أكرم القصاص - علا الشافعي

بيشوى رمزى

تصاعد العنف بأمريكا.. ماذا يحدث بعد مقتل جورج فلويد ؟

الثلاثاء، 02 يونيو 2020 11:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

مشهد يبدو متعارضا مع المبادئ التي طالما عرفت بها الولايات المتحدة، لعقود طويلة من الزمن، والتي روجت لنفسها باعتبارها أكبر دعاة الديمقراطية في العالم، حيث هيمن العنف على الاحتجاجات، التي لم تلتزم بالخطوط الحمراء، سواء فيما يتعلق بنطاقها القانوني، أو الجغرافى، فالنشطاء اتجهوا إلى الاشتباك مع قوات الأمن، بينما تعمدوا تخريب الممتلكات العامة، والخاصة، في انتهاك صريح للقواعد المتعارف عليها، بينما امتدت حالة العنف إلى مركز السلطة في البلاد (البيت الأبيض)، مما دفع إلى التحفظ على الرئيس في مخبأ خاص، خوفا على حياته من بطش المتظاهرين، الذين يسعون إلى إثارة حالة غير مسبوقة من الفوضى، تعكس أبعادا سياسية أكبر منها إنسانية، كما هو ظاهر منها.

الاحتجاجات جاءت على خلفية مقتل جورج فلويد، وهو مواطن أمريكى من ذوى الأصول الأفريقية، في ولاية مينينسوتا، ليكون الحادث بمثابة الفتيل الذى أشعل أمريكا، وهو ما يعيد إلى الأذهان مشهدا أخر قبل 10 أعوام، عندما أقدم الشاب التونسى محمد بوعزيزى على إحراق نفسه، احتجاجا على البطالة، وسوء الأحوال الاقتصادية، إلا أن النيران لم تكتفى حينها بالتهام جسده النحيف، لكنها امتدت لتحرق أوطانا بأكملها في منطقة الشرق الأوسط، لتلقى بها بين أنياب الفوضى وعدم الاستقرار، إلى حد اندلاع الحروب الأهلية، وتمكين الميليشيات الإرهابية، من السلطة في العديد من دول المنطقة، حيث خرجت الاحتجاجات حينها من الشوارع والمحافظات البعيدة، ليجد النشطاء مكانهم أمام قصور الرئاسة، يطالبون صراحة برؤوس حكامهم، باعتبارهم المسئولين عما آلت إليه بلادهم من تدهور وتراجع لسنوات طويلة.

ولعل المفارقة الجديرة بالملاحظة هي أن المشهد الأمريكي الراهن يبدو متطابقا مع ما يسمى بـ"الربيع العربى"، فالأمور في "مهد الديمقراطية الحديثة" تطورت إلى الحد الذى ظهرت فيه حركات لتتزعم الاحتجاجات، وعلى رأسها حركة "أنتيفا"، والتي تدعى معادتها للعنصرية، يرتدى أعضائها ملابس سوداء، وأقنعة ليغطون بها وجوههم، وهى الحركة التي أعلن الرئيس دونالد ترامب نيته لوضعها في قائمة التنظيمات الإرهابية، بينما خرج الجيش الأمريكي لمساندة الشرطة في مجابهة العنف، وفرض حظر التجوال في العديد من المناطق، في حين لم يخلو المشهد من محاولة دهس للمتظاهرين بناقلة وقود في ولاية مينينسوتا، ربما ليتحقق التطابق الكامل بين مشاهد الماضى بالمشهد الأمريكي الحالي.

وبين الماضى المتجسد فيما يسمى بـ"الربيع العربى"، والحاضر الأمريكي، يبدو التشابه الأكبر واضحا في الجهة التي تبدو داعمة لحالة الفوضى الراهنة في الداخل الأمريكي، والمتمثلة في الحزب الديمقراطى، والذى كان يحكم الولايات المتحدة في صورة إدارة باراك أوباما، إبان الربيع العربى، بينما لا يجد حاليا سبيلا لإحياء أماله، للمنافسة في الانتخابات الرئاسية المرتقبة، والمقررة في شهر نوفمبر المقبل، سوى إشعال البلاد، عبر التضامن مع الاحتجاجات، خاصة بعدما فشلت كافة السبل في الماضى لزعزعة عرش ترامب، منذ انتصاره على غريمته السابقة هيلارى كلينتون في 2016، حيث خرج متظاهرون يحملون اللافتات على النتائج التي أتت بها الصناديق الانتخابية، في انقلاب صريح على الديمقراطية، بينما امتدت بعد ذلك عبر اتهام سيد البيت الأبيض، بالتواطؤ مع الروس، وهو الادعاء الذى قوضته التحقيقات التي قادها القاضي الأمريكي روبرت مولر، وانتهاءً بالحملة التي أطلقتها رئيسة مجلس النواب نانسى بيلوسى لعزل الرئيس على خلفية اتصال هاتفى مع رئيس أوكرانيا فلاديمير زيلنيسكى لكشف قضايا فساد تورط بها نجل المرشح الديمقراطى للرئاسى جو بايدن.

التزامن بين تصعيد الاحتجاجات إلى الحد الذى يهدد مركز الحكم، واقتراب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، يعطى انطباعا صريحا حول تورط الديمقراطيين في إشعال الفوضى، خاصة وأن السيناريو المتبع ليس غريبا عنهم، في ضوء التطابق الكبير في الأحداث بين ما شهدته منطقتنا منذ عقد من الزمان، لتحقيق رؤية أوباما (الرئيس الديمقراطى السابق)، ومن وراءه خطط الحزب الذى ينتمى إليه، والتي كانت تقوم على تمكين التيارات المتطرفة، من السلطة، على حساب الأنظمة الحاكمة ، في إطار صفقة، تقدم خلالها تلك الأنظمة الجديدة فروض الولاء والطاعة للأجندة الأمريكية القائمة على إعادة تقسيم المنطقة، فيما يسمى بـ"الشرق الأوسط الجديد".

وبالنظر إلى الحادث نفسه، وهو مقتل الأمريكي جورج فلويد، ذو الأصول الأفريقية، والذى تسبب في "الهوجة" الراهنة بالأراضى الأمريكية، نجد أنه ليس جديدا، حيث سبقها العديد من الأحداث التي اتسمت بعنصريتها خلال السنوات الماضية، دون أن تحدث مثل هذه الحالة من الفوضى، بل أن مثل هذه الحوادث تراجعت إلى حد كبير في حقبة ترامب، إذا ما قورنت بعهد سلفه الديمقراطى، والذى شهدت حقبته اعتداءات كبيرة على أساس عنصرى، رغم كونه (أوباما) من أصل إفريقى، امتدت من ولاية نيويورك مرورا بفلوريدا وميزورى، وحتى لويزيانا، وهى الاعتداءات التي أثارت انتقادات كبيرة في حينه، حيث اعتبرت العديد من الأقلام أن أول رئيس "إسود" لأمريكا فشل فشلا ذريعا في حماية حقوق الأمريكيين "السود" في إشارة إلى حجم الانتهاكات التي شهدتها هذه الفئة من المجتمع الأمريكي.

الحرب التي يشنها الديمقراطيين على الرئيس الأمريكي لا تقتصر في أبعادها على إثارة الفوضى، والتي تعد أحدث حلقاتها، وإنما بدأت بالعديد من الإرهاصات، التي ارتبطت بتفشى فيروس كورونا في العديد من الولايات الأمريكية، عندما أعلن قطاعا من حكام الولايات "العصيان" ضد دعوات الرئيس بالتعايش مع الفيروس، وهو ما يعكس رغبتهم في إطالة أمد الإغلاق، وبالتالي ضرب الاقتصاد الذى شهد قدرا من الانتعاش منذ اعتلاء ترامب سدة البيت الأبيض، وهو ما يمثل أحد أكبر الإنجازات التي يعول عليها الرئيس في حملته الانتخابية القادمة، إلا أن خروج المواطنين للتظاهر تأييدا لرؤيته كانت انعكاسا ليس فقط لفشل الخطة وإنما أيضا لإفلاسهم وعدم قدرتهم على تقديم رؤى جديد، وبالتالي فأصبح اعتمادهم قاصرا على تقويض نجاحات الإدارة الحالية، ولو على حساب المواطن الأمريكي.

أسلحة الديمقراطيين في الحرب على ترامب لم تخلو من استخدام مواقع التواصل الاجتماعى، وإن كان بشكل يبدو أكثر شراسة عن تلك الأساليب التي سبق لهم استخدامها في معاركهم السابقة، حيث أنهم لم يكتفوا بالتشكيك فى مصداقيته عبر "نشطاء" السوشيال ميديا، وإنما اتجهوا إلى استخدام إدارات المواقع للانغماس في معركتهم السياسية، وهو ما بدا مؤخرا في قيام "تويتر" بالتشكيك في مصداقية تغريدة أطلقها ترامب حول الانتخابات، وهو ما يعد بمثابة سابقة في تاريخ الموقع، الذى طالما تشدق، هو وأقرانه، بحماية حرية التعبير، الرأي الحر، وهو ما يمثل انعكاسا لتحالف "قوى الشر" في مجابهة الرئيس قبل الانتخابات المرتقبة.

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة