة حماية لأنفسنا ولأهلنا ولكافة من نتعامل معهم، كما ينبغى أن يقتصر الناس فى احتفالاتهم الضروريّة على المقربين مع أخذ احتياطات الوقاية وأهمها التباعد الاجتماعى،
والاقتصار فى تشييع الموتى على من يتحقق بهم القيام بفرض الكفاية وليس كما يحدث الآن من خروج الآلاف المؤلفة لتشييع الموتى وهو ما يستحيل معه إجراء التباعد الاجتماعى، كما ينبغى أن يغيّر الناس كسلوك دائم ثقافة السلام بالمصافحة والتلاحم الجسدى للقبلات وبخاصة للقادمين من السفر، وبعض الناس يفعله بشكل متكرر كلما التقى بالأصدقاء وربما لم يكن مر من الوقت الكثير على آخر تقبيل بينهم، ويكفى الاقتصار على إلقاء السلام دون تلامس ويمكن استبدال الأحضان والقبلات التى تكون فى غالبها للمجاملة لا أكثر ببعض الكلمات المعبرة عن الود والمحبة، وعلينا جميعا أن نتحمل مسؤولياتنا تجاه أنفسنا وأسرنا ومجتمعنا، وعلينا أن ندرك بأن تنفيذ الضوابط والقرارات الصادرة عن جهات الاختصاص واجب شرعى، وعلينا أن نتذكر أن الجائحة لازالت بيننا. حفظ الله مصر وأهلها من كل سوء ورفع عنا البلاء والوباء، وجعلنا مضربا للمثل كقدوة للعالم فى تعاملنا مع الجائحة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة