الأموال هي المحور الأساسي لأغلب الأنظمة القانونية.. والمشرع في كل المراحل يسعى إلى تأمين المصلحة المالية للأفراد من خلال القانون المدني، أو حتى من خلال قواعد القانون التجاري، فالمشرع التجاري ونظرا للحاجة التي لمسها في تفعيل عمل التجار، كرس مبدأى الثقة والسرعة في المعاملات التجارية، ساعيا وجاهدا في كل نصوص قانون التجارة إلى تأمين فعالية هذين المبدأين، فوضع نظام الإفلاس الذي هدف من ورائه إيجاد تنظيم قانوني لذمة المفلس أو لائتمانه.
والإفلاس هو وصمة عار تلحق بالمدين، وتدنس سجله التجاري، وبالتالي تشوّه معالم حياته المهنية، وقد سعى المشرع من خلال النصوص القانونية إلى تفعيل نظام الإفلاس، حتى يتلاشاه التاجر بأي طريقة من الطرق، نظراً لما يترتّب عليه من نتائج ضارة بالمدين وبالدائنين على حدّ سواء، كما أن الإفلاس يتميز عن الدعاوى - كالدعوى المباشرة والدعوى غير المباشرة - المكرسة في القانون المدني، بحيث إن هذه الدعاوى تستوجب العديد من الشروط، والتي لا يرتد مفعولها إلاّ بحقِّ من أقامها.
كيف حمى القانون المدين من وصمة عار الإفلاس؟
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكاليتي الإفلاس والتصفية التي يقع فيها التاجر وما تؤديه من نتائج ضارة بالمدين وبالدائنين على حدّ سواء، فالشخص الذي أقام دعوى الإفلاس، يستفيد بمفرده من نتائجها حيث أن الدائن السبّاق في إقامة دعواه، يستفيد وبالأولوية على غيره من نتائجها، فيستوفي كامل دينه قبل سائر الدائنين، ولا يبقى للغير من الدائنين سوى إقامة دعوى جديدة لتحصيل قيمة دينهم، مما تبقى من موجودات المدين – بحسب الخبير القانوني والمحامى سامى البوادى.
في البداية - ارتأى المشرع أن هذا الوضع لا يأتلف مع طبيعة المعاملات التجارية، فكان لا بدّ من وضع أحكام خاصة، ونظام خاص بالتجار وبالمعاملات التجارية، يتلاءم مع السرعة والثقة المبنية عليهما العلاقات التجارية، فوضع نظام الإفلاس وعزّزه بالعديد من الضمانات التي تكفل فعالية تطبيقه، فالإفلاس هو إذا وسيلة تنفيذ جماعية من شأنها أن تحافظ على المساواة بين جميع الدائنين، بحيث تصفى أموال التاجر المتوقف عن الدفع ويوزع الثمن الناتج عنها بين الدائنين دون أية أفضلية ما لم يكن احدهم متمتعا بامتياز أو رهن – وفقا لـ"البوادى".
الإفلاس وسيلة تنفيذ جماعية من شأنها أن تحافظ على المساواة بين جميع الدائنين
بالتالي فإن التاجر، الذي يصبح في وضع ميؤوس منه، يخضع لدعوى جماعية تهدف إلى المحافظة على المساواة بين حقوق الدائنين، وعلى حماية الائتمان العام أي التجارة التي تحيا من الائتمان، وعلي ذلك نجد أن الإفلاس ليس إلا إجراءا تنفيذيا يهدف إلى تنظيم خصوم المفلس تجاه أصوله، حيث يتم تحديد عناصر الأصول والخصوم ومن ثم تتم تصفيتها حتى تتعدل بنتيجتها الخصوم، أما القانون المدني فهو لا يتضمّن نظام تصفية جماعية لأموال المدين الذي تخلّف عن دفع ديونه، بل يعترف بمبدأ الملاحقة الفردية، حيث لكل دائن حقّ الرجوع على مدينه، والتنفيذ على أمواله، وإن كان يتيح لبقية الدائنين في حال وجودهم الاشتراك في التنفيذ – الكلام لـ"البوادى".
فالمسألة تتعلق إذا بالدائنين وبكيفية حمايتهم، فمن هم إذاَ أصحاب الحقوق في نظام الإفلاس؟ وكيف تتأمن لهم الحماية اللازمة؟ ماذا عن جماعة الدائنين؟ وكيف تتأمن المساواة فيما بينهم؟ من هنا تطرح إشكالية الحماية التي يؤمنها نظام الإفلاس للدائنين وغيرهم من أصحاب الحقوق، وكيفية تعامل المشرع معهم في ظل تأمين اكبر قدر من الحماية إن أمكن للذمة المالية أو للائتمان التجاري اللذين تحيا من خلالهما.
الإفلاس وسيلة تنفيذ جماعية من شأنها أن تحافظ على المساواة بين جميع الدائنين
ويخلط العديد بين التصفية والإفلاس لتحقق التشابه بينهما في الإجراءات وبعض المراحل وأحياناً بالنتائج خصوصاً عندما يكون الإجراء واقعاً على الشركات وشركات الأموال تحديداً، فالتصفية قد تكون اختيارية أو إجبارية "قانونية أو قضائية"، إذ التصفية يقصد بها العمليات المادية والقانونية التالية لانقضاء الشركة وتكون لحصر موجودات الشركة وتحديد خصومها وتحصيل ما لها من حقوق والوفاء بما عليها من التزامات تمهيداً لتوزيع باقي الموجودات - إن وجد - على الشركاء/المساهمين بحسب نسبة مشاركة/تملك كل منهم، فالشركة قد تنقضي اختيارياً بقرار من الشركاء أو المساهمين، أو إجبارياً بتحقيق غرضها الذي تأسست لأجله أو لاستحالة تحقيقه أو انتهاء مدتها المقررة نظاماً في عقدها أو نظامها الأساس أو عدم الالتزام بنظام الشركات كحالة عدم اكتمال الاكتتاب برأس المال خلال المدة النظامية أو عدم اتخاذ قرار بشأن الخسائر في رأس المال خلال المدة النظامية، أو بموجب حكم قضائي بإدخال الشركة مرحلة التصفية الإجبارية بناءً على طلب أحد الشركاء/المساهمين أو دائني الشركة.
أنواع التصفية
وعند تحقق أي نوع من أنواع التصفية فتبدأ شخصية الشركة الاعتبارية بالزوال حتى انتهاء أعمال التصفية وتمامها، وفي مرحلة التصفية يكون لها مصفي أو أكثر يتولى مهام عملية التصفية وعندما تنتهي وتكتمل أعمال التصفية تنتهي صفة الشركة القانونية ولا يُعد لها وجود وتطوى سجلاتها الرسمية، أما التصفية للتاجر الفرد فهي إما أن تكون تصفية اختيارية أو إجبارية، فالتاجر الفرد عندما يقرر ترك أعمال تجارته نهائياً نكون أمام تصفية اختيارية، أما في حالة إفلاسه أو وفاته – ما لم يقرر الورثة أو أحدهم استمرار أعماله مورثهم التاجر بحلول أحدهم محل التاجر المورث أو تحويل عمله التجاري لشركة بين الورثة – فنكون أمام تصفية إجبارية.
أما الإفلاس فكما تم تعريفه بأن المفلس - فرد أو شركة - هو من استغرقت الديون جميع أمواله فعجز عن تأديتها أي توقف عن سدادها، فالإفلاس هو اضطراب في حال التاجر الفرد أو الشركة مادياً يرتب عدم القدرة على الوفاء بالالتزامات تجاه الخصوم أو الغير، والإفلاس يكون بطلب من التاجر فيتقدم للمحكمة طالباً إعلان إفلاسه أو أحد الدائنين، لتباشر المحكمة إجراءات إعلان الإفلاس فيتم تعيين أمين تفليسه للتاجر، فتحجز أموال التاجر المنقولة والغير منقولة ويحجر عليه فلا يعتد بتصرفاته الفعلية والقولية من تاريخ قرار إعلان الإفلاس، ويتم بعدها التحقق من السجلات والدفاتر التجارية من تاريخ مزاولته للعمل التجاري وحتى تاريخ قرار إعلان الإفلاس، وبعد الفحص والتمحيص من أمين التفليسة بالدفاتر سيظهر له ويرفع للمحكمة والتي ستقرر حينها أحد الأحوال التالية أن: الإفلاس الحقيقي، أو تقصيري، أو احتيالي.
3 أنواع للمفلس حقيقى واحتيالي وتقصيرى
فالمفلس الحقيقي: هو الذي مارس في أعمال التجارة على رأس مال معلوم يعتبره العرف كافياً للعمل التجاري الذي يزاوله ووجدت له دفاتر تجارية منضبطة ومنظمة، ولم يبذر في مصروفاته ووقع على أمواله حرق أو غرق أو خسارة ظاهرة، فإذا توفرت فيه هذه الشروط يكون مفلسا حقيقة، وعليه فالمفلس الحقيقي هو من تحققت له ظروف خارجة عن إرادته رتبت توقفه عن سداد حقوق الغير، والمفلس المقصر: هو التاجر المبذر في مصاريفه ولم يُبيّن عجزه في وقته للغير بل أخفاه عن غرمائه واستمر مزاولاً لأعماله التجارية حتى أستهلك كامل رأس ماله وأصوله وإن وجدت له دفاتر منظمة، والمفلس الاحتيالي: فلا يعبر عنه بمفلس إلا لتوزيع موجوداته على غرمائه، وتقرير أنه محتال لاستعماله الحيل والدسائس في رأس ماله أو قيد بدفاتره ديوناً عليه باسم شخص آخر بصورة كاذبة أو حرر بها سندات أو أخفى أمواله أو أملاكه بنقل الملك للغير حيلة أو شيء منها ومارس التجارة بطريق التمويه والاحتيال أو تغفيل التجار على أي صورة كانت وسواء كان مبذرا أو لم يكن مبذرا أو لم توجد له دفاتر أو وجدت وكانت غير منظمة.
وخطورة الإفلاس على التاجر الفرد والشريك المتضامن أن الإفلاس يقيد بسجلاته التجارية كما تقرر بنظام السجل التجاري، فترسل المحكمة نسخة من حكم الإفلاس، وتبقي صفة الإفلاس قائمة حتى وإن سدد ديونه ويلزم لرد اعتباره التجاري صدور حكم قضائي لرد اعتباره التجاري من المحكمة بذلك، فالمفلس الحقيقي إن سدد ما عليه من ديون ومصاريف يجوز رد اعتباره أو مرور زمن خمسة عشر عاماً، أما المفلس المُقصر فيلزم أن يسدد جميع ديونه والمصاريف قبل رد اعتباره التجاري ولا يعتد للمقصر بمرور الزمن كسبب لرد اعتباره، أما الاحتيالي فلا يعاد له اعتباره نهائياً ولا من حكم عليه بسرقة أو خيانة أو إخفاء شيء من أمواله ومن أمتنع عن تقديم حساباته للمحكمة.
ولقسوة نظام الإفلاس على التاجر صدر نظام الصلح الواقي من الإفلاس والذي قرر للتاجر الذي اضطربت أوضاعه المالية أن يتقدم بطلب الصلح مع الدائنين ودياً، فإن تعذر رفع الأمر للقضاء ويبقى التاجر على أمواله قائما مديراً ومسيراً لها، ونظام التسوية الواقية من الإفلاس جاء معالجاً للنقص الواقع في نظام المحكمة التجارية في مواده الخاصة بالإفلاس ولا تزال البيئة التجارية بحاجة لتنظيميات أوسع للإفلاس ومواكبة للتطور الاقتصادي.
ومما سبق لمحة بسيطة وعجالة عن التصفية والإفلاس لبيان الفروق الجوهرية بينهما، كما أن التصفية قد تتحول لإفلاس إن تحقق التوقف عن سداد الديون أثناء فترة التصفية، وإن كانت التصفية والإفلاس للشركات ترتبان نتيجة إنهاء الصفة الاعتبارية للشركة ولا تمتد آثار الإفلاس للشركاء أو المساهمين إلا أن في شركات التضامن والتوصية البسيطة فنرى بأنه يلحق بالشريك الضامن صفة المفلس ويناله ما ينال التاجر الفرد فتحجر تصرفاته وأقواله وقد يوصم بالمقصر أو الاحتيالي بحسب ما تقرره المحكمة في حكمها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة