شهدت بدايات القرن التاسع عشر حالة من الزخم السياسي؛ حيث انتشرت العديد من الحركات السياسية الوطنية من خلال ثورة احمد عرابي وبعدها محاولات مصطفي كامل والذي اسس بدوره الجمعية الوطنية والتي تحولت بعد ذلك الي الحزب الوطني؛ وتعددت الحركات وتوالت الشخصيات المصرية السياسية من خلال ثورة 19 بقيادة سعد باشا زغلول والذي اسس حزب الوفد بعد ذلك.
وأدي انتشار مثل هذه الحركات علي تغلغلها وسط المحيط المجتمعي المصري؛ حيث كان المناخ السياسي فارغاً ليستقبل اي متغيرات تطرأ عليه؛ ما أعطي الفرصة لجماعة الاخوان المُسلمين في الانتشار بين صفوف المجتمعات الريفية البسيطة؛ وتمحورها حول فكرة ارتداء عباءة الدين والتدين والتأسلم والتي سرعان ما تحولت الي فكرة الحاكمية بعد ذلك؛ وتحول النشاط الاجتماعي جميعه الي نشاط سياسي ارهابي متخصص في الاغتيالات والتخريب؛ فاصبحت حركة دموية تهدد امن واستقرار البلاد؛ وذلك علي مَر التاريخ.
ومع استمرار هذا الوضع السياسي ابان تلك الفترة استطاع الرئيس الراحل أنور السادات ان يبعث الحياة السياسية مرة أخري؛ وقامت فكرته المركزية حول خلق ثلاث منابر سياسية تتمحور حول فكرة التنوع الايدولوجي والفكري وحتي العقائدي.
واستمرت فكرة الحزب الحاكم نفسها خلال تلك الفترة والفترة التي تلتها في حكم الرئيس الاسبق مُبارك؛ والذي كان وقتها كفكرة "قِبلة النجومية السياسية"، والباب المفتوح للمجالس النيابية والمحلية والوزراية ان طال التعبير الحد المناسب من المراكز القيادية؛ وتمحور آداء باقي الاحزاب حول الدور الهُلامي الكارتوني الغير واضح؛ إلي ان اندلعت ثورة يناير 2011م وقُتل الحزب الحاكم في وَضح النهار؛ كما قُتلت السياسة دفعاً ببعض النماذج السيئة التي اعتلت الثورة وامتطت مبادئها لتحقيق الخراب الكامل في ظل ما أسمته وسائل الاعلام المعادية "الربيع العربي"؛ والذي مازال بالمناسبة يحاول خداعنا به البعض من الماكرين.
واقتطعت مصر -بيَدِها- بعد ذلك عاماً أودعته الارادة المصرية في مزبلة التاريخ؛ ليكون عبرة علي حالة اللادولة واللامؤسيية واللاسياسة واللاشئ. عام 2012م الذي شهد اجتياح جماعة الاخوان المسلمون الارهابية في مفاصل الدولة جميعها – نقابات، مؤسسات، هيئات، مجالس ادارات، شركات، مجالس نيابية، مؤسسات اعلامية، حزباً حاكماً، وغيرها من الفقرات الهزلية.
الي ان جاء السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي ليسترد الدولة مرة أخري بعد ضياع، محافظاً علي بقائها والذي خاض فيه معركته الخاصة؛ ومثابراً للبناء في ظل انهيار القيم والمعتقدات وانتشار الزيف والشائعات، وأسس بنية اصلاحية في كافة المجالات والمناحي، خاض خطواتها بمداد من الانسانية ومزيداً من الشرف.
ومن بين هذه الاصلاحات التي نادي بها الرئيس واقتحم ملفاتها "الاصلاح السياسي"؛ من خلال دعوات سيادته المتكررة بضرورة وصول الاحزاب للمواطنين ومحاولة احداث تأثير واضح في الشارع المصري؛ الامر الذي سيسهم بالتبعية في احداث حالة من الحراك السياسي في الشارع المصري.
ان عملية بناء او اثراء حياة حزبية او سياسية جديدة هو الامر السهل المُمتنع؛ فيبدوا سهلاً في المبدأ ومُمتنعاً في اطار التنفيذ؛ بيد أنني من يُحبذون اقتحام الملفات بالامر المباشر "قانونياً ودستورياً" إلا أنني سأتجه الي مسلك السيد الرئيس نحو ضرورة الاقتناع من داخل الاحزاب بالرؤية الاصلاحية للحياة السياسية؛ وعلي الرغم من تأخُر الاحزاب والسياسيين في ابداء الموافقة علي تفعيل العديد من المقترحات التي ذكرها الباحثون والمتخصصون في الشأن السياسي خلال الفترة الحالية في اطار دراسات و مقالات او كتابات رأي؛ الا ان السيد الرئيس وكالعادة اقتحم المشكلة ذاتها وقام بتقديم مجموعة من شباب هذه الاحزاب للدفع بهم في مناصب قيادية "كنواب محافظين" ممثلين عن تنسيقية شباب الاحزاب والسياسيين في حركة المحافظين الاخيرة. والتي اعتبرها –كخطوة أولي- نقطة ماء في وادٍ راكِد بفعل فاعل استحوذت علي نواياه المصلحة؛ وأراد البقاء في نادي الـ 104 حزباً التي تتشابه برامجهم جميعاً –ان وُجدت- وتتنوع مصالحهم؛ وتتجافي نواياهم عن الخروج من ذلك الوادي الضيق.
وأتصور ان عملية اثراء الحياة السياسية في تكوينها يجب ان تكون في اتجاهين مُتقابلين؛ اتجاه بيَد السيد الرئيس واتجاه آخر بيَد نادي الـ 104 حزباً؛ اقترب الرئيس في عملية الاصلاح خطوة أظنها بالخطوة الكبيرة والصعبة؛ وننتظر خطوة نادي الـ 104 حزباً التي بدأت بمحاولات الحوار المُجتمعي للأحزاب المصرية والتي باءت مساعيها بالفشل مؤخراً.
ولعل احد اسباب الفشل في ذلك المَسعي هو ضياع مصلحة نادي الـ 104 حزباً ان تم تعديل قانون الاحزاب؛ وكذا تعديل بعض القوانين الملاحِقة لهذا القانون؛ الي جانب محاولة وضع مجموعة من المؤشرات الواضحة حول قانون مباشرة الحقوق السياسية تُلزِم الاحزاب بقبول "الحَل او الاندماج" في حالات مُعينة وباشتراطات مُعينة، كما تتطلب تعديل برامجها وتفعيلها بما يتناسب مع خطة الدولة ورؤيتها.
وأري انه اصبح من الضرورى بل والحتمي ان يدعوا السيد الرئيس نادي الـ 104 حزباً في مؤتمراً جامعاً بعنوان "رؤية الاصلاح السياسي" تلتزم فيه الاحزاب بما يجيئُ في توصياته وأجندته؛ وتتقابل فيه وجهات نظرهم جميعاً كبادرة أُولي لعملية الاصلاح الحقيقي للملف السياسي؛ كما يجب الاستماع الي وجهات نظر النُخب السياسية المختلفة وجميع المؤسسات التي تمارس السياسة في مصر.
وفي النهاية أقول انه لن يكون هناك اصلاحاً سياسياً جادّاً بدون تجرّد الاحزاب والسياسيين؛ وبدون تواجد نوعي كبير للأحزاب علي مستوي اختيار الكفاءات الحزبية من جميع الاعمار تبدأ من الطلائع وتنتهي بالخبرات السياسية التنظيمية؛ وبدون اعطاء الفرصة والامكانية لشباب الاحزاب لخلق مجالاً للافكار خارج صندوق المنفعة والتمييز.
دكتور خالد بدوي
عضو تنسيقية شباب الاحزاب والسياسيين
Kamuhamed@fopem.zu.edu.eg
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة