من عرَّف الإنسان الموت وسبل الدفن؟ حدث ذلك بعد قصة الغراب الذي علم قابيل دفن جثمان أخيه هابيل بعدما قتله، ومنذ ذلك اليوم اتخذ الإنسان في كافة الحضارات والثقافات المختلفة وعلى مدار التاريخ وحتى الآن، طرق ووسائل متنوعة لدفن موتاهم.
ومؤخرا، عثر علماء آثار فى بريطانيا على بقايا زعيم يعود إلى العصر البرونزى، فى مكان للدفن عمره نحو 4000 عام، جنبًا إلى جنب مع سجادة ثمينة وحشد من البضائع وبقايا شخص ينظر إليه على أنه له علاقة بعالم الأرواح، فى وضعية الجلوس التى تواجه سيده، ويعتقد أنه قتل لمرافقته فى الحياة الآخرة.. وربما لم تكن تلك الحالة الوحيدة التي يجد فيها مرافقون للموتى في رحلتهم الأخيرة، فقد عرفت الحضارات القديمة وبعض الثقافات القائمة طقوس تشبه ذلك.
الخدم والأمناء رفقاء الملك في رحلة الموت
ومن ضمن العادات التي قام بها الفراعنة قتل الأمناء أو الخدم بعد موت الملك ليرافقوه في الحياة الأخرى، حيث يقال إن هناك اعتقاد يقول إن بعض الأشخاص كانوا يتطوعون للتضحية لكي يحصلوا على الخلود و ليرفعوا من مراتبهم.
وبحسب موقع الباحثون السوريون لقد وجدت عادة التضحية البشرية في بداية مصر الفرعونية، أقرب الحالات يعود تاريخها إلى أواخر عصور ما قبل التاريخ المصرية في عهد نقادة الثانية (3500 – 3200 ق.م ) عندما اكتشف علماء المصريات جثثا مقطوعة الرأس وجدت في العديد من المقابر، و يتضح الدليل على التضحية البشرية في فترة الأسر الباكرة من مصر عندما كانت العاصمة ما تزال في أبيدوس، إذ احتوت غرفة دفن الملك حور-أحا على 36 قبر لذكور تراوحت أعمارهم بين 20- 25 ماتوا خنقاً، اقترح عالم المصريات جاكوبوس فان دايك أن "بالنظر إلى تقارب أعمار هؤلاء الرجال فإن من المرجح أنهم قتلوا في مجزرة واحدة"، وبالإضافة الى جثث الخدم وجد أيضا 6 قبور تحتوي على بقايا لموظفي المحاكم، المزيد من الخدم و بعض الحرفيين.
دفن الحيوانات وحاشية الملك معه في القبر عند السومريين
من الشعائر الجنائزية الشهيرة عند السومريون لملوكهم، تقضى باتباع جميع أفراد الحاشية ملكهم إلى الموت، فيدفون مع الملك عند وفاته وهم أحياء، ووفقا للباحث قيس حاتم في دراسة بعنوان "فكرة الموت والشعائر المقدسة عند السومريين" فإن المنقب (ليونارد وولي) الذي عثر على المقبرة الملكية في أور أواخر العشرينات وأوائل الثلاثينات من القرن الماضي، أوضح أن طريقة التضحية التي رافقت الشعائر الجنائزية في أور كانت تقضي بإنزال جثت الملك بعد وفاته إلى القبر الذي أعد له ثم ينزل معه أتباعه وحاشيته ويستقرون على الأرض أو على رفوف موضوعة على الجدران، ثم تبدأ المراسم اللاحقة التي يقتل خلالها الحيوانات الموجودة معهم في القبر وبعدها يبدأ هؤلاء الأتباع والحاشية بتناول السم من قدر ممتلئ به.
ويعتقد المنقب (ليونارد وولي) أن سبب دفن أتباع الملك معه يرجع إلى الاعتقاد الذي كان سائداً عند السومريين بأن الملك يعد إلهاً في نظرهم لذا ينبغي أن يدفن معه بعد موته أتباعه وحاشيته لينتقلوا معه إلى العالم الآخر وليواصلوا تقديم خدماتهم له حياته الأخرى.
ويدفن الملك كالعامة في مقبرة خاصة أو أسفل مساكنهم، ترافقه حفلة جنائزية دينية، ويصاحب جنازته إلى قبره جميع أفراد حاشيته من الزوجات والضباط والجنود والخدم والموسيقيين، وينزلون الحفرة المعدة لتكون قبر الملك ثم يقدم لهم كأس من مادة مخدرة، فيشربونه الواحد تلو الآخر بعد إجراء مراسيم دينية خاصة، وعندما يفقدون الوعي جميعاً يهال عليهم التراب فيٌدفنون وهم ما زالوا أحياء.
تماثيل الإله الأم في مقابر الأطفال
فإن أهل بلاد الرافدين قديما كانوا يقومون بدفن مع الموتى بعض الالات والأدوات المصنوعة من الحجارة وبعض الخرز وما يسمى بالاثاث الجنائزي الى جانب تماثيل الآلهة الام التي ظهرت في قبور الاطفال وبشكل لافت للنظر على اعتبار ان الطفل المتوفى يبقى بحاجة الى رعاية امه حتى وان انتقل الى العالم السفلي، علماً ان دفن هؤلاء الاطفال كان ومنذ وقت مبكر يتم في (١١ (جرار فخارية كبيرة أو متوسطة الحجم، وذلك حسبما جاء في دراسة بعنوان الطقوس الجنائزية في بلاد وادي الرافدين خلال الألف الثالث قبل الميلاد" للدكتورة إيمان لفتة حسين، بجامعة القادسية.
المتعلقات الشخصية الثمينة ترافق المتوفى عند اليهود
كان اليهود لا يحنطون الموتى كالمصريين، ولا يحرقونهم كالرومان، استعملوا التحنيط لموتاهم، فيتم غسل جسد الميت، وقص شعره، وحلق ذقنه، ورش العطور عليه، وتلبيسه الثياب المخصصة الموتى يدفنون ومعهم مؤونة من الطعام وأشياء ثمينة كانوا يملكونها. وكان الميت ملقيًا على الظهر، والكوعان متباعدين، واليدان مكتوفتين على أسفل البطن. وقد تأكدت هذه الوضعية من خلال هياكل عظمية للاسينيين تمّ اكتشافها خلال الحفريات في قمران. ويشار إلى أنّ هذه الوضعية شبيهة بوضعية رجل كفن تورينو.
ست السنسكريتية وحرق المرأة مع زوجها
في الهند يشيع حرق جثمان الميت ونثر رماده في النهر، وتحرق المرأة حيّة، طوعاً أو كرهاً، مع زوجها المتوفى في بعض القبائل، وبالرغم من تجريم هذا الطقس في أيامنا هذه، إلا أننا لم نزل نشهد بعض الحالات المماثلة من حين إلى آخر.
ويسمى هذا الطقس ست السنسكريتية والتي تعني الحقيقة، وهو طقس ديني عند بعض الهندوسيين، تقوم فيه المتوفى زوجها طوعًا أو كرهًا بحرق نفسها مع جثة زوجها المتوفي. أصبح هذا الطقس نادرًا وغير قانوني منذ عام 1829، و يعود أصل الكلمة لاسم الإلهة الهندوسية ستي والتي أحرقت نفسها، لأنها لم تستطع الصبر على إهانة أبيها داكشا لزوجها شيفا، تستخدم هذه الكلمة للإشارة إلى أن المرأة "امرأة عفيفة".