مع استمرار وباء كورونا والذى يصفه خبراء بأنه وباء القرن الحادى والعشرين ..مازال السؤال الأمل مطروحا ..وماذا بعد ؟
الكثيرون لديهم امل فى نهايته سريعا للعودة الى الحياة الطبيعية ..لكن أهل الاختصاص من السياسيين والعسكريين والمفكرين يتعاملون مع السؤال بشكل مختلف . لأن النهاية تعني بداية لتشكل عام آخر مختلف عما نعيشه الآن
السؤال طرحته مؤخرا مجلة الفورين بوليسي الاميركية المشهورة فى عددها الأخير على عدد من السياسيين والعسكريين السابقين ورؤساء مراكز بحثية متخصصة فى الوالايات المتحدة الأميريكية وبريطانيا ومسمتشار المجلس القومى الهندى السابق ووزير خارجية سنغافورة السابق.
والاجابة مخيفة..فالفيروس هو اكبر أزمة على مستوى العالم فى هذا القرن ويهدد نحو 8 مليارات شخص هم سكان العالم وتداعياته الاقتصادية والمالية قد تفوق الأزمة المالية فى عام 2008. ويبدو الاتحاد الاوربي هو الاكثر تضررا فى النظام العالمى وغير قادر على حماية سكانه البالغ عددهم حوالي 500 مليون نسمة.
وحتى ندرك أهمية الاجابات ودلالتها، علينا أن نعرف أن من شارك فى الاجابة هم نخبة من مسئوليين وعسكريين أمريكيين ودوليين سابقين وهم جون ألين الجنرال الأميريكي ومدير معهد بروكنجز، والدبلوماسي الاميريكي السابق نيكولاس بيرنز،والدبلوماسي الاميريكي السابق ريتشارد هاس، والدكتور جون ايكنبري أستاذ العلوم السياسية فى جامعة برينستون ، وروبين نيبليت مدير معهد تشاتام هاوس الملكى البريطاني، اضافة الى كيشور محبوبانى الاكاديمى ووزير خارجية سنغافورة السابق و شيفشانكار مينون الدبلومسى الهندى ومستشار مجلس الأمن الوقمى السابق فى الهند
الاجابات اللافتة تلخصت فى التالي: فشل الولايات المتحدة والغرب فى قيادة العالم وتحول الدفة الى الصين ودول جنوب شرق آسيا، النظام العالمي وتوازن القوى سيتغيران بشكل كبير،
انتهاء نظام العولمة الاقتصادية والاعتماد المتبادل والبحث عن سلاسل توري محلية،نسف القواعد الحالية لعمليات التصنيع والانتاج العالمية، فشل المؤسسات الدولية في القيام بدورها الذى كان متوقعا في التسيق والتحذير للحد من الأزمة،
توقع تفكك الاتحاد الاوربى بعد فشله فى مواجهه الأزمة على مستوى اعضاءه، مزيد من الانكفاء على الداخل وتراجع القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك، تعزيز مفهوم الحكومة المركزية وتعزيز قبضة الحكومات دون معارضة، قوة الروح الانسانية ونجاحها فى مواجهه الخطر خلال الأزمة، المنتصر فى الحرب ضد كورونا هو الذى سيكتب التاريخ ويحدد المستقبل بشكل كبير، سيكون العالم أقل انفتاحا ، اقل حرية، أكثر فقرا.
الأكثر تشاؤما هو جون ألين الجنرال الأميركى ومدير معهد بروكينجز، فهو يرى أن الأزمة ستعيد تشكيل هيكل القوى العالمى بطرق يصعب تخيلها، فسوف يستمر الفيروس فى الضغطعلى الناطات الاقتصادية وزيادة التوتر بين الدول.وعلى المدى الطويل سيخفض الوباء القدرة الانتاجية للاقتصاد العالمى . وخطر العزلة سيكون عظيما خاصة على الدول النامية والتى لديها جزء كبير من العمالة غير المحصنة اقتصاديا وسيتعرض النظام العالمي لضغط كبير ينجم عنه عدم الاستقرار ونشوب الخلافات بين الدول بل وداخلها.
في حين يعتبر الدبلوماسي الاميركي السابق نيكولاس بيرنز فيروس كورونا هو اكبر أزمة على مستوى العالم فى هذا القرن يهدد نحو 8 مليارات شخص هم سكان العالم والتداعيات الاقتصادية والمالية قد تفوق الأزمة المالية عام 2008 .فهى أزمة يمكن ان تغير بشكل دائم النظام الالمى ويمكنها تغيير نظام القوى كما نعرفه الآن. وحتى الآن فالتعاون الدولى غير كاف ..فاذا لم تترك الصين والولايات المتحدة تبادل الاتهامات حول من السبب وراء الأزمة وتتعاملان معا، فان مصداقيتهما ستتأثر.
ويضيف – وهو الجزء الأهم والخطير- اذا لم يستطع الاتحاد الأوروبي حماية مواطنيه البالغ عددهم 500 مليون نسمة فان الحكومات الوطنية ستسترد المزيد من القوة من بروكسل. أما فى الولايات المتحدة فان أهم شيئ هو أن تتمكن الحكومة الفيدرالية من اتخاذ قرارات فعالة للحد من الأزمة.
العالم ربما ينكفئ على ذاته كما يتوقع ريتشارد هاس الدبلوماسي الأميركي السابق ولعدة سنوات بعد كورونا والبحث عن الاكتفاء الذاتي ومعارضة الهجرة باعداد كبيرة وعدم الرغبة فى مناقشة القضايا الخارجية بما فيها التغيير المناخي وتعطيل تخصيص الموارد للتعافي من الازمة وستجد العديد من الدول صعوبة فى التعافى مع ضعف الدولة. وستجد الدول الفاشلة نفسها اكثر ضعفا وانكماشا . ويتوقع هاس أن تؤدي الأزمة الى مزيد من الاضرار فى العلاقات الأميركية الصينية وتراجع مفهوم العولمة. وربما يضعف التكامل الأوروبى . لكن هناك ناحية ايجابية فى الأزمة وهى تدعيم وتقوية مفهوم حكومة الصحة العامة فى العالم.
أما الدكتور جون ايكنيبرى أستاذ العلوم السياسية فى جامعة برينستون الأميركية فيرى انه على المدى القصير ستعطى الأزمة دفعة للقوميين ومناهضى العولمة وأعداء الصين فى العالم الغربى، بالأخذ فى الاعتبار الانهيار الاجتماعى والضرر الاقتصادى الذى ينكشف يوما بعد يوم ربما يشابه ما بعد الأزمة المالية فى ثلاثينات القرن المضى ..وبناء نظام عالمى جديد يحمل ضمانات لحماية الدولة الوطية ويدير الاعتماد المتبادل بشكل أكثر حماية للدول . أو بمعنى آخر ستخرج الديمقراطيات الغربية من قوقعتها وتحاول البحث عن نماذج أكثر أمانا للتعاون المشترك
فهل يكون كورونا هو القشة التى قصمت ظهر العولمة..؟ الاجابة يؤكدها روبين نيبليت مدير معهد تشاتام هاوس البريطاني فصعود الصين الاقتصادي والعسكري حفز الولايات المتحدة الأميركية لفصل نفسها عن بكين ودفعها الى حشد التكنولوجيا وحقوق الملكية الفكرية لفك نفسها عن التنين الأصفر. فالفيورس دفع الحكومات والشركات والمجتمعات لتقوية قدرتها لمواجهه الفترات الطويلة من الانعزال على الذات ويبدو فى هذا الاطار أن العالم لن يعود لفكرة الاعتماد العولمى المتبادل الذى ساد فى بداية القرن الحادى والعشرين وسيكون من الصعب على القادة السياسيين الحفاظ على هذا النموذج فى التعاون الدولى المتبادل.
نأتى للدكتور ستيفان والت الأكاديمى السياى الأميركى الذى يؤكد أن الفيروس سيقوى مفهوم الدولة ويعزز القومية وقبضة الحكومات التى فرضت اجراءات استثائية للسيطرة على الفيروس وسيكون من الصعب أن تتخلى عن سلطاتها الجديدة بعد انتهاء الأزمة.
ويتوقع بان كورونا سيعجل بانتقال القوة والتاثير عالميا من الغرب الى الشرق بعد نجاحات كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان وتجاوب الصين مع أخطاءها الأولى ، فى حين أن أوروبا واميريكا لاتزالات تتخبطان مما أدى الى تلطيخ سمعة النموذج الغربى.
نذهب الى رأى خبراء الشرق ..فنرى ان وزير خارجية سنغافورة السابق كيشور محبوبانى يقطع بأن الفيروس سيعجل من تحول قد بدأ بالعفل من عولمة تتمحور حول أميريكا الى عولمة تتمحور حول الصين ولكنه لن يغير أساسيات الاقتصاد. فالشعب الاميركي فقد ايمانه فى العولمة والتجارة الدولية مع أو بدون ترامب فيما الصين لم تفعل واندماجها فى أواخر القرن الماضى أدى لاعطاء الثقة للصينيين أنه يمكنهم المنافسة فى اى مكان وبالتالى فهو يرى- محبوبانى- ان الصين انتصرت.
لكن فى الأخير يعتبر شيفشانكار مينون الدبلوماسى الهندى ومستشار مجلس الأمن القومى للهند سابقا انه لايزال الوقت مبكرا للحكم ومع ذلك هناك ثلاثة اشياء تبدو واضحة، أولها ستتغير سياساتنا بسبب كورونا سواء داخل الدولة أو بين الدول وبعضها البعض، فنجاح الجكومات فى التعامل مع الأزمة سيقلل من القلاقل الأمنية وتعدد القطبية التى ظهرت مؤخرا فى المجتمعات، فالتجارب أثبتت حتى الآن أن الشعبويين والديكتاتوريين لم يظهروا مهارات واضحة فى التعامل مع الأزمة وجاءت كوريا الجنوبية وتايوان فى المقدمة وهما دولتان ديموقراطيتان.
ثانيا: ما يحدث ليس نهاية الاعتماد الدولى بعد، فالفيروس نفسه دليل على تشابك وتداخل الانطمة ولكن مع ذلك هناك ميل الى الاتغلاق نتجه اليه، حيث يصبح العالم أكثر فقرا وانانية وانحطاطا .
ثالثا: هناك علامات على الأمل والخير، فالهند بادرت ودعت الى مؤتمر عبر الفيديو لقادة جنوب آسيا للبحث عن رد فعل مشترك للتهديد مما يؤكد الحاجة الى التعاون المشترك.
اذن الألم والوجع ليس فقط من تأثير فيروس كورونا الأن بل من تداعياته الأكثر ايلاما فى المستقبل القريب
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة