أصحاب الأخدود.. كانوا قبل المسيح أم بعده؟ ما يقوله التراث الإسلامي

الإثنين، 13 يوليو 2020 05:00 م
أصحاب الأخدود.. كانوا قبل المسيح أم بعده؟ ما يقوله التراث الإسلامي كتاب البداية والنهاية
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نتوقف اليوم عند قصة "أصحاب الأخدود" التى أشار إليها القرآن الكريم، ونسعى لمعرفة كيف نظر إليها التراث الإسلامي، والإجابة عن سؤال: هل كانت قصتهم قبل سيدنا عيسى أم بعده؟

يقول كتاب البداية والنهاية لـ الحافظ بن كثير:

زعم محمد بن إسحاق أنهم كانوا بعد مبعث المسيح، وخالفه غيره فزعموا أنهم كانوا قبله، وقد ذكرغير واحد من المفسرين أن هذا الصنيع مكرر فى العالم مرارا فى حق المؤمنين من الجبارين الكافرين، ولكن هؤلاء المذكورون فى القرآن قد ورد فيهم حديث مرفوع، وأثر أورده ابن إسحاق، وهما متعارضان وها نحن نوردهما لتقف عليهما.

قال الإمام أحمد: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبى ليلى، عن صهيب أن رسول الله ﷺ قال:
" كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر، فلما كبر الساحر قال للملك: إنى قد كبرت سنى وحضر أجلى فادفع إلى غلاما فلأعلمه السحر، فدفع إليه غلاما فكان يعلمه السحر، وكان بين الملك وبين الساحر راهب، فأتى الغلام على الراهب فسمع من كلامه، فأعجبه نحوه وكلامه وكان إذا أتى الساحر ضربه، وقال ما حبسك؟
وإذا أتى أهله ضربوه، وقالوا: ما حبسك؟
فشكا ذلك إلى الراهب، فقال: إذا أراد الساحر أن يضربك فقل حبسنى أهلي، وإذا أراد أهلك أن يضربوك فقل حبسنى الساحر.
قال: فبينا هو ذات يوم إذ أتى على دابة فظيعة عظيمة قد حبست الناس فلا يستطيعون أن يجوزوا، فقال: اليوم أعلم أمر الساحر أحب إلى الله أم أمر الراهب.
 
قال: فأخذ حجرا فقال: اللهم إن كان أمرالراهب أحب إليك وأرضى من أمر الساحر، فاقتل هذه الدابة حتى يجوز الناس، ورماها فقتلها، ومضى الناس فأخبر الراهب بذلك.
فقال: أى بنى أنت أفضل مني، وإنك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدل عليَّ، فكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص وسائر الأدواء، ويشفيهم الله على يديه، وكان جليس للملك فعمى فسمع به فأتاه بهدايا كثيرة، فقال: اشفنى ولك ما ههنا أجمع فقال: ما أنا أشفى أحدا، إنما يشفى الله عز وجل، فإن آمنت به ودعوت الله شفاك، فآمن فدعا الله فشفاه.
ثم أتى الملك فجلس منه نحو ما كان يجلس، فقال له الملك: يا فلان من ردَّ عليك بصرك؟
فقال: ربي.
قال: أنا.
قال: لا ربي، وربك الله.
قال: ولك رب غيري؟
قال: نعم، ربى وربك الله، فلم يزل يعذبه حتى دلَّ على الغلام، فبعث إليه فأتى به، فقال:
أى بنى بلغ من سحرك أن تبرئ الأكمه والأبرص، وهذه الأدواء.
قال: ما أشفى أنا أحدا إنما يشفى الله عز وجل.
قال: أنا.
قال: لا.
قال: أولك رب غيري؟
قال: ربى وربك الله.
قال: فأخذه أيضا بالعذاب، ولم يزل به حتى دلَّ على الراهب.
فأتى الراهب فقال: ارجع عن دينك، فأبى فوضع المنشار فى مفرق رأسه حتى وقع شقاه.
وقال للأعمى: ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار فى مفرق رأسه حتى وقع شقاه.
وقال للغلام: ارجع عن دينك فأبى، فبعث به مع نفر إلى جبل كذا وكذا.
وقال: إذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه، وإلا فدهدهوه من فوقه.
فذهبوا به، فلما علوا الجبل قال: اللهم أكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل، فدهدهوا أجمعون، وجاء الغلام يتلمس حتى دخل على الملك فقال: ما فعل أصحابك؟
فقال: كفانيهم الله.
فبعث به مع نفر فى قرقرة فقال: إذا لججتم البحر، فإن رجع عن دينه وإلا فأغرقوه فى البحر، فلججوا به البحر فقال الغلام: اللهم اكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة فغرقوا أجمعون.
وجاء الغلام حتى دخل على الملك فقال: ما فعل أصحابك؟
فقال كفانيهم الله عزَّ وجلَّ.
ثم قال للملك: إنك لست بقاتلى حتى تفعل ما آمرك به، فإن أنت فعلت ما آمرك به قتلتني، وإلا فإنك لا تستطيع قتلي. قال: وما هو؟
قال: تجمع الناس فى صعيد واحد، ثم تصلبن على جذع، وتأخذ سهما من كنانتي، ثم قل: بسم الله رب الغلام، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني، ففعل ووضع السهم فى كبد القوس، ثم رماه، وقال بسم الله رب الغلام، فوقع السهم فى صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم ومات.
فقال الناس: آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، فقيل للملك: أرأيت ما كنت تحذر فقد والله نزل بك، قد آمن الناس كلهم، فأمر بأفواه السكك فحفر فيها الأخاديد، وأضرمت فيها النيران، وقال: من رجع عن دينه فدعوه، وإلا فأقحموه فيها.
وقال: فكانوا يتعادون فيها ويتواقعون، فجاءت امرأة بابن لها ترضعه، فكأنها تقاعست أن تقع فى النار، فقال الصبي: اصبرى يا أماه فإنك على الحق".
كذا رواه الإمام أحمد، ورواه مسلم والنسائي، من حديث حماد بن سلمة، زاد النسائى وحماد بن زيد كلاهما عن ثابت به.
ورواه الترمذى من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن ثابت بإسناده نحوه، وجرد إيراده كما بسطنا ذلك فى التفسير.
 
وقد أورد محمد بن إسحاق هذه القصة على وجه آخر فقال: حدثنى يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب، وحدثنى أيضا بعض أهل نجران، عن أهلها أن أهل نجران كانوا أهل شرك يعبدون الأوثان، وكان فى قرية من قراها قريبا من نجران - ونجران هى القرية العظمى التى إليها جماع أهل تلك البلاد - ساحر يُعلم غلمان أهل نجران السحر، فلما نزلها قيمون، ولم يسموه لى بالاسم الذى سماه ابن منبه.
 
قالوا: رجل نزلها، فابتنى خيمة بين نجران وبين تلك القرية التى فيها الساحر، وجعل أهل نجران يرسلون غلمانهم إلى ذلك الساحر يعلمهم السحر، فبعث التامر ابنه عبد الله بن التامر مع غلمان أهل نجران، فكان إذا مر بصاحب الخيمة أعجبه ما يرى من عبادته وصلاته، فجعل يجلس إليه ويسمع منه، حتى أسلم، فوحد الله وعبده، وجعل يسأله عن شرائع الإسلام، حتى إذا فقه فيه، جعل يسأله عن الاسم الأعظم وكان يعلمه فكتمه إياه.
وقال له: يا ابن أخى إنك لن تحمله، أخشى ضعفك عنه، والتامر لا يظن إلا أن ابنه عبد الله يختلف إلى الساحر كما يختلف الغلمان، فلما رأى عبد الله أن صاحبه قد ضن به عنه وتخوف ضعفه فيه، عمد إلى قداح فجمعها، ثم لم يبق لله اسما يعلمه إلا كتبه فى قدح، لكل اسم قدح، حتى إذا أحصاها أوقد نارا، ثم جعل يقذفها فيها قدحا قدحا، حتى إذا مر بالاسم الأعظم قذف فيها بقدحه، فوثب القدح حتى خرج منها لم تضره شيئا.
فأخذه ثم أتى به صاحبه، فأخبره أنه قد علم الاسم الأعظم الذى قد كتمه إياه فقال: وما هو؟
قال: كذا وكذا.
قال: وكيف علمته؟
فأخبره بما صنع.
قال: أى ابن أخى قد أصبته، فأمسك على نفسك، وما أظن أن تفعل.
فجعل عبد الله بن التامر إذا دخل نجران لم يلق أحدا به ضر إلا قال: يا عبد الله أتوحد الله وتدخل فى ديني، وأدعو الله لك فيعافيك عما أنت فيه من البلاء، فيقول: نعم، فيوحد الله و يسلم، حتى لم يبق أحد فى نجران به ضر إلا أتاه فاتبعه على دينه، ودعا له فعوفي.
حتى رفع شأنه إلى ملك نجران، فدعاه فقال: أفسدت على أهل قريتي، وخالفت دينى ودين آبائي، لأمثلن بك، قال: لا تقدر على ذلك، فجعل يرسل به إلى الجبل الطويل، فيطرح على رأسه، فيقع إلى الأرض ما به بأس، وجعل يبعث به إلى مياه بنجران بحور، لا يلقى فيها شيء إلا هلك فيلقى به فيها، فيخرج ليس به بأس.
فلما غلبه قال له عبد الله بن التامر: والله لا تقدر على قتلى حتى توحد الله فتؤمن بما آمنت به، فإنك إن فعلت سلطت على فقتلتني، قال: فوحد الله ذلك الملك، وشهد شهادة عبد الله بن التامر، ثم ضربه بعصا فى يده فشجه شجة غير كبيرة فقتله، وهلك الملك مكانه.
واستجمع أهل نجران على دين عبد الله بن التامر، وكان على ما جاء به عيسى بن مريم من الإنجيل وحكمه، ثم أصابهم ما أصاب أهل دينهم من الأحزاب، فمن هنالك كان أصل دين النصرانية بنجران.
قال ابن إسحاق: فهذا حديث محمد بن كعب، وبعض أهل نجران عن عبد الله بن التامر، فالله أعلم أى ذلك كان.
قال: فسار إليهم ذو نواس بجنده من حمير فدعاهم إلى اليهودية، وخيرهم بين ذلك أو القتل، فاختاروا القتل فخدوا الأخدود، وحرق بالنار وقتل بالسيف ومثل بهم، فقتل منهم قريبا من عشرين ألفا، ففى ذى نواس وجنده أنزل الله على رسوله: "قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ..." الآيات [البروج: 4-5] .
وهذا يقتضى أن هذه القصة غير ما وقع فى سياق مسلم، وقد زعم بعضهم أن الأخدود وقع فى العالم كثيرا، كما قال ابن أبى حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو اليمان، أنبأنا صفوان، عن عبد الرحمن بن جبير قال:
كانت الأخدود فى اليمن زمان تبع، وفى القسطنطينة زمان قسطنطين، حين صرف النصارى قبلتهم عن دين المسيح والتوحيد، واتخذ أتونا، وألقى فيه النصارى الذين كانوا على دين المسيح والتوحيد.
وفى العراق فى أرض بابل فى زمان بخت نصر حين صنع الصنم، وأمر الناس فسجدوا له، فامتنع دانيال وصاحباه: عزريا ومشايل، فأوقد لهم أتونا وألقى فيها الحطب والنار، ثم ألقاهما فيه، فجعلها الله عليهم بردا وسلاما وأنقذهم منها، وألقى فيها الذين بغوا عليه وهم تسعة رهط، فأكلتهم النار.
وقال أسباط عن السدى فى قوله: "قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ" قال: كان الأخدود ثلاثة: خد بالشام، وخد بالعراق، وخد باليمن. رواه ابن أبى حاتم.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة