محمد ثروت

الرحمة للجميع يا قضاة السوشيال ميديا

الخميس، 18 يونيو 2020 12:39 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

شخصيا تعجبت من شاب أعرفه تماما- لم يقرأ كتابا فقهيا في حياته، وكل ثقافته من شيوخ الانترنت وروايات الجيب، و رغم ذلك نَصَبَ نفسه قاضيا وحكما على المجتمع، يوزع صكوك الرحمة على عباد الله أحيانا، وينزعها عنهم أحيانا أخرى، بدعوى الإيمان والكفر والإلحاد والهداية والفسق والفجور.  هذا النموذج وغيره/ غيرها أصبح منتشرا على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فج،  يكشف عن أزمة حقيقية في العقل العربي الذي استسهل العبث بكل شىء، بما في ذلك إطلاق الأحكام على الناس دون أدلة قوية أو فهم عميق لمقاصد الإسلام، اللهم إلا تبريرات ساغها هؤلاء لأنفسهم وحاولوا فرضها على الجميع.
 

إن قضية الترحم على الآخر المختلف دينيا ومذهبيا وجنسيا وعرقيا، قضية قديمة تثار من حين لآخر، وأذكر ونحن في المدرسة الإعدادية أنه إذا مات شخص غير مسلم يقال: " قدس روحه" ، تمييزا عن المسلم الذي يقال عند وفاه" الله يرحمه"، وكان ذلك من الموروثات الإقصائية التي بثتها السلفية والتشدد في مجتمعاتنا. كما أثيرت تلك القضية عند وقوع زلزال بإحدى دول آسيا التي تسكنها أغلبية هندوسية أو بوذية مثلا أو طاوية أو كونفوشيوسية، أيا كان المهم أنهم من أتباع ديانات ومذاهب بخلاف الأديان الإبراهيمية المتعارف عليها اليهودية والمسيحية والإسلام. أو عندما يموت فنان غير مسلم مثلا يثار ذلك الجدل ويحتدم النقاش حوله، رغم تناقض نفس العقلية بقوله: "يا خسارة كنت أحب أفلامه ومسلسلاته". كأن الرحمة والإنصاف والحب والكره والتفوق والتأخر، مرتبط بدين أو عرق أو جنس أو لون، وهو أمر غير صحيح إطلاقا، بل هو الوهم والإقصاء الذي أصاب بعض العقول، فشلها عن التمييز والتفكير.    
 

 فالميت إنسان أولا وآخرا ونفسا بشرية لها حرمتها وهيبتها، روى الإمام مسلم في صحيحه "أن قيس بن سعد وسهل بن حنيف كانا بالقادسية فمرت بهما جنازة فقاما فقيل لهما إنها من أهل الأرض فقالا إن رسول الله صلى الله عليه و سلم مرت به جنازة فقام فقيل إنه يهودي فقال أليست نفسا؟".  بل إن النبي محمد (ص) طلب من الله الشفاعة والرحمة بعمه أبي طالب ابن عبد المطلب غير المسلم الذي رباه، بأن يخفف عذابه(حديث أبي سعيد في صحيح مسلم).

 

إن من يقرأ النصوص القرآنية بعمق يجد شمول الرحمة للجميع ومنها قوله في الآية الخامسة من سورة الشورى "والملَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ"، اختلف في تأويلها العلماء ومنهم القرطبي وهل المقصود المؤمنين وغيرهم باعتبار أن الأرض ومن عليها ومؤمن وغير مؤمن، إلا أنهم اتفقوا في أنها تعني طلب الحلم والغفران للجميع، وألا يعجل لهم بالانتقام تصديقا لقوله تعالى " وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ (من الآية 6الرعد).
 

هكذا تتوالى نصوص الرحمة العامة، ومنها ما جاء في الآية 156 من سورة الأعراف "قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ"،  فقد روى الإمام الطبري في تفسيره عن الحسن وقتادة "قالا وسعت في الدنيا البَرَّ والفاجر وهي يوم القيامة للذين اتَّقوا خاصَّةً ، وقال آخرون : هي على العموم وهي التوبة".

كما طلب الأنبياء الرحمة حتى لغير المؤمنين بما جاءوا به، كما جاء على لسان أبى الأنبياء إبراهيم عليه السلام  من الآية 6 في سورة إبراهيم "رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ".

بل إن عيسى عليه السلام لم يطلب الرحمة فحسب لغير المؤمنين، بل تعداها إلى طلب المغفرة لهم: "إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " (المائدة 118).

فيا من نصبتم أنفسكم خصما وحكما على الآخرين المختلفين معكم، هل تعترفون كم من جريمة ترتكبون في حق الموتى، تضاعف بمراحل- ما ارتكبتموه من ظلم في حقهم وهم أحياء لأنكم لم تتركوا لهم فرصة العيش المشترك او الموت بسلام؟

 

 

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة