تحتفل محافظة القاهرة بعد غد بعيدها القومى الذى يوافق ذكرى مرور 1051 عاما على إنشائها على يد القائد جوهر الصقلى فى السادس من يوليو عام 969 م بأمر من الخليفة المعز لدين الله الفاطمى، وهى العاصمة الرابعة لمصر منذ الفتح الإسلامى لها على يد عمرو بن العاص.
وعن تاريخ إنشاء القاهرة، قالت الباحثة الأثرية نادية عبد الفتاح لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم إن حكاية مدينة القاهرة بدأت بعد قضاء الفاطميين على الدولة الإخشيدية،حيث فكر جوهر الصقلى فى بناء عاصمة جديدة للخليفة الفاطمى المعز لدين الله ، الذى كان لايزال يقيم فى بلاد المغرب ، تمهيدا لانتقاله إلى مصر.
وأضافت أنه فى شهر المحرم سنة 358 هـ - 968م جمع المعز لدين الله الفاطمى نحو ألف فارس أغلبهم من القبائل البربرية ومن الصقالبه، وأعطى المعز، لجوهر الصقلبى تفويضا كاملا بسلطاته العسكرية والسياسية والمالية، حيث أعد الجيش بعناية فائقة.
وتابعت،إن جوهر الصقلى خرج على رأس الجيش الفاطمى يوم السبت 14 ربيع الاول 358 هـ / 696 م ، وتسلم مصر يوم 17 شعبان 358 هـ - 969 م، مؤكدة ان الجيش الفاطمى لم يواجه اى مقاومة حقيقية.
وأشارت إلى ما كتبه المؤرخ المقريزى عن جيش المعز، والذى قال " إنه لم يطأ الأرض بعد جيش الاسكندر اكثر عددا من جيوش المعز "، ولم يكن دخول الفاطميين مصر مجرد إحلال دولة بدولة أخرى بل كان نقلة كاملة من الناحية الدينية والثقافية والاجتماعية .
وأوضحت أن أول عمل قام به جوهر الصقلى، بعد دخوله مصر، هو وضع أسس مدينة جديدة لتكون مدينة ملكية وعاصمة للدولة التى تضم معظم الأراضى الإسلامية، حيث اختار مكانا يقع فى منطقة رملية تقع فى الشمال الشرقى من مدينة القطائع، مضيفة أن تلك المنطقة لم يكن بها سوى بستان الاخشيد والمعروف ببستان كافور، ودير للمسيحيين يسمى بدير العظام، وهو موقع جامع الأقمر الآن، وحصن صغير يعرف بقصر الشوك والذى بنى على أنقاضه قصر صغير سمى أيضا بقصر الشوك.
وأشارت إلى أن جوهر الصقلى بدأ بناء المدينة ببناء القصر الكبير، والذى أعده لاستقبال الخليفه المعز لدين الله وفى اليوم الذى خط فيه جوهر القاهرة اتخذت كل قبيلة من القبائل التى تكون منها جيشه خطة لتستقر بها، نسبت إليها فيما بعد، ومن ثم أحاطها بالأسوار والأبواب المحصنة كباب النصر وباب الفتوح وباب زويلة.
وقالت الباحثة الأثرية نادية عبد الفتاح، إن القاهرة عرفت فى البداية باسم (المنصورية)، تيمنا بمدينة المنصورية التى أنشأها المنصور بالله والد المعز، ولكن ما أن وصل المعز إلى مصر عام 362 هـ حتى حول اسمها من المنصورية الى القاهرة، وكالعادة وقتذاك ارتبطت القصة بالمنجمين وتنبؤاتهم حيث قيل انها قد بنيت وقت ظهور كوكب المريخ، والذى كان يدعى حينها القاهر.
وعن القاهرة فى العصر الأيوبى، أوضحت الأثرية نادية عبد الفتاح أن السلطان صلاح الدين حكم مصر من (دار الوزارة) بالجمالية، ومكانها حالياً مدرسه قراسنقر وخانقاه بيبرس الجاشنكير، حيث جعل منها مقرا للحكم، وبنى القلعة وأحاط عواصم مصر جميعاً ( الفسطاط – العسكر – القطائع – القاهرة ) بسور واحد وذلك لرد هجمات الصليبيين وكان هذا الأسلوب الشائع فى الشام، مؤكدة عدم حدوث تطور كبير فى تخطيط شوارع القاهرة خلال العصر الأيوبى عما كان عليه فى العصر الفاطمى.
وبالنسبة للعصر المملوكى، أشارت عبدالفتاح إلى أنه تم إنشاء شارع الجمالية وهو من أشهر الشوارع الأثرية بالقاهرة وله أسماء محلية منها ( شارع باب النصر أو شارع وكالة الصابون – شارع حبس الرحبة – شارع بيت المال – شارع أحمد باشا طاهر – شارع المشهد الحسينى)، ويرجع اسم الشارع بالجمالية إلى الأمير جمال الدين محمود الأستادار منشئ مدرسة الجمالية فى عصر السلطان برقوق أول سلاطين المماليك الشراكسة .
وأضافت أن هذا الشارع كان طريقا رئيسيا للقوافل المسافرة إلى السويس وإلى دمياط عبر باب النصر، وقد وفد على شارع الجمالية فى أواخر القرن الـ 18 شوام سكنوا فى هذا الحى وأنشأوا به معاصر للزيت (سرج) ومعامل للصابون، ويضم شارع الجمالية مجموعة من الآثار المهمة المسجلة وغير المسجلة.
وحول مدينة القاهرة فى العصر العثمانى، أكدت أن العصر العثمانى شهد تحولا اجتماعيًا وحراكًا سكنيا ناتجاً عن النمو الإقتصادى والحرفى لشارع المعز، وكان هذا التحول الإجتماعي، متمثلا فى انتقال مساكن الأمراء والطبقة الحاكمة والطبقة المتوسطة (العلماء وكبار التجار) من القاهرة والمناطق المحيطة بالقلعة إلى شواطئ بركة الفيل والأحياء الواقعة فى البر الغربى للخليج.
وأوضحت أنه على الرغم من تحول القاهرة فى العصر العثمانى من عاصمة للخلافة ومقر للحكم إلى مدينة رئيسية لإحدى الولايات العثمانية، فإنها واصلت نموها التجاري، وكانت مركزا محوريا فى التجارة العثمانية الداخلية. وتابعت قائلة إن كل هذه العوامل ساعدت على نمو المناطق التجارية بالشارع الأعظم (المعز)، واتسعت الوكالات التجارية من 58 وكالة فى العصر المملوكى إلى 360 وكالة فى العصر العثماني.
ولفتت إلى أهم الأنشطة التجارية فى تلك الفترة، وكانت تجارة الأقمشة فى سوق الغورى والفحامين، أما منطقة الصاغة فهى المكان الذى يشتغلون فيها بأعمال المعادن الثمينة، وتجارة البن الدولية التى حلت فى القرن17م والتى كانت موزعة على 62 وكالة وخان وسط الشارع الأعظم (المعز).
وأشارت الأثرية نادية عبد الفتاح، إلى أن القاهرة فى عصر محمد على اشتهرت بالقصور الرائعة التى شارك فى بنائها مجموعة من الفنانين والمتخصصين والعمال المهرة من فرنسا وإيطاليا وكان يشترط عملهم هو تعيين أربعة من المصريين لكل فنان أو خبير أجنبى يعملون معهم ليتعلموا منهم المهنة، ومن أشهر قصور تلك الفترة (الجوهرة ، القبة، الحرم، الأزبكية، شبرا، النيل) .
وحول تاريخ القاهرة فى عهد الخديو إسماعيل، أوضحت أنه عندما تولى إسماعيل باشا عرش مصر عام 1863، كانت القاهرة تمتد من القلعة عند سفح المقطم شرقا، وتنتهى حدودها الغربية عند مدافن الأزبكية وميدان العتبة والمناصرة التى يفصلها عن النيل مجموعة من البرك والمستنقعات والمقابر والتلال مما جعل إسماعيل باشا يفكر فى ثورة عمرانية لهذا فكر فى إعادة تخطيط وإنشاء القاهرة الجديدة.
وقالت نادية عبدالفتاح، عندما سمع الخديو إسماعيل وصف كتاب الغرب للقاهرة بقولهم (خير لك أن تسمع عن القاهرة من أن تراها وأنها عاصمة البعوض ويعيش زائرها طوال العام تحت ناموسية) أثار حماسه، ورد عليهم بقوله " إن القاهرة ستكون قطعة من أوروبا وسوف تكون أجمل من باريس".
وأضافت أن إسماعيل وضع تخطيط القاهرة الجديدة لتكون أجمل من مدن أوروبا فأطلق مفكرو الغرب عليها باريس الشرق لإرتباط تخطيطها بالتخطيط الجديد لباريس والذي، وضعه صديقه المهندس الفرنسى "هاوسمان" وكان إسماعيل شغوفا بالهندسة المعمارية، لذا طلب شخصيا من الأمبراطور "نابليون الثالث" أن يقوم "هاوسمان"بتخطيط مدينة القاهرة ، وقد أستغرق إعداد وتصميم القاهرة الجديدة خمس سنوات وكان يُمثل أحد المهام والمشروعات الكبرى بالنسبة للإمكانيات فى ذلك الوقت.
وأشارت إلى أنه فى عام 1872م أفتتح الخديو إسماعيل شارع محمد على "القلعة" فيما بين ميدان باب الحديد والقلعة على خط مستقيم، كما شق شارع "كلوت بك" وافتتحه عام 1875م، وأنشأ دار الأوبرا وكوبرى قصر النيل (كوبرى الخديو إسماعيل)، وكوبرى أبو العلا ليصلا القاهرة بجزيرة الزمالك والجيزة .
وأوضحت أن اختراع وسائل النقل الحديثة كان له أثر كبير فى نمو ضواحى القاهرة، وأصبحت بعض الأحياء تقع حول وسط المدينة مثل حى التوفيقية والفجالة وجاردن سيتى، والتى تم تعميرها جميعا فيما بعد كامتداد لمنطقة وسط المدينة، وعلى العكس فإن هناك أحياء لم تنم إلا بعد إنشاء خط سكة حديد كوبرى الليمون عام 1889-1890م مثل أحياء حدائق الزيتون والمطرية وعين شمس لربط تلك الأحياء بميدان محطة مصر ،وتكررت هذه الظاهرة مع الترام الذى أُدخل عام 1896م ليربط بين العتبة والعباسية، ثم ربط بين شبرا والقاهرة بالترام عام 1903م.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة