محمد حبوشه

موسم "دراما الشتاء" بطعم اجتماعى ورومانسى مثير

الخميس، 20 فبراير 2020 11:59 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لقد بات لمفهوم الدراما دور محورى فى حياتنا المعاصرة وسياقاتها الثقافية المجتمعية، حيث يعتبرها أغلب علماء علم الاجتماع المعرفى "ظاهرة من ظواهر التاريخ الأدبى، ووثيقة من وثائق التاريخ الإنسانى"، وفى هذه المناسبة يقول أرسطو فى كتاب الشعر: "إن التاريخ يكتب الأحداث كما وقعت، لكن الدراما تكتب الأحداث كما كان ينبغى أن تقع"، ومنذ ذلك الوقت لم يتوقف البحث فى العلاقة بين التاريخ والدراما، حتى أصبح المؤرخون وكتاب الدراما لا يرون فروقا تذكر بينهما الآن.

 

ومع تجسد الأحداث اليومية أصبحت الدراما تشكل النواة الأساسية للتاريخ الإنسانى الحديث، حتى أصبح السرد التليفزيونى هو البديل المثالى لتسجيل حركة التاريخ القادمة من رحم تلك الأحداث، جراء تطور صناعة الفعل الدرامى وانعاكساته الواضحة على الحياة العربية فى ظل الثورات المشوبة بالتمرد والعصيان بفعل توفر حرية التعبير على مواقع التواصل الاجتماعى التى حولت حياة الإنسان من حياة افتراضية إلى حياة فعلية بفضل التكنولوجيا الحديثة.

 

ومن أجل ذلك فقد تطورت صناعة الدراما فى مصر مؤخرا، كما لاحظت عن قرب من خلال موسم الدراما الشتوية الحالية، فى شقيها الاجتماعى والرومانسى المثير، بعد أن أثبتت جدارتها ومنافستها لمسلسلات رمضان، وذلك منذ أن بدأت الموسم مع نهاية 2019 وبداية 2020، وذلك بالخروج عن السرب والتغريد بعيدا، وذلك من خلال قضايا اجتماعية بطابع "رومانسى - نوستالجيا - شعبى - صعيدى" وحتى "الأكشن والساسبنس" منها غاية فى الروعة، ومن ثم فقد أصبح لدينا أعمال درامية جديدة على كافة الفضائيات تناسب أجواء المشاهدين المصرين المتطلعين للتسلية والترفيه فى جو من الأمان فى غالب الأحبان.

وقد لاحظت أن موضوعات هذا الموسم غير تقليدية للجمهور، وذلك ما تحتاجه صناعة الدراما فى مصر منذ فترة، فكلما كان موضوع المسلسل مختلفا وغير نمطى أو مكرر كان جذابا للجمهور بصورة كبيرة، فليس من الجيد أبدا أن نرى نفس الموضوعات التى أصبحت محصورة بين الأكشن والكوميديا فقط فى أغلب الأعمال الدرامية، وأيضا كلما كان المسلسل يناقش قضايا اجتماعية مختلفة تهم الجمهور حتى لو كانت بشكل وقالب كوميدى فذلك سيكون أفضل من تقديم عملا فنيا يحمل موضوعا مكررا تم تقديمه سابقا فى أكثر من عمل سينمائى أو درامى.

 

قليل جدا من تلك الأعمال تخرج عن السياق العام للمجتمع فى عاداته وتقاليده، ومنها على سبيل المثال مسلسل "الآنسة فرح"، المأخوذ عن مسلسل أمريكى بعنوان "jane the virgin"، لكن تبقى الغالبية العظمى من أعمال فى موسم دراما الشتاء جيدة الصنع فعلا، على مستوى الإنتاج والأداء والإخراج والديكور والمونتاج والموسيقى التصويرية الرائعة والمعبرة بصدق عن السياق الدرامى.

 

ولعله يبدو لى ملحوظا ميزة مهمة جدا توفرت فى صناعة تلك الأعمال أن هناك جهود إنتاجية مشتركة بين عدة شركات مختلفة، وهو الأمر الذى انعكس إيجابيا لحساب الجودة فى الشكل والمضمون، وربما هذا التطور النوعى قد أدى بالضرورة إلى تحسين صورة المنتج الدرامى المصرى خلال هذا الموسم، وأظنه سيتجلى أكثر وأكثر فى موسم رمضان 2020، خاصة أن المُنتجين يحرصون فى السنوات الأخيرة، على تقديم أعمالٍ درامية، متميزة، خارج شهر رمضان المبارك، إيماناً منهم بحق المُشاهد فى متابعة مسلسلات جديدة على مدار العام، فضلاً عن الابتعاد عن الزخم الدرامى فى الشهر الكريم، وتعرض بعض الأعمال للظلم، كونها لم تلقَ فرصة الانتشار.

 

ومن المسلسلات المهمة فى هذا الموسم الشتوى كان مسلسل "حواديت الشانزليزيه" على مستوى القصة والسيناريو والحوار والأداء العذب الذى يجمع بين الإثارة والتشويقى مع "تاتش" رومانسى قادم من خمسينيات القرن الماضى، بحيث جاءنا فى موسم الشتاء الحالى كى ينهل من "النوستالجيا" لإعادة إنتاج الحاضر على جناح سحر الماضى ودفء المشاعر ونبل المقاصد فى شكل حلقات تنغمس فى الماضى ليس هربا من حاضر عنوانه البرود والغرق فى العنف والبلطجة فحسب، بل يأتى كوسيلة للاستثمار فى موجة الحنين إلى "النوستالجيا" السائدة شعبيا.

 

ظنى أن المسلسل جاء أيضا على سبيل الهروب المحبب من مناقشة الواقع بمشكلاته المعقدة ومخاطر الخوض فيها، وما أحوجنا إلى تلك الأجواء برقيها وبهاء أيامها فى زمننا الحالى الذى يشهد تجريفا متعمدا للمشاعر والأحاسيس التى عاشها آباؤنا وأجدادنا فى الأيام الخوالى، ونحن بحاجة ماسة إلى تلك النوعية من الأعمال التى تملك القدرة على تلون حياتنا بطاقة إيجابية، بعد أن انجرفت غالبية الأعمال الرمضانية إلى العنف والعشوائية.

 

وفى ذات السياق يأتى مسلسل "ختم النمر" فى شكل رومانسى شديد العذوبة بفضل أداء احترافى للنجمة السورية "نسرين طافش" التى شعت طاقتها الإيجابية على أجواء المسلسل، خاصة أنها برعت فى هذا اللون من قبل فى مسلسلات "جلسات نسائية - فى ظروف غامضة - شوق" تحديدا، وغيرها من أعمال أخرى كان فيها طيفا بسيطا من الرومانسى فى قالب كوميدى أحيانا، وأجمل ما فى هذا المسلسل أن الكاميرا تنطلق عبر المشاهد فى خفة ونعومة لتغوص فى استعراض مبهر من قلب البيئة الأسوانية لتعكس جمال الطبيعة وروعة المناظر التى تختلط فيها مشاهد نهر النيل بالبيوت بطرزها وألوانها الزاهية البديعة لتقدم لنا كاميرا "أحمد سمير فرج" لوحات تشيلية غاية فى الروعة والجمال مع لحظات صافية من الرومانسية ودفء المشاعر بين بطلى العمل "أحمد صلاح حسني" و"نسرين طافش".

 

أما فى إطار الكوميديا فى قالب اجتماعى خفيف، فقد جاء مسلسل "شبرمية" ليضفى أجواء قادرة على صناعة الابتسامة من قلب واقف درامية اقرب للتراجيديا، والحقيقة أننى ومنذ البداية كنت منحازا إلى هذا العمل الدرامى البسيط فى أهدافه ورسائله، لأنه ببساطة نجح كمسلسل ينتمى إلى الـ"لايت كوميدى" فى أن يمس مشاعرنا جميعا، ومن حلقة إلى أخرى كان يدفعنا كى نتعاطف مع موضوعه وشخصياته، فقد قفز بنا المسلسل إلى مناطق أخرى، بعيدا عن تيمة "الخير والشر" المستهلكة فى غالبية المسلسلات التى تقدم حاليا.

 

السيناريو والحوار جاءا بطريقة سرد مختلفة تماما، فلقد لجأ صناع المسلسلات إلى تحرير الدراما من القالب العائلى منذ سنوات، بعدما أصبح يشاهدها فئات مختلفة من الأعمار، وهو ما أدى بالضرورة لوجود نوعية جديدة من المسلسلات تعتمد على خلط الكوميدى مع الاجتماعى عبر حوار جذاب وأداء تمثيلى سلس، كما جاء فى "شبر ميه" الذى لفت أنظار الجمهور من أول مشهد حتى النهاية، حتى أن الجمهور شعر وكأن الـ ( 45 حلقة ) مرت عليه كطيف ناعم عبر لحظات الضحك العفوي، وحتى التراجيديا التى غلفت كثير من الحلقات التى شهدت أزمة حرمان "أكرم" من ابنته "جميلة" بفضل تعنت الجد "نبيل".

 

وفى لون الدراما الاجتماعية بحس شعبى جاء مسلسل "الأخ الكبير"، فى جو من الدفء وحرارة المشاعر الأخوية المتبالة بين "حربى أبو رجيلة" الذى يمثل الأخ الكبير وجسده ببراعة "محمد رجب" وشاركه فى البطولة كل من دينا فؤاد، وأيتن عامر، وهبة مجدى وعبير صبرى وأشرف زكى وآخرين، وهو من تأليف أحمد عبد الفتاح، ومن إخراج إسماعيل فاروق، و يكتب لهذا المسلسل أنه واحد من الأعمال التى تعلى من شأن العائلة، فضلا عن انحيازه لطبقة البسطاء ممن يسكنون المناطق الشعبية.

 

بصفة عامة نحن أمام عمل من نوعية نفتقدها كثيرا فى أعمالنا الدرامية النظيفة، فى ظل التركيز فى السنوات القليلة الماضية على العنف والبلطجة والعشوائية التى سكنت الحارة المصرية مؤخرا، فحولت شبابها إلى أشباح على أثر انتشار المخدرات والفقر والعوز الذى غير طبيعتها الفطرية التى كانت تسودها "الجدعنة والشهامة" وروح التعاون والإيثار بين الجيران.

 

وفى منطقة الإثارة والتشويق المطعم أحيانا بحس اجتماعى مع قدر من الرومانسية الخفيفة أحيانا يأتى مسلسل "نصيبى وقسمتك"، الذى تعتمد فكرته على الأحداث المنفصلة المتصلة التى تجذب المُشاهد بصورة واضحة، وفكرة اختلاف القصة كل 5 حلقات تسهل على المشاهد متابعة الأحداث، بالإضافة إلى حرص صناعه على أن يكون الجزء الثالث من هذا المسلسل متنوعاً من خلال الأفكار التى تبعث على التفاؤل والترفيه دون مساس بالعادات والتقاليد التى تربى عليها الجمهور المصرى طوال سنوات نهضة الدراما المصرية.

 

وعلى مستوى التاريخ برز إلى حد كبير فى خارطة موسم الشتاء مسلسل "ممالك النار"، بطولة النجم "خالد النبوى" الذى دارت أحداثه فى إطار تاريخى حول الحقبة الأخيرة لدولة المماليك وسقوطها على يد العثمانيين فى القرن السادس عشر، لتنضم الدولتان المصرية والشامية إلى الدولة العثمانية، والحقيقة أننا نحن فى حاجة إلى إنتاج هذا النوع من الدراما التليفزيونية التاريخية، فالأجيال الجديدة تستقى معلوماتها التاريخية الآن بل ومعلوماتها عن العالم أجمع من مواقع التواصل الاجتماعى والإعلام بشكل عام. وعلى حد قول مؤلفه "محمد سليمان عبد المالك": "نحن نتعرض منذ سنوات لحرب وعى سواء من الدراما العالمية أو الدراما التركية والأجيال الجديدة تشاهد تلك الأعمال التى تكتبها بعض الدول من وجهة نظرهم فقط، لذلك يكمن الحل فى تلك الحرب فى المواجهة والمقاومة"، ومؤكداً أن هذا المسلسل جاء محاولة من صانعيه سواء الإنتاج أو فريق العمل لنقل الدراما التاريخية العربية للمكانة التى تستحقها، وتلك التجربة تحاول أن تواكب التطور والتغير الذى يحدث فى العالم من حولنا فى الدراما بشكل عامٍ.

 

مكاسب كثيرة حققها موسم دراما الشتاء هذا العام، أهمها أنه كشف لنا عن جوانب مهمة فى موهبة النجوم "خالد النبوى، أحمد السعدنى، ومحمد رجب، وأحمد صلاح حسنى وإياد نصار، فريدة سيف النصر، إدوارد"، كما أنه فى الوقت ذاته سلط أضواء كاشفة على شباب قادمون على طريق النجومية بجدارة مثل "محمد على رزق، محمد عز، محمود حجازى، محمد جمعة، هبة مجدى، هاجر الشرنوبى، مها نصار" والذين كانوا جميعا يتمتعون بقدرة فائقة على تجسيد الشخصية التى يلعبون أدوارها ببراعة طوال الأحداث.

 

والسؤال: أليس بإمكان قوة مصر الناعمة أن تقدم أعمالا فنية على قدر كبير من المتعة كما كان من قبل؟

نعم ومن المؤكد أننا إذا ما تأملنا واقعنا وتاريخنا سنجد العديد من الطرق يمكننا السير فيها، فلا يشترط أن نقدم عملاً فانتازيًا خياليًا، أو ليكن ذلك، لا يهم، الأهم هو أن نستغل ما لدينا من إمكانات على مستوى الإنتاج الجيد، خاصة أن لدينا الآن أجيالا جديدة على قدر من الاحترافية فى العمل على مستوى التمثيل والإخراج، فضلا عن كتاب سيناريو على درجة عالية من الوعى الذى يمكنهم من فهم طبيعة الجمهور وتقديم أعمال جيدة تتفق مع السياق العام للمجتمع، وتلعب أدورا مهمة فى التوعية والتنوير التى من شأنها أن تؤدى إلى تطور الأمة المصرية فى تلك اللحظة الراهنة، بل وتملك القدرة على استعادة بريقها الذى كان.

 

 

 

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة