محمد ثروت

نفحات من الخلوة الروحية .. العالم يحتاج للتصوف

الأحد، 26 يوليو 2020 11:40 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

في أوقات الأوبئة والصراعات والحروب والمادية المفرطة، تظهر حاجة العالم إلى إشباع الفقر الروحي والجدب والخواء الذي أصاب البشرية،  وأقرب طريق لذلك هو الدخول في الخلوة، أو العزلة الروحية، وهي عادة تعودت عليها كل عام في العشر الأوائل من ذي الحجة. متأملا فيما مضى  من أعمال ومدى قربها أو بعدها من الله،  ومتطلعا فيما هو قادم... فالحياة قصيرة والأوقات ثمينة.

والخلوة ليست مجرد ابتعاد عن عالم البشر وما فيه من تشويش وانشغال بالحياة اليومية ومتطلباتها، أو مجرد تسبيح وذكر وصلاة، لكنها وقفة مع الذات. وفرصة  للقراءة والتأمل في أحوال النفس البشرية، كما قال النبي محمد (ص) في حديث يحي بن معاذ"من عرف نفسه عرف ربه". 

ومن أجمل ما قرأت في تفسير معرفة الذات ما ذكره ابن الدباغ(ت1300م) في كتابه "مشارف أنوار القلوب ومفاتيح أسرار الغيوب"، والذي قام بتحقيقه المستشرق الألماني هيلموت ريتر، حيث يقول: "اعلم أنه لا يصل إلى معرفة حقيقة نفسه إلا من زكاها، ولا تحصل تزكيتها إلا بالرياضة القلبية التامة حتى تصفو وترق وتلطف، فإنها حينئذ تبصر ذاتها بشدة صفائها، فإذا صارت كذلك تجلى لها  نور الحق  المشرق على كل ذات صافية متوجهة لربها، فعرفت بالنور المتجلي لها، من جناب الحق ذاتها، وكونها نسخة الوجود، فلتشاهد في نفسها من بديع الصنعة وغريب الحكمة، ومواقع أسرار الجمال، وفنون أوصاف الحكم المبهج، ما يحصل لها به الافتتان بما هي عليه من الكمال".  

إذا معرفة النفس-شرط  في معرفة الله تعالى، وهي معرفة تتطلب مجهودا روحيا"رياضة قلبية"، لا تنشغل بظواهر العبادات فقط: الصلاة والصوم والحج وغيرها، ولكنها تنطلق من صفاء النية والتسامح مع البشر جميعا، والزهد، وبر الوالدين، والكسب الحلال الذي ليس فيه شبهة فساد، أو مال حرام، والتواضع في غير ذل أو شهرة زائفة،  والسعي بين الناس ليس طمعا في سلطة وجاه، غير مستحق. أو البحث عن مكانة من غير مجهود وتعب كبيرين.      

ولعل في قصة سيد التابعين أويس بن عامر القرني، الكثير من الدلالات والمعاني، رجل مجهول من القرن الأول الهجري، يرتدي ملابس الصوفية ويأكل القليل في زهد وتقشف، ولا   يتقرب منه الناس لأنه بلا مال او سلطة أو نفوذ، فحضوره كغيابه وحياته مثل موته غير مهم عندهم، إلا أنه رغم ذلك طلب النبي محمد(ص) في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم من كلا من عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، "إذا لقيتماه فاطلبا إليه أن يستغفر لكما يغفر الله تعالى لكما".

فما أحوجنا إلى أخلاق أويس القرني..الذي عرف نفسه أولا وتوقف مع ذاته مراجعا وناقدا محاسبا، فعرف الطريق إلى الله. وللحديث بقية.

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة