أكرم القصاص - علا الشافعي

بيشوى رمزى

بريطانيا وروسيا.. تحالف أم خصومة؟

السبت، 09 مايو 2020 01:13 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

على الرغم من أن العائلة المالكة في بريطانيا لا تحظى بسلطات كبيرة، فيما يتعلق بالدبلوماسية، إلا أن تصريحات عناصرها تبدو مؤثرة للغاية، وتمثل انعكاسا صريحا للتوجهات التي تتبناها الحكومة، وربما تقدم انطباعا عن خريطة مستقبلية للعلاقات بين لندن والمحيط الخارجي، خاصة إذا ما ارتبطت تلك التصريحات بدولة تعد خصما تاريخيا ليس فقط للمملكة المتحدة، وإنما للمعسكر الغربى بأسره، على غرار روسيا، وفى مناسبة تحمل أهمية تاريخية كبيرة لها، وهى عيد النصر، والذى يرجع تاريخه إلى انتصار قوات الحلفاء، بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى، على المحور، بقيادة ألمانيا النازية.

ففي إطار التهنئة، أعربت الأمير آن، ابنة ملكة بريطانيا إليزابيث، عن تهنئتها بعيد النصر، لتخص شعوب الاتحاد السوفيتى السابق بالشكر والامتنان، على الانتصار الذى تحقق على ألمانيا النازية، وهو التصريح الذى ربما ينظر إليه باعتباره أمرا بروتوكوليا في إطار العلاقات الدولية، إلا أنه يحمل في طياته الكثير من الأبعاد المتشابكة، في المرحلة الراهنة، في ظل العديد من المعطيات، أبرزها المكانة الكبيرة التي تحظى بها الأميرة في العائلة المالكة، حتى أن البعض يصفها بصندوق أسرار الملكة، بالإضافة إلى انتفاء الصفة الحكومية "الرسمية" عنه، على أساس أن أفراد الأسرة ليس لهم سلطات سياسية، وبالتالي لا يوجهون الدبلوماسية البريطانية، فضلا عن أن التهنئة تحمل قدرا من العداء، ولو بصورة ضمنية، لشريك أوروبى أخر وهو ألمانيا، والتى وإن كانت تتبرأ من الحقبة النازية، فإنها تبقى جزءً لا يتجزأ من تاريخها.

إلا أنه بالنظر إلى طبيعة العلاقة بين لندن وموسكو، يتكشف لنا أن ثمة تعقيدات كبيرة تحكم التفاعل بين البلدين، بعيدا عن العداء الظاهر بينهما، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار حقيقة مفادها أن بريطانيا تسعى إلى استعادة دورها الإقليمى على المستوى القارى في أوروبا، لتقودها من خارج الاتحاد الأوروبى بعدما فشلت في تحقيق ذلك أثناء عضويتها في التكتل القارى، وهو الأمر الذى سعت إليه العديد من الحكومات البريطانية منذ عقود طويلة من الزمن.

السياسات البريطانية، منذ حقبة رئيسة الوزراء التاريخية مارجريت تاتشر، تقوم في الأساس على فكرة أن بقاء روسيا القوية يضمن استمرارية القيادة البريطانية للقارة العجوز، وذلك بالرغم من مواقفها العدائية المعلنة من الاتحاد السوفيتى منذ السبعينات من القرن الماضى، والتي كانت سببا في صعودها إلى مقعد السلطة في بلادها، وهو الأمر الذى يفسر مساعيها إلى الزعيم السوفيتى ميخائيل جورباتشوف للتدخل لمنع انهيار حائط برلين، بالإضافة إلى موقفها الداعم في الثمانينات من القرن الماضى للمصالح بين واشنطن وروسيا، لمنع انهيار الاتحاد السوفيتى.

رؤية تاتشر لم تمت بانهيار الاتحاد السوفيتى، ولكن بقت المحاولات البريطانية قائمة لتستعيد موسكو مكانتها، في عهد رئيس الوزراء الأسبق تونى بلير، حيث كشفت تقارير استخباراتيه في عام 2018، أنه ساهم بدور فعال لدعم وصول الرئيس الحالي فلاديمير بوتين إلى الكرملين لأول مرة في عام 2000، رغم الموقف العدائى الذى يحمل "القيصر" من بعض القوى الأوروبية، وعلى رأسها ألمانيا.

وهنا تتجلى العقيدة التي يتبناها قيادات بريطانيا، والتى تدور حول أن القيادة البريطانية لأوروبا مرهون بوجود روسيا قوية، وبالتالي فإن انهيار الاتحاد السوفيتى، في التسعينات من القرن الماضى، يمثل السبب الرئيسي لفقدان لندن لمكانتها القارية لصالح قوى أخرى، على غرار ألمانيا، وهو الأمر الذى يفسر محاولات قيادات الحكومة في لندن إلى استدعاء الفزاعة الروسية بين الحين والأخر، على غرار أزمة العميل الروسى المزدوج سيرجى سكريبال، والذى سعت رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماى إلى استخدامها، لتخويف الشركاء الأوروبيين من عودة "المارد" السوفيتى، وبالتالي إجبارهم على الالتفاف حول القيادة البريطانية.

العلاقة بين بريطانيا وروسيا ربما تحمل منحى مخالف في المستقبل القريب، في ظل مساعى لندن للقيام بدور أكبر، على حساب منافسيها داخل الاتحاد الأوروبى، بالإضافة إلى سعيها إلى التقارب بصورة أكبر مع واشنطن، عبر تقديم نفسها كحلقة وصل بين موسكو من جانب والولايات المتحدة وحلفائها من جانب أخر.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة