ننشر 3 قصص للكاتب محمد حسين بكر فى ذكرى رحيله الـ13

الجمعة، 21 فبراير 2020 03:00 م
ننشر 3 قصص للكاتب محمد حسين بكر فى ذكرى رحيله الـ13 محمد حسين بكر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

فى ذكرى رحيل الكاتب محمد حسين بكر الـ13 ننشر ثلاث قصص للكاتب الراحل، بعناوين "موعد" و"بوابات الصمت العالية .. جدا" و"شابلن الأنيق"، نشأ محمد حسين بكر فى حى الوراق من أصل صعيدى لعائلة من منطقة "القراضوة" لأب صعيدى وأم صعيدية متشددة ربته هو وأخوته على الاعتماد على النفس وقوة الشخصية، قدم 3 مجموعات قصصية هى "العصب العارى"، "بوح الأرصفة"، "عبدا لله المسكين له ولأحبابه"، وكانت بوح الأرصفة مجموعة مشتركة بينه وبين محمد رفيع وسهى زكى زوجته.

 

"موعد"

الموعد فى السادسة تماما .. فى الثالثة انتهى من حمامه وتعطر بعطر " فيرساتشى" عقب حلاقة ذقنه .. القميص المعلق بالمشجب خلف الباب .. منتشيا .. ليس جديدا .. ولكنه الذى وقع عليه الإختيار .. لوحة سهى بشارة تحدق فيه وكلماتها الآثيرة ترن فى أذنه .. " هناك "درس وحيد.. بالعناء وحده تفعل ما تريد ".

أخرج الحذاء من أسفل مكتبه .. مسحه بخرقة بالية ، ابتسم عندما أكتشف إن كلهن لا يشبهن " سهى بشارة فجأة ألم به إضطراب شديد .. وبغباء أشد وبقسوة بالغة رفع سماعة الهاتف أدار القرص .. رنين الهاتف الاخر " يأتيه ملهوفا

 آلو .. آلو .. بكلمة واحدة ..

 صرخ ببطء شديد .. أنا أنا مريض ألف سلامة عليك

الثلاثاء القادم الثلاثاء القادم .. وضع سماعة الهاتف .. جلس يحدق فى لوحة " سهى " ووهها المقاوم أخذ القميص يتطلع إليه حائرا مندهشا .. جلس يبكى .. إنقبض قلبه فجأة .. بعد نصف ساعة سمع طرق على الباب لا أستطيع أن أنتظر أسبوعا دون أن أراك وأنت مريض ؟! لما تبكى !

لثم أصابعها .. ومررها فى شعره .. إزدادت حيرة القميص .. بدت له ملامح لوحة سهى بشارة وردية جدا .

تمت 

سهى بشارة مقاومة لبنانية حاولت قتل انطوان لحد ، عميل جيش الجنوب اللبنانى الموالى لاسرائيل وظلت بالمعتقل حتى عشر سنوات كامة.1999

 

بوابات الصمت العالية .. جدا

البيضاء .. جدا جدا

صديقى ..

لم أعد .. أطيق صديقى .. فمابالك بأعدائى ..

أزاح جانبا ورق اللعب .. وأرتشف إرتشافة بطيئة من فنجان القهوة .. المعسلة .. أخرج حبات السودانى البنية التى تشوبها حمرة خفيفة لقمها فمه .. نامت قشور السودانى حول فمه وعلقت بشاربه ، الخفيف كشارب المغول الاسرى ..

نحيف جدا .. كلما روى ظماء مدهش .. لرأسه الصغير مثل كرة التنس الجرباء .. التى توصلت بالطين بزجاجة براندى حتى تجده ذلك العرق النافر الرفيع المتلوى مثل دودوة صغيرة .. ربما هى هذه الدودة التى برأسه التى تتغذى وترتوى بالكحول .. أشار إلى بيده النحيفة المعروقة وتمتم بكلمات غامضة .. ثم أخرج ما فى صدره بصديد أخضر تشوبه أشباح الصفار الفاتح غير الملحوظ فيه خطوط رمادية بفعل نزيف القاهر العصيب .. ضحك فجأة وأرتشف من زجاجة " البراندى " حتى أنت لا أعلم كونك صديق أم عدو .. يا بن الكلب يا وسخ يا تافه .. يا عبقرى وخسارة فيك عبقريتك يا " كسول " أنا بالفعل فى حالة عداء شديد له .. لذلك لم أعلق على ما يقول .. جذبت من يده زجاجة " البراندى " فأغتصبها منى بقوة لا أدرى متى وافته .. من أين .. ليس قوته بل قوة الدودة العطشانة فى رأسه والتى لا ترتوى أبدا .

أبتسم وأرتشف من فجان القهوة المزيد .. لماذا لا تقوم بفلسفتك يا تافه .. " إسمع أنا أيضا أستطيع الفلسفة .. أقسم لك .. مجالتنا الغامضة هذه .. يا صديق يا عدو .. يا تافه .. يا كل معزتى وتقديرى .. أستطيع الفلسفة وتلك السطور اللعينة التى تكتبها لنا .. قصصك .. أنت مجنون صدقنى .. مجنون أنت بطل قصة هارب من رواية تافهة ومملة .

نحن لا نعرفك .. أه " نحن " أعلم إنه عندما يصل الى حالة التقسيمات والتعدد هذه يكون قد طرق بوابات عالية ويظل يتحدث "إسمع يا هذا .. فى حين يأتى زمان غير ذلك .. لا وجود للحمقى أمثالك فيه غير ذلك الزمان بالتأكيد سوف تنتصر الأشياء الصغيرة فيه ، نعم الأشياء المهملة غاية الاهمال مثلى ومثل زجاجات البراندى التى اتلفتها طوال حياتى رغم ضألتها ، وعدم قدرتها على البوح فقط لمعوقات خارج اراداتها .. أخذ يسعل ويسعل ثم طفح زبد كثير .. وقبر بعض حبات الفول السودانى تحت ضروسه ..

سأكون أنا .. سأكون أنا .. يا تفاه .. فى الأفق حيث النور .. نعم النور .. سقطت من يده .. زجاجة "البراندى " طفحت دموع فى عينيه .. ضحك فجأة تمتم صاخبا .. اليقين حينئذ .. نعم اليقين إن المعارف القديمة .. ستتجمد مثل أصابع خارجة من قفاز صوفى .. فى شتاء قارس البرودة سوف ..تصير .. الزرقة الابدية حقيقية .. ترى هل سأكون على قيد الحياة ؟!

لا أتمنى من الله ذلك .. ولكنى أتمنى منه زجاجة "براندى جديدة" وأن تكون أنت أنت بالذات على قيد الحياة .. ثم بصق على المرآة .. وخرج من دورة المياه بينما بقى شبحه فى المرآة .. يحدق فى الاشياء الضئيلة المهملة حيث الصمت الأبيض أبيض جدا .. جدا جدا .


 

"شابلن الأنيق"                                                   

 _1_                                      

نهايات أبريل .. وحتى الآن لم تواتينا فرصة الإمساك بكذبة واحدة رغم إرتفاع درجات الحرارة المفاجئة .. والحديث عن مفاوضات السلام .. كل منا يمسك فى كفه شىء يقيه برودة الليل جاكيت جلدى .. وشاح من الصوف .. كوفيه قطنية ثقيلة .. إلا هو .. يجلس هنا متأبطا كتاب أخير له "مسرحية أصدرتها إحدى الجهات الحكومية .. كان شامخا يتنازل فى بساطة عن اراء لا يعتقد فيها كثيرا ..

شعره قد غطاه شيب كثيف .. كأنه نهض من وسط جوالات مخزن للدقيق ..

أطلقنا علهي .. ألسنتنا عقب مغادرته المقهى .. تافه .. أما أنا فاكتفيت بمط شفتاى .. والله تافه .. كلهم تافهون هؤلاء الرجال أمثاله .. لا تقل ذلك قالها ذو القلب الجرىء .. أحدنا لجأ للسياسة فأخرج دهون عديدة وأخذ يدلك عقولنا حتى تصير لينة وطرية لمواجهة كلماته بهدوء ..

أخبرتهم .. أنه كذبة أبريل التى ننتظرها ..

عاد فجأة .. هل نسيت شيئا يا أستاذ ؟ قالها من أقسم بتفاهته ، اخبره إنه محرج جدا ويطلب منه جنيهان للضرورة ، ناوله ، جنيهان على الفور .. عندما عدنا إليه إليه أخبرنا بالواقعة .. تمتم المداهن .. أنه أنيق يوارى تشرد ما ؟!

هل تقصد أنه "شابلن " .. ربما .. ؟! أما أنا فلقد اكتفيت بمط شفتاى .. كانت ماجدة الرومى تغنى أخرج من معطفه الجريدة وعلبة الثقاب .. كدت أضحك تخيلته شابلن بالفعل ؟!

-2-

عندما أنتهى مما يقول .. أوشكت أن أصارحه بإن ذلك مشروع نص جيد ولكنه لن يضيف شيئا الى مشروعه الذى اتخذه لقلمه .. أخبرنى .. إن مطاردة صاحب المنزل الذى يسكن فيه ليس مشروع نص كتابى .. بل حقيقة حقيقية !!

يريد منى ثلاثمائة جنيه ، أكتفيت بمط شفتاى .. !!

أكتشفت إن الجميع يعلمون الأمر رغم أنه طالبنى أن يظل الامر سرا بيننا !

أقسم بتفاهته صديقى مجددا .. عندما يسير أمامنا .. لاحظت أن قدماه مبتعدتان .. إلى حد هزلى تماما مثل "شارلى شابلن " سيجارته الطويلة معلقه بفمه .. وكتابه .. ويده فى جيبه ومظهر الضبع المهزوم واضح على حاجبيه !!

-3-

أبريل هذا العام جاء بكومة أكاذيب ذلك " المتشابلن " هل لو كان جاء فى يناير كان سيأتى بوجه " سانتا كروز " ويسرق لعبنا .. تاركا لنا أحزان يتيمة خرساء ، إنها لعبة الشهور لا أكثر ولا أقل !

لملم .. منا مصداقية وغادرنا بقليل من إرهاصات صداقة بريئة حاول إمتداحنا وجد أيادى تلجم فمه عاود الظهور .. على مراحل

عندما غادرنا ..

رأيته وحدى حذاء ضخم .. معكوس .. تماما .. الفردة اليسرى محل اليمنى وهكذا كان يسير مثلما يسير شابلن ..

فجأة .. حل نبأ أخر مساء عن إبريل ، جلسنا نحصى نقودنا .. تماما مثل ما هى .. نقصت قليلا ، تعبنا قليلا ، ولكنا اكتشفنا .. فشلنا فى إكتشاف شابلن .. فأعتمنا صالة المقهى وغادرناه .. مجرد أفيش ملون للذكريات .

تمتم صديقنا .. ألم أقسم لكم إنه تافه .. اكتفيت بمط شفتاى.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة