لم يكن "سمير" طفلاً عادياً، وإنما ارتدى ثوب الرجولة منذ نعومة أظافره، بحث عن عمل عقب خروجه من المدرسة لمساعدة والده الذي بلغ من العمر أرذله، وما أن وصل للمرحلة الإعدادية اكتفى بما تعلمه، وغادر التعليم لتسخير وقته للعمل لمساعدة والده.
كبر الطفل الصغير، وكبر معه حلم والده، الذي كان يرى في ابنه "سمير" حلمه ومستقبله، للعمل والإنفاق على الأسرة بأكملها، وبالفعل لم يخذل الابن والده، فقد سخر وقته بالكامل للعمل ليل نهار في تصنيع وتركيب "الستائر".
استراح الأب من العمل تماماً، وعاش في كنف ابنه، الذي يعمل وينفق على الجميع، الأبوين والأشقاء، لا يكل ولا يمل، وابتسامة الرضا تملأ الوجه، ولسانه مازال رطباً بكلمات الحمد والشكر لله، على رضا الوالدين.
الأب يسرد كواليس الجريمة
الفرح داعب الأب العجوز، عندما قرر ابنه "سمير" الزواج من فتاة تقاربه في العمر، تشاركه الحياة الزوجية وتنجب له الأطفال الذين يحملون اسم الجد مستقبلاً.
تزوج "سمير" وزادت سعادة الأب عندما علم بأن زوجة ابنه تحمل في أحشائها جنيناً يحمل اسم العائلة، حيث وضعت طفلاً أطلقوا عليه اسم "فارس"، فقد كانوا يرون أن والده "سمير" فارساً بلا جواد، يعمل ويتغلب على مصاعب الحياة من أجل رسم البسمة على وجوه الجميع.
الفرحة بدأت تعرف طريقها لقلب الرجل العجوز، فقد أصبح لديه حفيداً جميلاً يداعبه طول الوقت، وابن يكد ويعمل للإنفاق على الأسرة بأكملها، لكن الفرح لم يدوم، فقد كتبت كلمة النهاية في حياة البطل "سمير" أمام منزل والده في حارة جانبية متفرعة من شارع الكنيسة الفرنساوي، في منطقة عزبة النخل، على يد بلطجية قتلوه بدماء بادرة.
شهيد الشهامة
"سمير" كان في زيارة لنا، ولم ندر أنها الزيارة الأخيرة"، هكذا تحدث الأب لـ"اليوم السابع" بصوت ممزوج بالآسى، قائلاً: "اندلعت مشاجرة في الشارع بين مجموعة من الأشخاص، وما كان لـ"سمير" الشاب الشهم، أن يترك المشاجرة، حتى يتدخل ويفضها، فأسرع نحو الشارع للتدخل واحتواء الأزمة، ونجح بالفعل في التفريق بين الطرفين وإنهاء الأزمة، إلا أن أحدهم توعده وعاد برفقة آخرين وقتلوا ابني في لحظة غدر.
صراخ في الشارع، وأصوات مرتفعة تهتك الصمت الذي خيم على المنطقة، هكذا كان المشهد في شارعنا ـ الأب يواصل حديثه ـ فترجلت وصولاً لمسرح الجريمة، لأرى بعيني ابني قتيلاً بعدما أفنى عمره في الخير، وساعدني لسنوات طويلة.
والد القتيل
"لو حتعيش بعد عيالك ماتموت ساعتها بس حتعرف ايه هو الموت "، هكذا وصف الأب العجوز حاله، قائلاً: الحياة أصبحت صعبة وقاسية بدونه، فقد كان مصدر الرزق والسعادة، لكن الموت غيبه عننا، وأصبح الوقت يمر بصعوبة، "توحشت حضنه، وحنيته عليا، وبأشوفه في ابنه الصغير"، مضيفاً: تم القبض على المتهمين وانتظر صدور حكم عليهم بالإعدام حتى تهدأ نيران القلوب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة