إمبراطورية تحتمس الثالث جيش قوى وأسطول عظيم وآثار خالدة

الأربعاء، 11 مارس 2020 10:00 م
إمبراطورية تحتمس الثالث جيش قوى وأسطول عظيم وآثار خالدة تحتمس الثالث
كتب أحمد منصور

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تحتمس الثالث أعظم ملوك الفراعنة، كما أنه صاحب الإمبراطورية العسكرية لمصر القديمة ومنشئ معابدها الأشهر، يتمتع بسمات شخصية خارقة وعبقرية عسكرية ليس لها مثيل، تدرب تحتمس فى ساحات المعارك فى الأقصر، وقد أكسبته هذه التدريبات صلابة فى شخصيته وخبرات عسكرية عظيمة فى الوقت الذى كانت تحكم فيه حتشبسوت، واهتم بالجيش وجعله نظاميا وزوده بالفرسان والعربات الحربية، واليوم تمر ذكرى رحيله، إذا رحل في مثل هذا اليوم من عام  1425 قبل الميلاد.

تحتمس الثالث (1)
تحتمس الثالث

الملك تحتمس الثالث، سادس فراعنة الأسرة الثامنة عشر، أتقن المصريون القدماء فى عهده صناعة النبال والأسهم التى أصبحت ذات نفاذية خارقة يعترف بها مؤرخو أيامنا هذه، وتظهر لنا تماثيل تحتمس الثالث هذا الشاب المفتول العضلات، وقد امتلك مقومات المناضل والقائد، إذ فى الوقت الذى كانت تحكم فيه حتشبسوت فكانت تتبع سياسة سلمية مع مناطق النفوذ المصرى فى فلسطين والنوبة ومع جيرانها، وكانت تهتم بالبحرية وترسل الحملات البحرية إلى بلاد بونت وإلى سواحل لبنان للتبادل التجارى، انتهزت بعض المحميات فى سوريا والميتانى للتمرد على حكم المصريين ومعاداتهم، وبمجرد أن اعتلى تحتمس الثالث العرش بعد وفاة حتشبسوت كان لا بد أن يعيد السيطرة المصرية على تلك الحركات المعادية تأمينا لحدود البلاد، تلك التبعات جعلته ملكا محاربا أسطوريا قام بستة عشرة حملة عسكرية على آسيا (منطقة سوريا وفلسطين) واستطاع أن يثبّت نفوذه هناك كما ثبت نفوذ مصر حتى بلاد النوبة جنوباً.

 

وقد كان أمير مدينة قادش فى سوريا يتزعم حلفا من أمراء البلاد الأسيوية فى الشام ضد مصر وصل عددهم إلى ثلاثة وعشرين جيشا، وكان من المتوقع أن يدعم تحتمس الثالث دفاعاته وقواته على الحدود المصرية قرب سيناء إلا أن تحتمس قرر الذهاب بجيوشه الضخمة لمواجهة هذه الجيوش فى أراضيهم ضمن خطة توسيع الأمبراطورية المصرية إلى أقصى حدود ممكنة وتأمين الحدود ضد جيوش المتحرشين.

 

لقب تحتمس الثالث بـ "أبو الإمبراطوريات"، وكذلك "أول إمبراطور فى التاريخ" إذ يعد من العبقريات الفذة فى تاريخ العسكرية على مر العصور وهو أول من قام بتقسيم الجيش إلى قلب وجناحين، وقد استعانت الإمبراطورية البريطانية بالعديد من خططه فى معاركها.

تحتمس الثالث (1)
تحتمس الثالث
 

تسليح وتدريب الجيش

عمل تحتمس الثالث على بناء القلاع والحصون، وقام بتدريب الجنود على أفضل التدريبات وأمدهم بأسلحة مبتكرة قوية مثل النبال المستحدثة والتوسع فى استخدام العربات فى القتال.

 

ماذا فعل في معركة مجدو؟

فى حملة معركة مجيدو قسم جيشه إلى قلب وجناحين واستخدم تكتيكات عسكرية ومناورات لم تكن معروفة من قبل، ثم قام على رأس جيشه من القنطرة و قطع مسافة 150 ميلا فى عشرة أيام وصل بعدها إلى غزة ثم قطع ثمانين ميلا أخرى فى أحد عشر يوما بين غزة وأحد المدن عند سفح جبل الكرمل، هناك عقد تحتمس الثالث مجلس حرب مع ضباطه بعد أن علم أن أمير قادش قد جاء إلى مدينة مجدو وجمع حوله 230 أميرا بجيوشهم وعسكروا فى مجدو المحصنة ليوقفوا تقدم تحتمس الثالث وجيشه، وكان هناك ثلاثة طرق للوصول إلى مجدو اثنان منهما يدوران حول سفح جبل الكرمل و الثالث ممر ضيق ولكنه يوصل مباشرة إلى مجدو وقد استقر رأى تحتمس على أن يمر الجيش من الممر الثالث فى مغامرة قلبت موازيين المعركة فيما بعد وتعتبر من أخطر مغامرات الجيوش فى العالم القديم.

 

تحتمس الثالث (2)
تحتمس الثالث 
 

وقد استدعى اتخاذ ذلك الممر فى التقدم لمفاجأة الأعداء أن يحمل الجنود المصريون عتادهم الحربى، بالإضافة إلى عرباتهم الحربية وأحصنتهم فكانوا يفكون العربات الحربية ليسهل حملها وتسللوا عبر الممر الضيق فى مجموعات صغيرة وكان ذلك مجازفة كبيرة على الجيش لأن يتخد تحتمس الثالث هذا الطريق كى يفاجئ الأعداء المعسكرين على الساحة التالية على الممر.

 

كانت قوات العدو قد تمركزت عند نهاية طريقين فسيحين معتقدة أن الجيش المصرى سيأتى من أحدهما أو من كليهما، وفى فجر اليوم التالى أمر الملك تحتمس الثالث الجيش بإعادة تركيب العربات الحربية والاستعداد للهجوم المفاجئ، وهجمت قواته وكان على رأسهم فى المقدمة على شكل نصف دائرة على مجدو فكانت المفاجأة أن يبادرهم المصريين بهذا الهجوم الكاسح فاضطربوا وفقدوا توازنهم حتى أصبحت جيوشهم فى حالة من الفوضى وعدم النظام وبدأ قادة الجيوش والسرايا فى الهروب تاركين وراءهم عرباتهم الكبيرة ومعسكرهم الملئ بالغنائم ليدخلوا المدينة المحصنة، وبسبب انشغال أفراد الجيش المصرى بجمع الغنائم تمكن الآسيويون من الهروب إلى المدينة وتحصنوا فيها.

 

هذا ما قاله المؤرخون عن مصر في عهد تحتمس الثالث

قال المؤرخين القدامى فى مصر القديمة عن قوة مصر فى عصر تحتمس الثالث :  "لا توجد قوة فى الأرض تستطيع أن تواجه الجيش المصرى الذى نال تدريبا عسكريا فائقا وفاز بقيادة ملك عبقرى هو فرعون مصر العظيم تحتمس الثالث".

 

اهتم تحتمس الثالث بأنشاء أسطول بحرى قوى استطاع أن يبسط سيطرته على الكثير من جزر البحر المتوسط مثل قبرص وأيضا بسط نفوذ على ساحل فينيقيا "سواحل لبنان وفلسطين حاليا"، بذلك هو أول من أقام أقدم إمبراطورية عرفها التاريخ، امتدت من أعالى الفرات شمالا حتى الشلال الرابع على نهر النيل جنوبا، وأصبحت مصر أقوى وأغنى إمبراطورية فى العالم عاش فيها المصريون قمة مجدهم وقوتهم.

 

بعد قيام تحتمس الثالث بتأمين البلاد وغزو بلاد الجوار لمنع هجومهم على مصر، اهتم بشئون إدارة تلك البلاد الواسعة التى تمتد من حدود العراق الغربية الحالية وشمال سوريا إلى الجنوب على طول مجرى نهر النيل جنوبا حتى الشلال الرابع فى وسط السودان الحالى، ونصب لكل من تلك البلاد خارج مصر واليا من مصر لحكمهم وتأمين البلاد، يساعد الوالى فى حكم البلد موظفون إداريون وكتبة، وكان الوالى مسئولا أيضا عن تموين قوات الجيش المصرى القائمة هناك وكذلك جمع الجزية من السكان، وكان الوالى رئيسا لأمراء تلك البلاد، وعندما كانت تقوم حركة تمرد فى إحدى المقاطعات كان الوالى يقوم بإخمادها بواسطة الجنود المصريين المقيمين عنده من دون لزوم الرجوع إلى أخذ تصريح من ملك مصر. إلا إذا كان التمرد واسعا فيطلب العون من فرعون مصر الذى يمده بقوات إضافية أو يذهب إليه بنفسه على رأس حملة كبيرة لإخماد التمرد.

 

آثار تركها تحتمس الثالث

بنى تحتمس الثالث فى طيبة العديد من المعابد منها معبدين أحدهما بجانب معبد حتشبسوت فى الدير البحرى، كما قام ببناء البوابتين العملاقة السادسة والسابعة وقاعة الاحتفالات فى معبد الكرنك وأكمل بناء معبد حابو الذى بدأته حتشبسوت، وأقام معبد للآله بتاح فى موطنه فى منف، ويحتوى المعبد على ثلاث حجرات الأولى لبتاح والثانية حتحور ربة طيبة والثالثة للإلهه سخمت زوجة بتاح حيث يمثلها تمثال لها برأس لبؤة يعتليه قرص الشمس، وله معبد فى أمدا وسمنة، وأقام معبدا فى الفنتين للإلهة ساتت، وله آثار فى كوم أمبو وإدفو وعين شمس وأرمنت.

 

وأقام تحتمس الثالث ما لا يقل عن سبع مسلات معظمها موجود الآن فى عدد من عواصم العالم منها المسلة الموجودة فى لندن هى إحدى مسلتين أقامهما تحتمس الثالث أمام معبد الشمس بهليوبوليس وقد نقلهما مهندس إغريقى يدعى بنتيوس إلى الإسكندرية ليوضعا أمام معبد إيزيس، وقد سقطت هذه المسلة من فوق قاعدتها فى خلال القرن الرابع عشر من الميلاد، ويقال بأن محمد على باشا أهداها إلى بريطانيا عام 1831 م ولكنها لم تصل إلى لندن إلا فى عام 1878 م حيث ظلت ملقاة على الأرض طوال ذلك الوقت لعدم التمكن من نقلها حتى تكفل بتكاليف نقلها السير أرزمس ولسن فصنع لها سفينة خاصة لنقلها، وقد تعرضت السفينة فى طريقها للعودة للغرق نتيجة عاصفة قامت فى خليج بسكاى ولكن تم إنقاذ المسلة ووصلت سالمة.

 

وله مسلة أخرى موجودة فى نيويورك أقامها تحتمس أمام معبد الشمس فهذه المسلة ومسلة لندن توأمان، وهى قائمة الآن فى سنترال بارك، كما أمر تحتمس فى أواخر أيامه بأن تقام مسلة أمام الصرح الثامن من معبد الكرنك ولكنها لم تُستكمل بسبب وفاته، وتركت فى مكانها لمدة 35 عاما إلى أن عثر عليها تحتمس الرابع وأقامها فى المكان الذى كانت معدة له وتوجد الآن فى روما أمام كنيسة القديس يوحنا باللاتيران، وقام قسطنطين الأكبر عاهل الدولة الرومانية بنقل هذه المسلة التى تزن 455 طنا إلى الإسكندرية عام 330 بعد الميلاد لإرسالها إلى بيزنطة لتجميل عاصمته الجديدة، ولكنه فشل فى نقلها فبقيت وظلت فى مكانها مدة 27 عاما حتى قام ابنه قسطنطنيوس بنقلها إلى روما وأقامها فى ميدان ماكسيماس ، وفى عام 1587 م كشف عنها ووجدت محطمة إلى ثلاث قطع فتم إصلاحها وترميمها على يد دومنيكو فونتانا بأمر من البابا سكتس الخامس ونصبت فى مكانها الحالى بميدان اللاتيران، كما أمر أيضا بأن يرفع الصليب على قمتها اعتقادا منه أن ذلك رمز لانتصار المسيحية على الوثنية.

 

تحتمس الثالث حكم مصر 54 عاما

مات تحتمس وعمره 82 سنة بعد أن حكم أربعة وخمسين عاما كما جاء فى نص أمنمحات "من العام الأول حتى العام الرابع والخمسين فى الشهر الثالث من فصل الشتاء اليوم الأخير من عهد فخامة الملك "من خبر رع" ملك دولة مصر الشمالية ومصر الجنوبية، ولم يعرف تاريخ مصر ملكا بكى عليه المصريون وحزنوا عليه حزنا شديدا مثل ما حدث مع تحتمس الثالث، وبعد وفاته أقيمت مراسم الحداد والدفن الملكية تبعه فيها كل المصريين وهى أضخم جنازة فى التاريخ القديم ودفن فى مقبرة بوادى الملوك كان قد أعدها لنفسه وهى المقبرة رقم 34، حيث يعد من أوائل الملوك الذين بنوا مقابر لأنفسهم فى وادى الملوك، وقد اكتشفت مقبرته فى عام 1898 على يد العالم فيكتور لوريت ووجد المقبرة قد تعرضت للنهب ولم تكن بها المومياء التى عثر عليها فى الدير البحرى عام 1881. ومن أشهر مقولاته لوزيره الشهير رخمى رع "لا يرضى الرب بالتحيز (الفساد)، كن يقظا فمنصب الوزير عماد الأرض كلها فليس للوزير أن يستعبد الناس، استمع للشاكى من الجنوب والدلتا أو أى بقعة.. تصرف بالعدل فالمحاباة يمقتها الرب.. كن عادلا مع من تعرفه ومن لا تعرفه...".







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة