زوج يسأل الإفتاء عن حكم شراء هدية عيد الأم لحماته من أرباح البنك.. اعرف الرد

الثلاثاء، 11 فبراير 2020 03:43 م
زوج يسأل الإفتاء عن حكم شراء هدية عيد الأم لحماته من أرباح البنك.. اعرف الرد حكم الاحتفال بعيد الأم
كتب على عبد الرحمن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

"هل يجوز شراء هدية عيد الأم لحماتى من أرباح البنك؟".. سؤال ورد لدار الإفتاء المصرية من أحد الأزواج خلال البث المباشر الذى أجرته الدار اليوم الثلاثاء عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك".

وفى رد مقتضب على السؤال قال الشيخ عبد الله عجمى، مدير إدارة التحكيم وفض المنازعات، وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية: "يجوز".

وكانت دار الإفتاء المصرية أجابت فى وقت سابق عبر موقعها الإلكترونى، عن سؤال نصه: "حكم الاحتفال بيوم الأم، وهل هو بدعة؟"، قائلة: "الجواب المختصر هو أن الاحتفال بيوم الأم أمر جائز شرعًا لا مانع منه ولا حرج فيه".

وتابعت دار الإفتاء :"الجواب بالتفصيل هو :"الإنسان بنيان الرب، كرمه الله تعالى لآدميته؛ فصنعه بيديه، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وطرد إبليس من رحمته لأنه استكبر عن طاعة أمر الله بالسجود له، فكان احترام الآدمية صفة ملائكية قامت حضارة المسلمين عليها، وكانت إهانة الإنسان وإذلاله واحتقاره نزعة شيطانية إبليسية زلزلت كيان الحضارات التى بنيت عليها، ﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [النحل: 26]، ﴿وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا﴾ [النساء: 119] ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِى وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾ [الكهف: 50]، وكما جاء الإسلام بتكريم الإنسان من حيث هو إنسان بِغَضِّ النظر عن نوعه أو جنسه أو لونه فإنه أضاف إلى ذلك تكريمًا آخر يتعلق بالوظائف التى أقامه الله فيها طبقًا للخصائص التى خلـقه الله عليها، فكان من ذلك تكريم الوالدين اللذين جعلهما الله تعالى سببًا فى الوجود، وقرن شكرهما بشكره؛ فقال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإنسان بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أن اشْكُرْ لِى وَلِوَالِدَيْكَ إلى الْمَصِيرُ﴾ [لقمان: 14] وجعل الأمر بالإحسان إليهما بعد الأمر بعبادته سبحانه وتعالى فقال: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23]، وكان ذلك لأن الله جعلهما السبب الظاهر فى الإيجاد فكانا أعظم مظهر كونى تجلت فيه صفة الخلق، وناهيك بذلك شرفًا على شرف وتكريمًا على تكريم.

واستطردت الدار:"والنبى - صلى الله عليه وآله وسلم- يجعل الأم أولى الناس بحسن الصحبة، بل ويجعلها مقدمة على الأب فى ذلك؛ فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه- قَالَ: ((جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- فَقَالَ: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ)) متفق عليه، ويقرر الشرع الإسلامى أن العلاقة بين الولد وأمه علاقة عضوية طبعية؛ فلا تتوقف نسبته إليها على كونها أتت به من نكاح أو سفاح، بل هى أمه على كل حال، بخلاف الأبوة التى لا تثبت إلا من طريق شرعى، ومن مظاهر تكريم الأم الاحتفاء بها وحسن برها والإحسان إليها، وليس فى الشرع ما يمنع من أن تكون هناك مناسبة لذلك يعبر فيها الأبناء عن برهم بأمهاتهم؛ فإن هذا أمر تنظيمى لا حرج فيه، ولا صلة له بمسألة البدعة التى يدندن حولها كثير من الناس؛ فإن البدعة المردودة هى ما أُحدث على خلاف الشرع؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((مَنْ أَحْدَثَ فِى أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ)) متفق عليه من حديث أم المؤمنين عائشة -رضى الله عنها-، ومفهومه أن من أَحدث فيه ما هو منه فهو مقبول غير مردود، وقد أقر النبى -صلى الله عليه وآله وسلم- العرب على احتفالاتهم بذكرياتهم الوطنية وانتصاراتهم القومية التى كانوا يَتَغَنَّوْنَ فيها بمآثر قبائلهم وأيام انتصاراتهم، كما فى حديث الصحيحين عن عائشة -رضى الله عنها- ((أن النبى -صلى الله عليه وآله وسلم- دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان بغناء يوم بُعاث))، وجاء فى السنة ((أن النبى -صلى الله عليه وآله وسلم- زار قبر أمه السيدة آمنة فى أَلْفَى مُقَنَّع، فما رُؤِى أَكْثَرَ بَاكِيًا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ)). رواه الحاكم وصححه وأصله فى مسلم.

إن معنى الأمومة عند المسلمين هو معنًى رفيع، له دلالته الواضحة فى تراثهم اللغوي؛ فالأم فى اللغة العربية تُطلق على الأصل، وعلى المسكن، وعلى الرئيس، وعلى خادم القوم الذى يلى طعامهم وخدمتهم, -وهذا المعنى الأخير مَرْوِى عن الإمام الشافعى -رضى الله عنه- وهو من أهل اللغة-، قال ابن دُرَيد: وكل شيء انضمت إليه أشياء من سائر ما يليه فإن العرب تسمى ذلك الشيء "أُمًّا". ولذلك سميت مكة "أم القرى"؛ لأنها توسطت الأرض، ولأنها قبلة يؤمها الناس، ولأنها أعظم القرى شأنًا، ولما كانت اللغة هى وعاء الفكر فإن مردود هذه الكلمة عند المسلم ارتبط بذلك الإنسان الكريم الذى جعل الله فيه أصل تكوين المخلوق البشرى، ثم وطَّنه مسكنًا له، ثم ألهمه سياسته وتربيته، وحبب إليه خدمته والقيام على شؤونه، فالأم فى ذلك كله هى موضع الحنان والرحمة الذى يأوى إليه أبناؤها.

وكما كان هذا المعنى واضحًا فى أصل الوضع اللغوى والاشتقاق من جذر الكلمة فى اللغة؛ فإن موروثنا الثقافى يزيده نصاعةً ووضوحًا وذلك فى الاستعمال التركيبى "لصلة الرحم" حيث جُعِلَت هذه الصفة العضوية فى الأم رمزًا للتواصل العائلى الذى كانت لَبِنَاتُه أساسًا للاجتماع البشري؛ إذ ليس أحدٌ أحق وأولى بهذه النسبة من الأم التى يستمر بها معنى الحياة وتتكون بها الأسرة وتتجلى فيها معانى الرحمة. ويبلغ الأمر تمامه وكماله بذلك المعنى الدينى البديع الذى يصوره النبى المصطفى والحبيب المجتبى -صلى الله عليه وآله وسلم- بقوله: ((الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِى وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَنِى قَطَعَهُ اللَّهُ)) متفق عليه من حديث أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها، وفى الحديث القدسي: ((قَالَ اللَّهُ عز وجل: أَنَا اللَّهُ، وَأَنَا الرَّحْمَنُ، خَلَقْتُ الرَّحِمَ، وَشَقَقْتُ لَهَا مِنَ اسْمِي؛ فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ)) رواه أبو داود والترمذى وصححه من حديث عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه.

وبتجلى هذا المعنى الرفيع للأمومة عندنا مدلولا لغويًّا وموروثًا ثقافيًّا ومكانةً دينية يمكننا أن ندرك مدى الهوة الواسعة والمفارقة البعيدة بيننا وبين الآخر الذى ذابت لديه قيمة الأسرة وتفككت فى واقعه أوصالُها، فأصبح يلهث وراء هذه المناسبات ويتعطش إلى إقامتها ليستجدى بها شيئًا من هذه المعانى المفقودة لديه، وصارت مثل هذه الأيام أقرب عندهم إلى ما يمكن أن نسميه "بالتسول العاطفي" من الأبناء الذين يُنَبَّهون فيها إلى ضرورة تذكر أمهاتهم بشيء من الهدايا الرمزية أثناء لهاثهم فى تيار الحياة الذى ينظر أمامه ولا ينظر خلفه.

ومع هذا الاختلاف والتباين بيننا وبين ثقافة الآخر التى أفرز واقعها مثل هذه المناسبات إلا أن ذلك لا يشكل مانعًا شرعيًّا من الاحتفال بها، بل نرى فى المشاركة فيها نشرًا لقيمة البر بالوالدين فى عصر أصبح فيه العقوق ظاهرة تبعث على الأسى والأسف، ولنا فى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- الأسوة الحسنة؛ حيث كان يحب محاسن الأخلاق ويمدحها من كل أحد حتى ولو كان على غير دينه؛ فـ((لما أُتِى بسبايا طَيئ كانت ابنة حاتم الطائى فى السبي؛ فقالت للنبى -صلى الله عليه وآله وسلم-: يا محمد، أن رأيتَ أن تُخَلِّى عنى ولا تُشْمِت بى أحياء العرب؛ فإنى ابنة سيد قومى، وإن أبى كان يحمى الذِّمار، ويَفُكُّ العانى، ويُشبع الجائع، ويكسو العارى، ويَقرى الضيف، ويطعم الطعام، ويُفشى السلام، ولم يَرُدّ طالب حاجة قط. وأنا ابنة حاتم طَيئ. فقال النبى -صلى الله عليه وآله وسلم-: يَا جَارِيَةُ، هَذِهِ صِفَةُ المُؤْمِنِينَ حَقًّا، لَوْ كَانَ أَبُوكِ مُؤْمِنًا لَتَرَحَّمْنَا عَلَيْهِ؛ خَلُّوا عَنْهَا فَإِنَّ أَبَاهَا كَانَ يُحِبُّ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ، وَالله تَعَالَى يُحِبُّ مَكَارِمَ الأخْلاقِ، فقام أبو بُردة ابن نِيار -رضى الله عنه- فقال: يا رسول الله، واللهُ يحب مكارم الأخلاق؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ أَحَدٌ إِلاَّ بِحُسْنِ الخُلُقِ)). أخرجه البيهقى من حديث على بن أبى طالب كرم الله وجهه، وقال عليه الصلاة والسلام: ((لَقَدْ شَهِدْتُ فِى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبُّ أن لِى بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ، وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِى الإِسْلاَمِ لأَجَبْتُ)) أخرجه البيهقى عن طلحة بن عبد الله بن عوف، وعليه فإن الاحتفال بيوم الأم أمر جائز شرعًا لا مانع منه ولا حرج فيه، والبدعة المردودة إنما هى ما أُحدث على خلاف الشرع، أما ما شهد الشرع لأصله فإنه لا يكون مردودًا ولا إثم على فاعله.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة