عباس شومان

مظاهرات أمريكا دروس وعبر

السبت، 11 يوليو 2020 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فجأة وبلا مقدمات ولسبب لا يحدث مشكلة كبيرة فى دكان صغير فى دولنا الفقيرة، وهو الشك فى ورقة نقدية من فئة العشرين دولارا، اندلعت المظاهرات فى أمريكا بلد الحريات والتحضر كما يصفون أنفسهم، وليس فى بلاد التخلف كما يصفون بلادنا، وبدلا من احتواء الأزمة سريعا ببعض التصريحات وحتى الاعتذارات التى تهدئ من ثورة الغاضبين لمقتل أسود تحت أقدام شرطى أبيض، توالت التهديدات باستخدام الردع ونشر الجيش فزادت وتيرة الاحتجاجات والفوضى وتكررت مشاهد بلادنا فى بلادهم وربما أسوأ منها، وتناول النشطاء فى بلادنا هذه الأحداث كل من زاوية اهتمامه، ويمكن حصر هذا التناول فى أمور: منها الشماتة من قبل من يعتقدون أن أمريكا من الدول التى تقف خلف ما يحل ببلادنا من أزمات أو على الأقل لا تتألم لآلامنا ولا تسعى بشكل جدى لحل مشكلاتنا، وعلى ذلك فليذوقوا وبال أمرهم كما ذقنا، ونعلم بأن الأديان لا تقر الشماتة فى الغير ولو كان من الشامتين فينا، وما بين مستدل على أن الأحداث أسقطت أقنعة طالما صدرت للعالم وهما صور هذه البلاد على أنها واسعة الصدر مع معارضيها عادلة بين مواطنيها قوية لا ينال منها المخربون، فإذا هى تبدو ضيقة الصدر متحيّزة لبعض مواطنيها على حساب آخرين، عاجزة عن حماية شوارعها ومخازن سلاحها وأماكن يوضع تحتها خطوط كثيرة بكل ألوان الطيف، ومنهم أمثالى الذين أغمتهم وشغلتهم صورة رفعها المتظاهرون كتب عليها ما يفيد بأن الأمريكان ليسوا كالعرب حتى يقتلوا وهم صامتون، وانشغال الناس بهذه اليافطة المؤلمة كان على نوعين: أحدهما شكك فى صحة هذه اليافطة واجتهدوا فى إثبات ذلك بنشر صور أخرى قالوا إنها الحقيقية ليس فيها هذه العبارة، وكأن هذا ينهى الأمر وكأن شيئا لم يكن وكأننا لم نر هذه اليافطة ولاينبغى أن نفكر فيها، ونوع آخر وأنا منهم أحزنته هذه اليافطة سواء أكانت حقيقية أم مزيفة،  حيث تعنى عند من كتبها أو زيفها أننا دون هؤلاء وأننا سبة يُعير بها ويحذر من مصيرها، وأنا شخصيا أحيت فى نفسى ألما مر عليه سنوات، وذلك حين نظمت المنظمة العالمية لرابطة خريجى الأزهر مؤتمرا كبيرا فى دولة آسيوية كبيرة، وشاركت فى هذا المؤتمر نائبا عن فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر ورئيس المنظمة، وكان بين رئيس وزراء هذا البلد وزعيم المعارضة هناك خلافات كبيرة أشبه بالعداء وليس فقط الخلافات السياسيّة، ووجه لهما فرع الرابطة هناك دعوة باسم رابطة خريجى الأزهر فقبلاها، وسمعت أنهما لم يلتقيا من قبل معا فى مناسبة أو احتفال، حتى إن الناس هناك كانوا سعداء باجتماعهما ويشعرون بالامتنان للأزهر الذى جعلهما يلتقيان معا فى مؤتمر رابطته، مع توجسات من تحول كلماتهما إلى حرب كلامية بينهما، وانطلقت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، وكنت على المنصة مع رئيس الوزراء وزعيم المعارضة ورئيس فرع الرابطة بهذا البلد الذى عمل من قبل سفيرا لبلاده فى القاهرة، وتحدث قبلى زعيم المعارضة،  وبينما يتحدث حديثا جيدا عن الوحدة والتضامن بين المسلمين التفت إلى رئيس الوزراء الجالس بجانبى قائلا له: يا سيادة رئيس الوزراء سنعمل معا ولن نكون كالعرب، وكان وقتها خراب الحريق العربى فى ذروته والقتلى فى الشوارع يصعب حصرهم، وهنا فار الدم فى عروقى ولم أدر ما أفعل؟ وتساءلت فى نفسى هل هذا الرجل قصد الإساءة لبلادنا أو أن ثقافتهم درجت على ذلك دون قصد إساءة؟ فإن لم يقصد الإساءة فتصرفت أنا تصرفا عنيفا ظهرت بمظهر المتخلف المتعجل، وإن كانت الثانية فتجاهلت الأمر فى وقت أننى العربى الوحيد الذى سيلقى كلمة تحملت عدم رد الإهانة وحدى وهذا لا طاقة لى به،  فاستقر الأمر عندى أنها إساءة على الأقل فى ثقافتى وهذا يكفى، ثم أخذت أفكر ماذا أفعل؟ هل أعلن الانسحاب وربما تحدث أزمة دبلوماسية؟ هل أقاطعه معترضا محتجا، هل أرد عليه أثناء إلقاء كلمتى لاسيما أننى سأتحدث بعده مباشرة؟ ورغم رجحان هذا الأخير عندى إلا أن ثمة مشكلة وهى أن الكلمة التى سألقيها كانت قد سلمت للمنظمين لدواعى الترجمة أثناء إلقائها، وبطبيعة الحال ليس فيها ما يتعلق بالرد، فقررت التحدث ارتجالا كما أفضل دائما، وخصصت جانبا كبيرا من الكلمة للرد على زعيم المعارضة الذى قيل لى بعد ذلك أنه من الكوادر الإخوانية الكبيرة فى بلادهم، ومما أتذكره من الرد: بيان فضل العرب على العالم الإسلامى، وأنه لولا العرب وكسرهم لكل الحملات التى استهدفت بلاد المسلمين وتحطمها على أرض مصر الأزهر ما بقى بلد من بلاد المسلمين حرا، وأنه لولا الأزهر ما وصل الإسلام إلى أقصى بلاد الدنيا ومنها هذا البلد الذى خرج الأزهر له آلافا مؤلفة، وأن العرب ليسوا سبة يعير بهم، وأن ما يحدث فى بلاد العرب ليس من صنيع العرب وإنما بتدبير من أعداء الإسلام والمسلمين، وهم يستهدفون بلاد العرب لأنهم يعلمون أنها لو سقطت خاصة مصر سهل عليهم ما بعدها من دول لا تخيفهم ولا يقيمون لها وزنا وأن الجيش المصرى خاض نيابة عن العرب والمسلمين عدة حروب كان آخرها فى أكتوبر 1973م، فالعرب ليسوا سبة يُعيّر بهم ويحذر من مصيرهم، وكان هذا بلهجة حادة غاضبة.
 
 
بعد انتهاء الكلمة دعيت إلى التوجه إلى مكان خصص لأعضاء المنصة فرفضت رغم الإلحاح، لأننى كنت فى عجلة من معرفة رد فعل سفراء العرب والمسلمين الحاضرين للمؤتمر ومنهم السفير المصرى، خشية أن أكون تجاوزت فى الرد من غير داع، بعدها فوجئت بسفراء الدول العربية والإسلامية ومنهم السفير المصرى يقبلون علىّ مهنئين وممتنين غاية الامتنان ومرددين العديد من عبارات الثناء، وقال لى سفيرنا: كان السفراء إلى جوارى فى غاية الاستياء حين قال زعيم المعارضة عبارته، فلما رددت عليه كانوا يهمسون بكلمات من نوع: أيوه كدا.أحسنت. كمان.. فحمدت الله، ولكن شعرت بحسرة لفداحة ما فعلناه ببلادنا حيث جعلناها مضربا للمثل وليته الحسن، ولعل تكرار هذا فى اليافطة التى رأيناها سواء أكانت حقيقية أو مزيفة يجعلنا نقف وقفة من أنفسنا والسعى لإصلاح ما فعله السفهاء بسمعتها، لتعود مضربا للمثل الحسن الذى يقتدى به.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة