أيمن غالى يكتب: مونودراما "أغنية الوداع" .. أن تموت وحيدا فى الظِل !!

الثلاثاء، 04 فبراير 2020 11:20 ص
أيمن غالى يكتب: مونودراما "أغنية الوداع" .. أن تموت وحيدا فى الظِل !! أيمن غالى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أنطون تشيخوف هو احد أهم الأدباء الروسيين ومن أهم رواد المذهب الواقعى فى القصة القصيرة والمسرح ، و " أغنية البجعة " لتشيخوف وهو أحد نصوص "الفودفيل" أو مسرحيات الفصل الواحد وكان تشيخوف أحد أهم رواد هذا اللون المسرحى فكان من أوائل من طوروه فبعد أن كان مجرد عروض كوميدية هزلية تهدف الى التسلية فقط ، أصبح عند تشيخوف يتناول موضوعات اكثر جدية ودرامية فأدخله إلى دائرة الميلودراما والتراجيديا الواقعية وإستخدمه كوسيلة للنقد الاجتماعى فى أواخر القرن التاسع عشر . وقد سمى هذا النص باسم "أغنية البجعة" وفقا للأسطورة اليونانية التى مفادها أن البجعة تغنى أجمل أغانيها قبل موتها مباشرة .

وضمن فعاليات مهرجان مفيولا للمونودراما والديو دراما لفرق الهواة الذى أُقيم على مسرح رومانس فى الفترة من 27 الى 29 يناير قدمت فرقة  "وتر مشدود" مونودراما "أغنية الوداع" ، دراماتورج : فادي نشأت ، بطولة وإخراج : عبد الرحمن أحمد .

تحكى مونودراما "أغنية الوداع" عن ممثل مسرحى تقدم به العمر وانحسرت عنه الاضواء وبعد الاحتفال بآخر ليلة عرض له يبقى وحيدا مع زجاجة الخمر فيتذكر أيام مجده الفنى وأدواره العظيمة التى قدمها على خشبة المسرح ويتذكر حرارة تصفيق الجمهور له والآن يطلبون أن يكون مهرجاً بطريقة مبتذلة ، ثم يتذكر الفتاة الوحيدة التى أحبها لكنها تركته لكونه ممثل حين خيرته بينها وبين التمثيل ، ويمر شريط حياته امامه بكل نجاحاته وإحباطاته فيجد نفسه فى نهاية المشوار بعد ان وصل الى عمره الى 68 عام وحيدا بلازوجة ولا اولاد مجرد بهلوان مهرج لا يعبأ أحد به او بأهميته او بمشاعره فيبدأ فى الدخول فى حالة من اليأس والحزن وهو مازال منتظرا لصديقه " نيكيتا " فيثقل بشكل مفرط فى شرب الخمر حتى تنتهى ليلة تكريمه بوفاته فى المسرح وحيدا .

لجأ النص إلى إستخدام أسلوب المونولوج الذاتى للشخصية كوسيلة لإستعراض شريط الذكريات وحاول التنويع الصوتى والتشخيصى بإستحضار الممثل لبعض الادوار التى أداها على مدار مشواره الفنى من بعض العروض المسرحية مثل هاملت ويوليوس قيصر وأدائه للشخصيات النسائية واستحضار طيف حبيبته السابقة ونجح بهذا التنويع بين الشخصيات فى كسر رتابة المونولوج الذاتى .

اقترب الادء التمثيلى من التماس مع التعبيرية دون الدخول المباشر فيها فظل فى إطار الواقعية السيكلوجية للتعبيرعن الأبعاد النفسية للشخصية فى بعض المناطق ، (وبالمناسبة الواقعية السيكلوجية لم تكن قد ظهرت بعد حين كُتِب هذا النص لكنه كُتِب وفقا للمنهج الواقعى العام) مثل رمزية زجاجة الخمر التى رافقته طوال المسرحية وربطها بعمره ، فزجاجة الخمر لم يتبق منها سوى بضع رشفات قليلة وكأنها ساعاته القليلة المتبقية له فى الحياة ، ونجح الممثل فى السير الحذر بين الواقعية السيكلوجية والتعبيرية  بشكل ينم على حساسيته الفنية العالية وفهمه للفرق بين المنهجين وإدراكه الواعى لمنهج النص والعرض (فالممثل هو نفسه المخرج) فأجاد إستخدام ادواته التمثيلية بمهارة متمكنة وحساسية شديدة إستطاع من خلالها التلوين الصوتى خصوصا ان امكانياته الصوتية قوية ومرنة فتناغمت مع حالته الشعورية وانفعالاته النفسية العميقة والمرهفة مراعيا لطبيعة المرحلة العمرية للشخصية ومراعيا للموقف المسرحى سواء التراجيدى الغالب على معظم العرض او الكوميدى حين مثل دورا نسائيا ومراعيا لطبيعة الشخصية كونها شخصية ممثل مسرحى قادر على التلون والتنقل بين كافة الادوار فهو بالفعل تلون فى كافة الادوار التى أداها بإجادة تامة وفى نفس الوقت حافظ على امتداد وإتصال الحالة الشعورية العامة للشخصية فوصل لدرجة من المصداقية العالية انعكست على إيقاع العرض فلم يفقد الممثل (او العرض) تواصله وتفاعله المستمر مع الصالة حتى فى لحظات الهدوء والبطء الحركى او الصوتى لكنه كان يعلو بإحساسه الانفعالى فيستمر تواصله الإيجابى مع المتلقى . وعموما المنهج الواقعى يرتكز على عنصر الممثل وهو ماكان فى هذا العرض فكان ارتكازه فى محله على ممثل قوى متحكم فى ادواته بشكل دقيق وواعٍ فكان الممثل هو مصدر الدفع الدرامى الرئيسى للعرض .

اما المصدر الثالث للدفع الدرامى والدلالى فى عرض "أغنية الوداع"  بعد النص والممثل كانت الإضاءة المسرحية فتميزت هنا الإضاءة بالوعى الفنى لمنهج العرض فجاءت فى مناطق وفق المنهج الواقعى فقامت بوظيفة الانارة ولكنها لم تكن انارة قوية ساطعة وانما إنارة هادئة تتناسب مع خصوصية الحالة النفسية للشخصية ، وجاءت فى مناطق اخرى إضاءة تعبيرية وأيضا لم تكن تعبيرية كاملة وانما كانت مجرد بؤر ضوئية ضيقة جدا ومركزة جدا على الممثل فقامت بفعل الإختزال البصرى للفراغ المسرحى وتركيزه فقط على أضيق مساحة على الممثل ولم يبالغ المخرج او يكثر من تلوين هذه البؤر وانما كان معظمها مابين الاصفر والابيض - الإضاة الصفراء هى اقوى ألوان الإنارة وهى أيضا إن خفتت تدل على الشحوب والضعف - فلم تمعن او تبالغ فى تعبيريتها ولم تُغَرِب المشهد بصريا او تُبعِده كثيرا عن الواقعية السيكلوجية فقامت هذه البؤر الضيقة بوظيفتين الاولى الانارة الواقعية والثانية الإختزال التعبيرى المكثف للحالة الشعورية للممثل ودالة على حالة ضعفه ووحدته وعزلته وإحساسه بتصاغر حجمه داخل مجتمع مظلم يتجاهل أهمية وجوده فيه  فكانت أحد اهم عناصر توليد الدلالات الدرامية للعرض وأحد جمالياته البصرية وفى ونفس الوقت قامت بوظيفتها الحرفية المسرحية فى الإنارة فكانت موفقة لأقصى درجة .

وعلى مستوى الحركة المسرحية جاءت بسيطة وبطيئة نسبيا فى عمومها وقد يكون ذلك توافقا موضوعيا مع حالة الاحباط واليأس لشخصية الممثل لكنه على مستوى حالة المسرحة انقص من حيويتها وطاقتها التواصلية مع المتلقى ، ولكن قوة الأداء التمثيلى غطت على هذا النقص والبطء الحركى نسبيا فكانت الحركة واقعية متناسبة مع الحالة بشكل كبير لكنها ظلت أضعف عناصر المسرحى فنيا .

وكذلك الديكور المسرحى لم يخدم مشاهد العرض حِرفيا خصوصا التى أدى فيها الممثل بعض الشخصيات التى مثلها على المسرح فلم يصنع له مساحة تمثيل داخل المسرح عن طريق مستوى مختلف (أعلى) من مستوى المشهد وقد يكون ذلك ناتج عن ضيق امكانيات وعدم توافر مثل هذا المستوى فى تجهيزات المسرح . وكذلك لم يستخدم اى اكسسوارات خاصة بهذه الشخصيات (ماعدا الدور النسائى الذى إستخدم فيها اكسسوارات نسائية) .

كان إستحضار طيف الحبيبة على المسرح وتداخلها تعبيريا داخل السياق الواقعى للأحداث تداخلا تعبيريا وصفيا ليس أكثر ، بلا اى دلالة مضافة للدراما وكان من الأجدى عدم تجسيدها من خلال ممثلة تؤدى دور طيف الحبيبة فعلى المستوى الفنى كان من الافضل ترك خيال المتلقى حراً فى تصور تأثير شخصية الحبيبة على شخصية الممثل لأن بؤرة اهتمام العرض هى شخصية "فاسيلى" الممثل وليست شخصية الحبيبة فدخولها مسرحيا كسر حالة توحد المتلقى مع شخصية الممثل وشوشر عليها بشخصية جانبية حاضرة مسرحيا ، ومن ناحية اخرى دخول الممثلة التى ادت دور طيف الحبيبة كسر حالة المونودراما فتحولت الى سياق الديودراما نظرا لأن الممثلة أدت مشهدا إستعراضيا دافعا للدراما حتى لو لم تنطق بكلمة فالأداء الحركى يعتبر تجسيدا مسرحيا للشخصية وحضورا تمثيليا لها ، وهى سقطة إخراجية لم يكن لها اى ضرورة .

يعتبر النص الأصلى لتشيخوف تشريحا إجتماعيا ونقدا لاذعا لهشاشة القيم الإجتماعية ومدى تناقض وإزدواجية قيم مجتمع الصفوة (الارستقراطية فى زمن تشيخوف) وتناقض بنيتها الثقافية فى نظرتها للفن وللقيم الانسانية على انها شيء هامشى وكم مهمل ،وكان تشيخوف يميل الى الكتابة عن المهمشين والفقراء وأبناء الطبقة الوسطى ، وهو بعد به نقد إجتماعى لم يوليه العرض إهتماما كافيا فاكتفى بالغوص فى البعد النفسى لشخصية الممثل دون التركيز على البعد الإجتماعى وإظهاره بشكل كافٍ وظهرعلى إستحياء من خلال بعض جمل النص فقط . فهو نص فلسفى يطرح العديد من التساؤلات الوجودية عن مدى اهمية الانسان البسيط فى عالم تحكمه قيم الإهمال والتجاهل والمادية النفعية ونفس هذه التساؤلات تنسحب على التكوين الطبقى الإجتماعى عموما ، وهو بعد رغم وجوده فى النص إلا أنه غير مُلزِم للعرض لكنه بتجاوزه فقد العرض أحد إمتداداته الموضوعية .

فى المجمل كان عرض "أغنية الوداع" عرضاً قوياً على المستوى الفنى ملتزماً ومتناغماً منهجياً متماسكاً فى بنيته الدرامية ارتكز فنيا على قوة النص وقوة الأداء التمثيلى وحساسية الإضاءة  مما ينم على وعى فنى للقائمين عليه وهو المستوى المنتظر دوما من الفنانين الهواة الجادين .

 

1
 

 

ايمن (1)
 

 

ايمن (2)
 

 

ايمن (3)
 

 

ايمن (4)
 

 

ايمن (5)
 






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة