كانت الساعة السادسة مساء 11 إبريل، مثل هذا اليوم، 1975، حين استقبل ممدوح سالم، الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل.. كان «سالم» وزيرا للداخلية «توفى يوم 25 فبراير 1988»، وكان مكلفا من الرئيس السادات بتشكيل حكومة جديدة تخلف وزارة الدكتور عبد العزيز حجازى، ووفقا لهيكل فى كتابه «لمصر لا لعبد الناصر»: «دعانى ممدوح سالم إلى لقائه ليعرض على الاشتراك فى وزارته نائبا لرئيس الوزراء ومختصا بالإعلام والثقافة، وسمعت عرضه الرقيق كاملا بما فيه تصوره لمهمة وزارته وآماله فيما تستطيع تحقيقه، واتفاقه مع الرئيس السادات على مجلس للسياسات العليا يرأسه رئيس الجمهورية ومعه رئيس الوزراء، وخمسة نواب لرئيس الوزراء أنا بينهم، وأنهم سوف يعملون رسم ومتابعة سياسات الدولة بسلطات كاملة».
جرت المقابلة بعد عام وشهرين وتسعة أيام من قرار السادات بإقالة هيكل من رئاسة تحرير «الأهرام» يوم 2 فبراير 1974، ويتذكر طبيعة علاقته مع السادات فى الشهور التى تلت الإقالة، قائلا: «مضت ثمانية شهور من فبراير إلى أكتوبر 1974 والطرق بيننا غير سالكة، حتى تفضل هو يوم أول أكتوبر فاتصل بى على غير انتظار، ثم تلاقينا، وتحدثنا، واقترحت عليه بعد لقاء طويل أن نبقى أصدقاء، ونستبعد فى الوقت الراهن على الأقل أية فكرة عن المراكز والمناصب والمسؤوليات.. قلت له: إننى فى الأوقات الراهنة لا أريد غير مكان ومكانة الصديق»، يؤكد هيكل: «تكررت لقاءاتنا، وطالت أحاديثنا، وحضرت معه مفاوضاته مع هنرى كيسنجر «وزير الخارجية الأمريكية»، فى المحاولة الأولى لفك الارتباط الثانى، وجرت فى أسوان فى مارس 1975، ولم تنجح«.
يذكر هيكل، أنه اعتذر لسالم، ورفض عرضه، وفى حوار امتد بينهما ساعتين شرح أسبابه، وكانت وفقا لقوله: «أسباب متعلقة بالسياسات الداخلية والخارجية للحكم، وهى سياسات لا أوافق عليها، وبالتالى لا أستطيع أن أنفذها أوأعبر عنها، وأسباب متعلقة بطبائع السلطة والحكم فى مصر وقتها، وكانت هناك أسباب أخرى».
أضاف هيكل لسالم: لدى سبب آخر قد يبدو شخصيا، والحقيقة أنه أكثر من ذلك وهو، أننى أرى الآن بداية حملة على «جمال عبد الناصر»، وهى حملة جائرة وظالمة، ولا أستطيع أن أوافق عليها، فضلا عن أن أشارك فيها ولوحتى بطريق غير مباشر، وسوف أجد نفسى شريكا فى هذه الحملة شئت أولم أشأ، وإذا قبلت منصب نائب رئيس الوزراء للإعلام والثقافة، سوف أجد نفسى أمام احتمالين لاثالث لهما: إما أن أترك الحملة تستمر وتتزايد وهو ما أتوقعه مع الأسف، أو أن أمنع مثل هذه الحملة بسلطة الرقابة، ومهما يكن من رأيى فى شأن هذه الحملة، وفى شأن القائمين بها، وفى شأن القوى العربية والدولية التى تشجع عليها، فإننى كصحفى لا أتصور أن استعمل سلاح الرقابة لمنعها».
يضيف هيكل: «ثم قلت: إننى وقد اعتذرت عن المنصب أريد ولوجه الله والوطن أن أنبه إلى مخاطرها، فهذه الحملة سوف تؤدى ضمن ما تؤدى إليه إلى تقويض شرعية النظام لأنها تضرب فيه من الأساس، والحقيقة أن ما يحدث هو أشبه ما يكون برجل يقف على فرع شجرة ولا يشغل نفسه إلا بقطع جذعها، ناسيا أنه إذا سقط الجذع فإن كل الفروع سوف تنهار».
أكمل هيكل كلامه لسالم، قائلا: «إن تجربة 23 يوليو بالطبع ليست فوق النقد والحساب، ثم إننى أنا الذى كتبت يوم أربعين وفاة جمال عبد الناصر مقالا عنوانه «عبد الناصر ليس أسطورة»، أى أننى لا أؤمن بالقداسات للبشر، وإنما أؤمن بإنسانية البشر وأول مقتضياتها أن كل التجارب قابلة للنقد، كما أن أدوار كل البشر بما فيهم الأبطال قابلة للتقييم شرط أن تكون الجدية والموضوعية أساسا للنقد وأساسا للتقييم، أما أن يتحول الأمر إلى حملات إدانة كاسحة فهذا ليس تجنيا على تاريخ مصر فحسب، وإنما هو نحر فى شرعية عبد الناصر الذى تقول به الحملات الآن، فليس أمام النظام الذى يدعى أنه استمرار لثورة 23 يوليو، والذى لايملك أساسا للشرعية غيرها إلا أن يجمع أوراقه ويرحل».
يعلق هيكل: «مرت أيام وأسابيع وشهور، والحملة على جمال عبد الناصر تتزايد وتشتد يوما بعد يوم، ولم تكن فى حقيقة الأمر على الرجل نفسه.. كان واضحا أنها تستهدف مبادئ معينة، وقيما معينة، ولحظات معينة فى تاريخ مصر وأمتها العربية، وكان واضحا أن هذا كله يجرى لحساب قوى وأطراف بعضها يعرف ما يفعله وبعضها لا يعرف».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة