اتفاقيات التجارة فى أفريقيا كثير من الضجيج قليل من الطحين.. توافقات بالجملة وصفر من النتائج.. 10% فقط إجمالى حركة التجارة الخارجية بالقارة.. ومحاولات الاندماج بـ"الحرة القارية" الأمل الأخير لانتعاشة "السمراء"

الثلاثاء، 03 مارس 2020 03:00 م
اتفاقيات التجارة فى أفريقيا كثير من الضجيج قليل من الطحين.. توافقات بالجملة وصفر من النتائج.. 10% فقط إجمالى حركة التجارة الخارجية بالقارة.. ومحاولات الاندماج بـ"الحرة القارية" الأمل الأخير لانتعاشة "السمراء" صادرات - أرشيفية
تحليل - إسلام سعيد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يبدو أن اتفاقات التجارة فى أفريقيا تنطبق عليها مقولة " كثير من الضجيج قليل من الطحين"، فعلى الرغم من الاتفاقيات الكثيرة الموقعة إلا أنها لم تنعكس على حركة التجارة الداخلية بالقارة، والتي تمثل حوالى 10% فقط من إجمالي تجارتها الخارجية، وهو أدنى مستوى عالمي مقارنة بالمناطق التجارية الأخرى فى آسيا أو أمريكا اللاتينية أو غيرها.

وبرغم محاولات الاندماج فيما بين المناطق الجغرافية داخل القارة الأفريقية، وإقامة الأسواق المشتركة والاتحادات الجمركية فى الشمال والشرق والغرب والوسط والجنوب، إلا أن هذه المحاولات لم تفلح، في انتعاش حركة التجارة، الأمر الذى دفع الدول إلى السعى للاندماج المتكامل عبر اتفاق التجارة الحرة القارية، لخلق انسياب التجارة الحرة فيما بين دول القارة.

ويوجد فى أفريقيا بالفعل خليط من المناطق التجارية المتنافسة والمتداخلة، وهى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في الغرب، ومجموعة شرق أفريقيا (ايك) في الشرق، ومجموعة تنمية الجنوب الأفريقي (سادك) في الجنوب، والسوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (الكوميسا) في الشرق والجنوب، وفي 2017، شكلت التجارة البينية في أفريقيا 17% من الصادرات، مقابل 59% في آسيا و69 % في أوروبا، إذ تراجعت أفريقيا عن طفرات اقتصادية حققتها تكتلات تجارية أخرى في العقود الأخيرة.

الكوميسا:

ولعل أبرز اتفاقات التجارة بالقارة الأفريقية هي "الكوميسا" وهى اتفاقية السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا، كمنطقة تجارة تفضيلية تهدف للوصول لإقامة منطقة تجارة حرة بين الدول الأعضاء لتصبح اتحادا جمركيا ثم سوقاً مشتركة، وأصبحت مصر عضوًا في الكوميسا عام 1998 بجانب 19 من الدول الأعضاء النشطة الأخرى، وتعفي مصر كعضو في الكوميسا البضائع والمنتجات التي تحمل شهادات المنشأ من الكوميسا تماما من الرسوم الجمركية وأى رسوم وضرائب أخري ذات الأثر المماثل.

وبالإشارة إلى قواعد المنشأ الخاصة بالاتفاقية، تطبق الإعفاءات الجمركية على جميع واردات السلع التى يكون منشأها الدول الأعضاء بقيمة مضافة تصل على 45%، بدأت الكوميسا اتحادها الجمركي في يونيو 2009 بهدف تخفيض وتوحيد التعريفة الجمركية الخارجية خطيًا على مدار عشر (10) سنوات تبدأ في عام 2009 وتنتهي في عام 2018، ومن المقرر إقامة اتحادًا نقديا بحلول 2025، لكن هناك شكاوى كثيرة من المصدرين في الدول بالقارة، لعدم تطبيق بنود الاتفاقية، وعدم تنفيذها بحجة وجود بدائل محلية، الأمر الذى قلل من تأثير هذه الاتفاقية على حركة التجارة في القارة السمراء.

اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية:

فى مارس 2018، وبعد مفاوضات متواصلة استمرت لعامين، وقع رؤساء الدول والحكومات الإفريقية فى كيجالي برواندا اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية، والتي تُعد أكبر اتفاق تجارى فى العالم، وقد دخلت حيز التنفيذ فى 30 مايو 2019 بتصديق 22 دولة، وكانت مصر من بين أوائل الدول التي وقعت وصدقت على هذه الاتفاقية، ومما لا شك فيه أن وصول عدد الدول المصدقة اليوم إلى 25 دولة فى فترة تقل عن سنة واحدة يعتبر فى حد ذاته توقيتا قياسيا، إذا ما قورن بما عهدناه بالنسبة للتوقيع والتصديق على الاتفاقيات عامة فى أفريقيا والتي عادة ما تأخذ سنوات طويلة، لكن اللجوء إلى مثل هذه الاتفاقية وهى الأوسع والأشمل منذ إنشاء منظمة التجارة العالمية، يفتح بابا للتساؤل حول طريقة التطبيق وهل تتعرض لمشكلات وعوائق في التطبيق مثلما تشهده الكوميسا.

ولعل أبرز ما يميز هذه الاتفاقية هو شموليتها وتعمقها فى التحرير فيما بين الدول الأفريقية فى مجالي التجارة فى السلع والخدمات، وكذلك تضمينها اتفاقيات تحث دول القارة على دفع الاستثمارات فيما بينها وتوفير الحماية اللازمة لها وتتبنى سياسات المنافسة واحترام حقوق الملكية الفكرية، وتعد كل هذه المجالات حديثة نسبيا لدول القارة، التي تخوض للمرة الأولى مفاوضات بشأنها وتتبادل التنازلات حولها.

ورغم توافر الإرادة لتنفيذ هذه الاتفاقية، وعلى الرغم من التقدم الذى تم إنجازه، إلا أن الطريق ليس سهلا على مستويين، الأول هو الموضوعات التي لا تزال محل التفاوض، فالتفاوض على قواعد المنشأ يشمل آلاف البنود وتسعى إلى التقارب فيما بينها وصولا إلى القاسم المشترك الذى يمكن على أساسه بدء التطبيق، والثانى هو آليات التنفيذ وضمان تحرير حقيقى لحركة التجارة في القارة، للوصول بمعدلات التجارة الداخلية إلى 30 و 40 % أسوة بالقارات الأخرى.

وتعول الدول الأفريقية على الاتفاقية الجديدة لزيادة حجم الصادرات البينية، حيث ستعمل الاتفاقية على توحيد 1.3 مليار نسمة وتخلق كتلة اقتصادية حجمها 3.4 تريليون دولار، ومن المأمول أن تعالج الاتفاقية عيوب الكوميسا وغيرها من التوافقات التي لم تنعكس بقوة على حركة التجارة الداخلية بالقارة السمراء، ويمكن للدولة المصرية استغلال هذه الاتفاقية في الانطلاق إلى الأسواق الأفريقية، خاصة وأنها الأقوى صناعيا.

استفادة مصر

مصر تسعى لاستغلال اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية لمصلحتها، لأن الاتفاقية تجعل من السوق الأفريقي مفتوح أمام المنتجات المصرية، حال تطبيقها بالشكل الأمثل باعتبارها منتجات متعارف عليها لديهم، وذلك بجانب سعرها التنافسي مع أسعار المنتجات الهندية والصينية، بالإضافة إلى دخول المنتجات المصرية للدول الأفريقية دون جمارك، وذلك تطبيقًا للاتفاقيات التجارية، مما يجعل لها ميزة نسبية، في ضوء محاولات القاهرة للتغلب على عوائق الوصول إلى بعض الأسواق بالقارة ومنها أسواق الدول الحبيسة؟

ولتحقيق الاستفادة الحقيقة من هذه الاتفاقية، فلابد من خطة عاجلة لزيادة الصادرات المصرية للسوق الأفريقي، واستراتيجيات قطاعية للمنتجات الأكثر طلبا للسوق الأفريقي، وذلك بجانب تفعيل دور مجالس الأعمال المشتركة مع دول القارة السمراء، وإتاحة مراكز لوجستية فى أفريقيا حتى نوفر لهم البضاعة الحاضرة، وذلك من أجل نفاذ أسهل للمنتجات المصرية للدول الأفريقية.

التجارة المصرية مع أفريقيا

وتشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن قيمة التبادل التجاري بين مصر ودول أفريقيا سجل خلال 2018 ما قيمته 6.9 مليار دولار، مقابل 5.6 مليار دولار خلال عام 2017، وبلغت قيمة الصادرات المصرية لدول أفريقيا نحو 4.7 مليار دولار خلال عام 2018، بنسبة ارتفاع 26.9% مقارنة بعام 2017، واستحوذت دول شمال أفريقيا والجوار على النصيب الأكبر من الصادرات المصرية للدول الأفريقية مقارنة ببقية دول القارة، لكن هل هذه الأرقام هي المأمولة بعد هذه السنوات من اتفاقات تحرير التجارة "الكوميسا "كمثال.

ويعول الكثير من الخبراء على اتفاق التجارة الحرة للقارة الأفريقية، في إطلاق إمكانات أفريقيا الاقتصادية من خلال دعم التجارة البينية، وتقوية سلاسل الإمدادات، ونشر الخبرات، ولكن شرط التغلب على التحديات التي لا تزال قائمة، على رأسها المعوقات الإدارية في كثير من الدول، والانتهاء من التوافقات بشأن قواعد المشأ، بالإضافة معوقات حركة البضائع داخل الدول وعلى رأسها عدم وجود شبكات الطرق والسكك الحديدية لدى كثير من دول القارة.

حلول عوائق انسياب حركة التجارة

وللتغلب على كافة هذه التحديات، فلابد من الاستثمار فى البنية التحتية وربط دول القارة بالسكك الحديدية والطرق البرية والممرات النهرية تعزيزا للتبادل التجاري فيما بينها، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر، مشروع طريق القاهرة كاب تاون، الذى يبدأ من ميناء الإسكندرية إلى مدينة كاب تاون فى جنوب إفريقيا، ولقد تم بالفعل إنجاز جزء من الطريق الممتد من مصر إلى الحدود مع السودان، وهو جاهز للعمل.

وهناك أيضا الطريق الذى يربط القاهرة بداكار فى السنغال فى غرب أفريقيا، بالإضافة إلى طريق سريع يمتد عبر غرب إفريقيا من نواكشوط بموريتانيا إلى لاجوس بنيجيريا، فضلا عن مشروع الربط النهري بين الإسكندرية وبحيرة فيكتوريا، الذى من شأنه أن يجعل البلاد بمثابة بوابة إلى وسط إفريقيا عبر نهر النيل، وإلى غير ذلك من المشروعات الفعلية والتي تهدف إلى ربط الدول الإفريقية بعضها ببعض تعزيزا للتجارة وانتقال العمالة فيما بينها.

وبالنسبة لأدوات التواصل الإلكترونية والتي تدعم إطلاق المرحلة التنفيذية لاتفاقية التجارة الحرة القارية، وهى آلية إلكترونية للإبلاغ عن الحواجز غير التعريفية ومراقبتها والقضاء عليها، وبوابة إلكترونية لعروض التعريفة الجمركية فيما بين الدول ومحمية بكلمة مرور عبر الإنترنت، وأخيرا مرصد التجارة الإفريقية، الذى يتضمن معلومات وفيرة عن التجارة فى السلع والخدمات والإطار التنظيمي للدول الأعضاء، كما قام البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد ببناء نظام المدفوعات والتسوية، بما يسهم فى التجارة بين الدول بضمان من البنك بالعملات المحلية.

ونجحت اتفاقية التجارة الحرة القارية بدعم مباشر من رؤساء الدول والحكومات الأفريقية ومشاركة فعلية ومستمرة منهم للانتهاء من المفاوضات التجارية فى موعدها وتعزيز مشاركة القطاع الخاص الإفريقي فى مراحل تنفيذها دعما للتنمية والارتقاء بالشعوب الإفريقية.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة