يحلو لبعض الناس اتهام الأزهر بمصطلحات لا وجود لها فى الفكر الأزهرى، ومنها أن الدولة فى الفكر الأزهرى هى دولة دينية، مع أن الأزهر يؤكد دائمًا على أنه لا وجود للدولة الدينية فى فكره أو مناهجه، وأن الدولة فى الإسلام دولة مدنية، ولا يمنع هذا ارتباطها بديانات مواطنيها فى دستورها ونظامها، فكون الدولة مرتبطة بالدين فى نظامها لا يعنى أنها دينية، بخلاف الدولة فى المفهوم الغربى، وليس هذا فقط، بل إن الأزهر يرى أن المؤسسات الدينية يجب أن تكون بعيدة عن التكوين السياسى للدولة، مع انتظام هذه المؤسسات ضمن مؤسسات الدولة، تباشر دورها فى حدود اختصاصها كما حدده الدستور وما انبثق عنه من قوانين.
ولذا، أكد مؤتمر الأزهر العالمى للتجديد فى الفكر الإسلامى على ما سبق، وأعلنه بوضوح فى مؤتمره العالمى: «الحرية والمواطنة: التنوع والتكامل»، فكانت النتيجة التالية ضمن البيان الختامى لمؤتمر التجديد: «الدولة فى الإسلام هى الدولة الوطنية الديمقراطية الدستورية الحديثة. والأزهر، ممثلًا فى علماء المسلمين اليوم، يقرِّر أن الإسلام لا يعرف ما يسمى بالدولة الدينية؛ حيث لا دليل عليها فى تراثنا، وهو ما يُفهم صراحةً من بنود صحيفة المدينة المنورة، ومن المنقول من سياسة رسولنا الأكرم، ومَن جاء من بعده من الخلفاء الراشدين، وكما يرفض علماء الإسلام مفهوم الدولة الدينية، فإنهم يرفضون، بالقدر نفسه، الدولة التى يقوم نظامها على جحد الأديان وعزلها عن توجيهات الناس».
وبهذا النص المؤكد لنصوص سابقة يتضح بجلاء موقف الأزهر من مدنية الدولة، إلا إذا أراد البعض غض الطرف عن كل هذه التأكيدات، وظلوا يصرون على أن الدولة فى الفكر الأزهرى دينية رغمًا عنه!
وقد تعرض البيان الختامى لمؤتمر التجديد كذلك لنظام الحكم، وبينت النتائج أن جميع أنظمة الحكم القائمة تستوعبها الشريعة الإسلامية، وأنه لا يوجد نظام حكم مقولب يلزم الناس تطبيقه فى سائر العصور، وهذا يرد زعم الجماعات المتطرفة والإرهابية التى تقول بحتمية الخلافة، فقد جاء فى البيان الختامى: «الخلافة نظام حكم ارتضاه صحابة رسول الله ناسب زمانهم، وصلح عليه أمر الدِّين والدُّنيا، ولا يوجد فى نصوص الكتاب والسنّة ما يلزم بنظام حكم معين، بل كل نظام من أنظمة الحكم المعاصرة تقبله الشريعة ما دام يوفر العدل والمساواة والحرية، وحماية الوطن، وحقوق المواطنين على اختلاف عقائدهم ومِلَلِهم، ولم يتصادم مع ثابت من ثوابت الدين»، ثم تحدث البيان الختامى كذلك عن الحاكم وواجباته والحقوق المتبادلة بينه وبين رعيته؛ حيث جاء ضمن نتائجه: «الحاكم فى الإسلام هو مَن ارتضاه الناس حاكمًا بالطريقة التى يحددها دستور الدولة، أو ما تقتضيه أنظمتها المعمول بها، ومن واجباته العمل على مصلحة رعيته، وتحقيق العدل بينهم، وحفظ حدود الدولة، وأمنها الداخلى، والاستغلال الأمثل لمواردها وثرواتها، ويُلبِّى احتياجات المواطنين فى الحدود المتاحة».
وأكد مؤتمر الأزهر، فى بيانه الختامى أيضًا، على حق المواطنة الكاملة لجميع مواطنى الدولة دون نظر إلى قلة أو كثرة أو دين أو عِرق، وهو ما أعلنه أيضًا فى مؤتمره العالمى: «الحرية والمواطنة: التنوع والتكامل»، وذلك من خلال هذا النص: «المواطنة الكاملة حق أصيل لجميع مواطنى الدولة الواحدة، فلا فرق بينهم على أساس الدين أو المذهب أو العِرق أو اللون، وهو الأساس الذى قامت عليه أول دولة إسلامية، وتضمنته صحيفة المدينة المنورة، وعلى المسلمين أن يعملوا على إحياء هذا المبدأ».
وتطبيقًا لهذا المبدأ، كان التأكيد على أمر يختلف حوله بعض الناس، وهو تهنئة غير المسلمين من شركاء الوطن بأعيادهم، فجاء فى البيان الختامى للمؤتمر: «من البر الذى دعانا إليه الإسلام تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، وما يدَّعيه المتشددون من تحريمٍ هو جمود وانغلاق، بل افتراء على مقاصد شريعة الإسلام، وهو من باب الفتنة التى هى أشد من القتل، ومن باب الأذى لغير المسلمين، وليس فى التهنئة أية مخالفة للعقيدة؛ كما يدَّعى المتشددون»، وقد ناشد البيان الختامى لمؤتمر الأزهر العالمى للتجديد القائمين على أمر الإعلام منع المواد الإعلامية التى يكثر الحديث فيها عن تحريم تهنئة غير المسلمين بالتزامن مع احتفالاتهم بأعيادهم، وللحديث بقية إن شاء الله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة