لم يتجاوز التاسعة من عمره، وقُدر له أن يعيش طيلة حياته عاجزا، فلا يقوى على الإمساك بالأشياء أو اللعب كمن في سنه، والسبب في ذلك محول كهرباء أفقده كف يده، وأصبح بسببه يواجه شبح بتر ذراعه كاملا .
"عبد الرحمن توبة" ابن قرية النزلة، بمركز يوسف الصديق في محافظة الفيوم، واحد من ضحايا محولات الكهرباء المكشوفة الواقعة وسط تجمعات سكنية ويروح ضحيتها الصغير قبل الكبير داخل القرية.
الطفل عبد الرحمن يتلقى العلاج فى المستشفى الجامعى
بداية المأساة :
يوم السبت من كل أسبوع يتوافد أهالى القرية والقرى المجاورة على سوق قرية النزلة فهو واحد من أكبر أسواق المحافظة يقصده المواطنون لشراء احتياجاتهم الأسبوعية، وذات سبت خرج عبد الرحمن بصحبة أمه لشراء بعض الخضراوات ولكن كانت الصدمة.
حالة من الذعر والخوف صوت الصريخ يتعالى داخل السوق، الجميع يهرول تجاه عبد الرحمن بعدما صُعق بالكهرباء من أحد المحولات المكشوفة نتيجة لمسه للأسلاك المتدلية منه، فاشتعلت النيران في جسده النحيل، أخمد الأهالي النيران بملابسهم وحملوه على الأعناق بعدما غابت امه عن الوعى من هول المشهد وذهبوا بهما إلى المنزل المتواضع.
6 أيام قضاها عبد الرحمن داخل المستشفى العام بالمحافظة قبل أن يتركها منتقلا لأحد المستشفيات الجامعية بمحافظة القاهرة بواسطة احدى الجمعيات الخيرية لأنها الأفضل من حيث الرعاية الطبية على حد قول " الأم" والتي تضيف : ساءت حالة ابنى كثيرا وقررنا نقله إلى القاهرة وهناك قرر الأطباء بتر كفه كاملا وهناك احتمالية لبتر ذراعه .
أسرة "عبد الرحمن"
داخل منزل يقع في منطقة مترامية على أطراف القرية، تعبر إليها من خلال ترعة صغيرة مكشوفة لمياه الري تجد منزلا بسيطا من الطوب اللبن مسقوف بالقش والبوص ولا يحتوي بداخله الا علي سرير خشبي فوقه مرتبة قديمة وشعلة صغيرة معبأة بالغاز وعدد من الأواني، تجلس امامهم الأم ذات الخمسة والثلاثين عاما ويلتف حولها أطفالها الأربعة اشقاء "عبد الرحمن"، تقول : زوجى رجل أرزقى يعمل بالخردة، نشكو ضيق الحال الذى دفعنا لحرمان أطفالنا من التعليم لصعوبة الإنفاق عليهم.
وعن حادث عبد الرحمن قالت الأم المكلومة، ذهبت للسوق لشراء طماطم وبعض الخضار رغم أن السوق يبعد كثيرا عن منزلها ولكن نظرا لأن سعر الخضار يكون أقل ذهبت إلى هناك واصطحبت عبد الرحمن في يدها وبينما يقف بجانبها غفلت عنه لدقائق للتحدث مع البائعة أثناء الشراء والتفت علي صرخات السيدات بالسوق والنيران مشتعلة في جسد طفلها الصغير ففقدت وعيها ولم تفيق الا في منزلها بعدما نقلها الأهالي هي وطفلها للمنزل واصطحب زوجها الطفل المصاب إلى مستشفى الفيوم العام ولفتت الأم إلى أنهم لم يجدوا أي رعاية للطفل المصاب فعادوا به للمنزل الي أن تواصلت معهم مؤسسة خيرية ونقلوا الطفل للقصر العيني وقرر الأطباء بتر يده.
تضيف الأم : قلبى احترق على طفلى وأتمنى شفاءه في أسرع وقت والا يترك المسئولين الأسلاك داخل القرية عارية بهذا الشكل حتى لا تحترق قلوب مزيد من الأمهات وكل ما احلم به هو سقف لمنزلى لحماية اطفالى من أمطار الشتاء.
أسلاك الكهرباء تتدلى داخل المنازل
الأكياس البلاستيك تغلف أعمدة الإنارة
تفاصيل الحادث:
سيدة محمد إحدى البائعات في سوق النزلة تروى تفاصيل المشهد قائلة: اجلس في هذا المكان لبيع المنتجات البلاستيكية منذ ما يقرب من 21 عام ولم ار في حياتى مشهد بهذه البشاعة، رأيت امام عينى الطفل يطير في الجو من شدة الكهرباء والنيران تخرج من كشك الكهرباء فصرخت بكل قوتي حتى تجمع حوله كل من في السوق وأطفأوا النيران التي التهمت جسده ونقلوه لمنزله ومنذ تلك اللحظة وانا مريضة من هول المشهد الذي لن يذهب من ذاكرتي.
وتضيف: لا أعلم أن كان هذا الكشك مفتوحا دوما أم يوم الحادث فقط ولكن بعد الواقعة فوجئنا بوضع إطار حديد من حوله وغلقه بإحكام ولا اعرف ان كان الأهالى هم من فعلوا ذلك ام شركة الكهرباء.
الأطفال بجوار اعمدة الكهرباء
إهمال يودى بحياة الأهالى :
" توبة محمد " والد عبد الرحمن والذى يرافقه حاليا داخل المستشفى الجامعى حيث أجرى عمليه بتر لكف يده ، يقول طفلى ليس الأول ولن يكون الأخير، وسبق وان شكونا كثيرا من أكشاك الكهرباء المفتوحة على مصرعيها ليل نهار وما تمثله من خطورة على حياتنا جميعا ولم يفعل أحد اى شيء .
واتفق معه إسحاق توفيق محمد أحد أهالي قرية النزلة قائلا إنهم طالبوا كثيرا واشتكوا مرارا من وجود كشك الكهرباء مفتوح بالسوق وفوق مجرى مائى وخطورة هذا الوضع ولم يهتم أحد لشكواهم حتى حلت هذه الكارثة التي دفع ثمنها طفل صغير لا حول له ولا قوة مطالبا: بمحاسبة المتسببين في هذا الحادث وعمل حملة لتغطية الأسلاك العارية بمختلف أعمدة الإنارة بالقرية.
واتفق معه عادل حسين أحد أهالي القرية والمقيم بمحيط منطقة السوق قائلا: معظم أسلاك الكهرباء بالقرية مكشوفة أو مغطاة بطبقة رقيقة من البلاستيك ومع التعرض للمطر في الشتاء وحرارة الشمس العالية في الصيف تتآكل هذه الأسلاك وتتسبب في صعق عشرات الأطفال والكبار بالإضافة إلى أن هناك أسلاك كثيرة ارتخت مع الوقت وأصبح ارتفاعها قريب من المارة وتشكل خطرا كبيرا وشكونا كثيرا للمسؤولين بالمركز المحلى ولكن دون فائدة حتى بعد الحادث المروع الذي هز القرية وترتب عليه بتر يد طفل بسبب هذا الإهمال.
التقرير الطبى الخاص بحالة عبد الرحمن
أكثر من 250 ألف حالة تصاب بحروق في مصر كل عام يتوفى منهم 190 ألف حالة خلال الــ 6 ساعات الأولى بسبب نقص الإمكانيات اللازمة لإنقاذهم خلال تلك الفترة الزمنية وفقا لأحدث احصائيات منظمة الصحة العالمية. وتصل نسبة الأطفال ضحايا حوادث الحروق إلى 60 % ويتوفر لكل ألف مريض سرير عناية مركزة واحد فقط.
النائب ربيع أبو لطيعة، عضو مجلس النواب عن محافظة الفيوم ، قال إن ما تشهده تلك القرى من حوادث صعق كهربائى تعد إهمال جسيم يستلزم المحاسبة مضيفا انه سيبحث تلك المشكلة مع رئيس قطاع الكهرباء في المركز المحلى وواعدا بالتكفل باحتياجات أسرة الطفل عبد الرحمن وتلبيتها في أقرب وقت.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة