هشام السروجى

لماذا لا يفقد "فيس بوك" الذاكرة؟

الخميس، 20 فبراير 2020 05:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

في مسلسل «خارق للطبيعة» خلق المؤلف «إيريك كريبكي» صورة مبدعة للعذاب في الجحيم، حيث يذهب «سام وينشستر» إلى الجحيم بصحبة الملاك كاستيل، في مهمة إخراج روح أخيه "دين" من الجحيم، بعد صفقة عقدها مع الشيطان «كراولي» ملك الجحيم، وعندما ذهب سام لزنزانة أخيه وجده يعذب بأن يعيش أسوأ ذكرياته مرارًا وتكرارًا.

كلما نسينا أو تناسينا، يطل علينا هذا الشيطان الأزرق ويخرج لنا لسانه القبيح، لينفخ في وجوهنا لهيب الـ "Memories" أو الذكريات التي تحرق أرواحنا، يذكرنا كم كُنا سٌذّج حين تبنينا أفكارًا جرفتنا تياراتها إلى شواطئ جزر مهجورة، وكم أقمنا الأحكام ظلمًا على أنفسنا وعلى من حولنا، فهؤلاء كانوا ملائكة ومع الوقت يتحولون إلى شر يمشي على قدمين، وهنا أشخاص كنا ننظر إليهم وكأنهم قمم شامخة، وهم في الحقيقة أقزام، عندما يمشون تحتك أكتافهم بالرصيف، وعلى الجانب الآخر كرهنا البعض من سيرتهم، ولما تعاملنا معهم ذُبْنا خجلًا من أنفسنا.

مع كل ذكرى تُبعث من قبور يومياتنا إلى الحياة مرة أخرى، نصطدم بحقيقة عجْزِنا، نرى شريط خطايانا في حق أنفسنا قبل الآخرين يمر أمامنا كل يوم، ندرك أننا كنّا مجرد دمى في يد المعطيات القاصرة، بصيرتنا محدودة وقولنا عاجز، ومشاعرنا تتقلب بشكل مرعب، حينها نرى حقيقتنا الهشة، نحن مجرد ريشة تتلقفها رياح المواقف والأشخاص وتذهب بها حيث شاءت.

يتلقى العقل المعلومات، من نافذة جميع الحواس، السمع والبصر والتذوق واللمس وغيرهم، يخزن المعلومات ويبدأ في فلترتها، يحتفظ بالمهم ويلقي بالباقي في سلة المهملات "النسيان"، لا يزيح العقل فقط فضلات الأفكار، لكن يزيح أيضًا الذكريات المؤلمة، يلقي بها في بئر عميق، يهرب منها كي يهرب من الشعور بالألم، من هنا قالوا النسيان نعمة ولولاه لمات الإنسان كمدًا وحزنًا.

نمر بتجارب وأحداث، ثم نترك للعقل مهمة تصنيفها والاستفادة منها، سواء بالاحتفاظ أو النسيان، لكن زحمةَ الحياة وتسارعها الحالي، وتلاحق الأحداث اليومية وطوفان المعلومات الحاصل على مواقع التواصل الاجتماعي، زاد من جرعة المعلومات عشرات الأضعاف، وزادت معه أوامر الحذف للملفات المهملة من العقل، لكن هذه المواقع ارتكبت في الوقت نفسه جريمة لا تغتفر في حق الإنسانية، جريمة الذكريات.

الذكريات ضيفٌ ثقيلٌ، الحلو منها والسيئ يترك ندماً، في كل الأحوال ستتألم، سواء فرطت في شيء جيد كان يستحق الاستمرار في حياتك، أو تمسكت بشيء سيئ كان يجب التخلص منه مبكرًا، وبين هذا وذاك تقف بلا إرادة أمام تدفق دوائر الزمن التي لا تعود إلى الوراء، لا تملك إلا المشاهدة التي لا تترك سوى المزيد من الندم.

 









الموضوعات المتعلقة

الحوينى لم يعتذر

السبت، 15 فبراير 2020 03:28 م

جدلية الأصول والفروع في مشوار التجديد

الأربعاء، 12 فبراير 2020 02:28 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة