وائل السمري يكتب في عيد ميلاده الـ80..عادل إمام الذي يشبه الجميع ولا يشبهه أحد..بطلنا العادي وأسطورة البسيطة..تتكون خارطة مصر من أمثال هذا الرجل الذي ملأ الدينا بالمتعة والإلهام ليصنع هويتنا ويؤرخ لوجداننا

الأحد، 17 مايو 2020 03:40 م
وائل السمري يكتب في عيد ميلاده الـ80..عادل إمام الذي يشبه الجميع ولا يشبهه أحد..بطلنا العادي وأسطورة البسيطة..تتكون خارطة مصر من أمثال هذا الرجل الذي ملأ الدينا بالمتعة والإلهام ليصنع هويتنا ويؤرخ لوجداننا

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

شكلا تتكون خارطة مصر من صحراء واسعة يشقها نهر النيل الخالد فينثر الخير والمحبة والأمل، وفي الموضوع تتكون خارطة مصر من أمثال هذا الرجل الذي ملأ الدينا بالمتعة والضحك والإلهام

أنا الزعييييييييييييييييييييم

كلمة عابرة في مسرحية شهيرة قالها عادل إمام بأدائه المدهش، فنزلت على الجميع بردا وسلاما، وجد فيها الناس اللقب المناسب للرجل المناسب، انصاع لزعامته الجميع بلا مقاومة تذكر، ومن ذا الذي يستطيع أن يقاوم كلمة الحق إذا قيلت.

هو الزعيم، قبل الجميع اللقب مع كراهة أن يدعي أحدا لنفسه لقبا كبيرا كهذا، لكن لأنه عادل إمام، ولأنه كان الزعيم بالفعل قبل أن يكون الزعيم بالقول، أصبح هذا هو اللقب الرسمي له، يقوله الجميع بمحبة وإذعان، يقوله الجميع بالرضا والعرفان.

80 سنة يا زعيم وأنت تبدع وتبهج وتحب، 80 سنة من رحلة شقاء طويلة أعقبها رحلة استحقاق طويلة أيضا، نزل الملوك من فوق عروشهم، وصعد آخرون، قامت ثورات أعقبها ثورات، وتغيرت الأنظمة والحكومات، رؤساء حكموا وآخرين ذهبوا، أنظمة اختلفت وأخرى تخلفت، دول قامت ودول تفتت، 80 سنة يا زعيم وأنت زعيم، القريب من كل القلوب، والحبيب لكل القلوب، المعروف في كل البيوت، والعلامة التي نهتدي بها في طريق الفن والمحبة والإخلاص، وضع تحت تلك الكلمة الأخيرة ألف خط لأنها سر الأسرار ومفتاح اللغز والدليل الأكبر لإجابة السؤال: كيف تزعم الزعيم؟

ربما تكون تلك الحكمة هي الشيء الوحيد الذي تعلمه الزعيم من "كلية الزراعة" التي درس بها وتخرج فيها، فقد تعلم الزعيم منذ بدايته أن يرى في البذرة الشجرة، وأن يرى في الشجرة الحديقة، وأن يرى في الحديقة الجنة، وأن يشم رائحة الثمار فور أن يرى الأرض الطيبة، وقد تعامل "الزعيم" مع نفسه منذ البداية باعتباره "بذرة" يرى فيها جنة كاملة الأوصاف، عمل أشياء لا يحبها، وقبل بأشياء لم يكن ليقبل بها، ظهر على الهامش كثيرا مؤمنا بأنه سيحتل المتن كاملا ذات يوم.

قصة إنسانية مبهرة، يتعلم منها الواحد كيفيما أراد أن يتعلم، يحبها الواحد بقدر ما يعجب بها، هذا الهرم الشاهق المسمى بالزعيم هو بناه هذا الشاب اليافع المسمى بعادل إمام، هذا العمل الجاد والسهر المرهق والاجتهاد المضنى صنع هذا الهرم المعجزة، متسلحا بالإخلاص فحسب، مؤمنا بقدرته فحسب، وكأنه كلما تعب أو رأى من الناس إنكارا سلح نفسه بالمثابرة قائلا لنفسه "زعيم أونطة أنا ولا إيه؟"

فتش بين أصحابك أو أقاربك أو معارفك سترى أن عادل إمام لا يشبه أحدا، وجهه الذي لا تعرف إن كان مربعا أم مدورا، قوامه الذي لا تعرف إن كان نحيفا أم ممتلئا، ملامحه التي لا تعرف إن كانت جذابة أم فاترة، ثم فتش بين أصحابك ومعارفك وأقاربك مرة أخرى لترى إن عادل إمام يشبه الجميع، ولا يشبه أحدا في آن، تلك العادية المفرطة صنعت منه أيقونة متفردة، تلك الجاذبية الصامتة هي التي جعلتك تؤمن به حينما يقوم بدور البطل المحبوب، وهي ذاتها التي جعلتك تؤمن به وهو يقوم بدور هلفوت من الهلافيت.

طوال تاريخه الفني الكبير جدا والمدهش جدا لم يدع عادل إمام أنه أسطورة الأساطير أو البطل الخارق الذي لا يقهر، وكثيرا ما كان يقرن هزيمته لخصومه بضربة قاضية بـ"أفيه" أو "قفشة" كوميدية لكي يخبر الناس بحنكة وحرفية بأن ما يرونه كوميديا فحسب، كان بطلا عاديا، أسطورة بسيطة، أيقونة ضاحكة، فمه الكبير منحه ضحكة مجلجلة تسمع صداها في الصور الفوتوغرافية والتماثيل الصامتة، ضحكة اتسع مداها من المحيط إلى الخليج، كثيرون حاولوا تقليده فصاروا أشباحا باهتة، كثيرون حاولوا اتباع خطاه فصاروا مجرد اسكتشات خرساء للوحة ناصعة الحضور.

صنع عادل إمام ما لم يصنعه غيره، صنع تاريخا لنفسه وتاريخا لبلده وتاريخا لفنه، والأهم من هذا كله صنع تاريخا لكل واحد فينا، صنع حياة لكل واحد فينا، صنع مواسما للبهجة مع كل فيلم يطرحه وكل مسرحية يشارك فيها وكل مسلسل يبدع فيه، كنا نتصارع للظفر برؤية أفلامه وكأننا في يوم الحشر، على أبواب السينما آلاف مؤلفة، ناس فوق ناس بجانب ناس على ناس، جماهير "ياما" أنت من جعلتها تؤمن بأن المتعة شيء يستحق أن تقاتل عليه مثل رغيف العيش، وأنت الذي زرعت فيها حب الفن وعشق السينما.

نحن الذين طرنا مع الفتى الطائر، ونحن الذين انتقمنا لعيون فاطمة وشفي غليلنا برؤية الدموع الوقحة، ونحن الذين أغلقنا النوافذ حتى لا يطير الدخان، ونحن الذين ارتعبنا من الأسد في شاهد مشافتش حاجة، ونحن الذين حلمنما بكسر قانون ساكسونيا وقتل الغول، ونحن الذين تمنينا أن يسمعك أحد وأنت تصرخ "إحنا بتوع الأوتوبيس" ونحن الذين عشنا معك مرة واحدة، ونحن الذي تعاطفنا معك حينما صرخت "عايز أبوس.. أشمعنى أستاذ يوسف شعبان بيبوس"

يحتفل الزعيم اليوم بعيد ميلاده الـ80، 80 ألف قلبة على جبينك يا عم، 80 ألف وسام على صدرك المرصع بالشقاء، 80 ألف حضن من كل كائن حي في بلاد العرب، 80 ألف صحة وسعادة ومحبة، 80 ألف تحية تقدير وإجلال، 80 ألف تعظيم سلام لمشوار فني لا يتكرر، 80 ألف ابتسامة رضا لقلبك الكبير.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة