نظام التحكيم التجاري يعد نظاماً تجارياً مزدوجاً، فهو عمل اتفاقي يستمد فيه المحكم سلطته من توافق إرادة طرفي العقد على اللجوء إلى التحكيم، ومن ناحية أخرى فهو عمل قضائي، لأن المحكم يقوم بذات الوظيفة التي يقوم بها القاضي وهي الترجيح بين دفاع الخصوم وإصدار حكم للفصل في المنازعة التحكيمية.
ولا يجوز من الناحية العملية والقانونية أن يخرج حكم التحكيم عن رقابة القضاء، حتى وإن كانت قوته الإلزامية مستمدة من إرادة الاطراف، إلا أنه في ذات الوقت فإن هذه الطبيعة تفرض تنظيماً خاصاً للطعن على قرارات التحكيم، ففي الأحكام القضائية يكون محل الطعن هو تدارك الخطأ الذي وقع فيه حكم أول درجة سواء في وقائع الدعوى أو في القانون واجب التطبيق.
قضايا تحكيم
أما بالنسبة في نظام التحكيم فإن الوظيفة الإصلاحية لمحكمة الطعن تتراجع، حيث تقتصر غالباً على التأكد من تقيد المحكم بنطاق إتفاق التحكيم وكيفية تعيينه ومدى أهلية الخصوم في الدعوى التحكيمية، أي أنه يمكن القول بأن الطعن على قرار التحكيم يعتبر منازعة في بطلانه وليس تداركاً لما وقع فيه من خطأ.
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية الطعن على قرارات التحكيم في ضوء التشريعات العربية قانون التحكيم المصري ـ قانون التحكيم البحريني ـ اتفاقية إنشاء مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون الخليجي - بحسب الخبير القانوني والمحامي محمد الشهير.
موقف المشرع المصرى من الطعن على قرارات التحكيم
في البداية – يجب أن نؤكد أنه قد تباينت التشريعات العربية في تقنين أوجه الطعن على قرارت التحكيم، فمنها من اعتنق الأسباب الواردة بقانون الاونسيترال النموذجي الصادر عن منظمة الأمم المتحدة، ومنها من ضيق أسباب الطعن، كما تباينت في نطاق الاختصاص المكاني بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم، وقد أشار قانون التحكيم المصري إلى 7 حالات لبطلان حكم التحكيم، منها ما يخص إتفاق التحكيم ذاته ومنها ما يخص أطراف الإتفاق ومنها ما يخص تشكيل هيئة التحكيم أو إجراءات نظر الدعوى التحكيمية.
اتفاق الشركات
7 حالات لبطلان حكم التحكيم المصرى
فقد نص قانون التحكيم المصري على بطلان حكم التحكيم إذا لم يوجد إتفاق تحكيم أو كان هذا الإتفاق باطلاً أو قابلاً للإبطال أو سقط بإنتهاء مدته، أو إذا كان أحد طرفي إتفاق التحكيم وقت إبرامه فاقد الأهلية أو ناقصها وفقاً للقانون الذي يحكم أهليته، إذا تعذر على أحد طرفي التحكيم تقديم دفاعه بسبب عدم إعلانه إعلاناً صحيحاً بتعيين محكم أو بإجراءات التحكيم أو لأي سبب آخر خارج عن إرادته، أو إذا استبعد حكم التحكيم تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع، أو إذا تم تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكمين على وجه مخالف للقانون أو لإتفاق الطرفين، او إذا فصل حكم التحكيم في مسائل لا يشملها إتفاق التحكيم أو جاوز حدود هذا الإتفاق، إذا وقع بطلان في حكم التحكيم أو كانت إجراءات التحكيم باطلة بطلاناً أثر في الحكم – وفقا لـ"الشهير".
موقف المشرع السوري من الطعن على قرارات التحكيم
أحدث المشرع السوري في قانون التحكيم الجديد تغييراً جذرياً في طرق الطعن التي يمكن ولوجها ضد أحكام التحكيم، فألغى النصوص التي كانت تسمح بالطعن في الحكم التحكيمي بالاستئناف أو بإعادة المحاكمة، ونص بشكل صريح على صدور أحكام المحكمين طبقاً للقانون الجديد مبرمة غير خاضعة لأي طريق من طرق الطعن "م 49"، متبعاً في ذلك منهج القانون المصري "م 52"، وقانون الاونسيترال النموذجي للتحكيم "م34"، وقصر إمكانية مراجعة الحكم التحكيمي على دعوى البطلان التي أجاز رفعها في حالات محددة وحصرية نصت عليها "م 50" من قانون التحكيم الجديد والنظر فيها والطعن في الأحكام الصادرة فيها من خلال المادتين "51 , 52 تحكيم سوري".
شركات
وتعتبر أحكام المواد "49" وما يليها من القانون الجديد أحكاماً مستحدثة كلياً، حيث كان المشرع السوري سائراً على نهج مغاير لها تماماً في ظل النصوص الملغاة من قانون أصول المحاكمات، واستقر القضاء السوري في جميع أحكامه على خلافها طوال نصف قرن من الزمان تقريبا، وقد تبنى المشرع السوري نفس الأحكام والقواعد الخاصة بدعوى البطلان والتي اعتمدها القانون المصري عام 1994 وتعديلاته، وقانون الاونسيترال النموذجي للتحكيم، إلا انه تضمن أحكاماً مغايرة للقانونين المذكورين بالنسبة لبعض الإجراءات والمهل الخاصة بدعوى البطلان .
وقد نصت المادة "51" على وجوب رفع دعوى البطلان خلال مدة 30 يوماً فقط تلي تاريخ تبليغ الحكم للمحكوم عليه، في حين جعلها القانون المصري 90 يوماً "م 54/1 مصري"، وخصّ المشرع السوري المحكمة المعرفة في المادة "3" من قانون التحكيم –وهي حتماً محكمة الاستئناف- وحدها بنظر دعوى البطلان سواء أكان التحكيم وطنياً أم تجارياً دولياً، وذلك على عكس المشرع المصري الذي ميز بهذا الخصوص بين التحكيم الوطني والدولي "م 54/2 معطوفة على المادة /9/ تحكيم مصري" .
من ناحية أخرى، أوجب المشرع السوري على محكمة الاستئناف أن تفصل بدعوى البطلان خلال مدة 90 يوماً تبدأ من تاريخ اكتمال الخصومة ورغم عدم وجود جزاء إجرائي معين على مخالفة هذه المدة، كما نص المشرع السوري على انه إذا قررت المحكمة ردّ دعوى البطلان فان قرارها يقوم مقام اكساء حكم المحكمين صيغة التنفيذ، وهو منهج يحقق الاقتصاد في النفقات والوقت والجهد ويساير منطق التحكيم أيضاً من خلال عدم فرض رقابة قضائية أخرى من خلال دعوى الاكساء طالما بسط القضاء رقابته على الحكم التحكيمي من خلال دعوى البطلان "م 51/4" .
من ناحية أخرى، نص المشرع السوري في المادة "52" على إمكانية الطعن في قرار محكمة الاستئناف الصادر بإبطال حكم التحكيم أمام محكمة النقض خلال 30 يوماً التالية لتبليغ الحكم، ووجوب البتّ في هذا الطعن من قبل محكمة النقض خلال مدة 90 يوماً من تاريخ وصول ملف الدعوى إليها.
أخيراً: فان القانون الجديد لم يتضمن أية أحكام خاصة بإعادة المحاكمة، واعتراض الغير، واكتفى في المادة "49" بالنص على عدم قابلية أحكام التحكيم للطعن بأي طريق، تاركاً المجال مفتوحاً أمام القضاء والفقه لحسم الجدل الدائر حول إمكانية الطعن في أحكام التحكيم بهذين الطريقين حسب القواعد العامة في قانون أصول المحاكمات السوري .
موقف المشرع البحريني من الطعن على قرارات التحكيم
أما المشرع البحريني فقد اعتنق نصوص قانون الأونسيترال النموذجي دون أي تعديل، وتبنى ذات أسباب الطعن الواردة فيه وهي إفتقار أحد الخصوم إلى الأهلية القانونية، أو عدم صحة الإتفاق في ضوء القانون الذي أبرم في ظله، أو عدم تبليغ أحد الخصوم على نحو صحيح، أو تناول قرار التحكيم لنزاع لا يشمله إتفاق التحكيم، أو بطلان تشكيل هيئة التحكيم وبطلان إجراءاته، أو عدم قابلية موضوع النزاع للتحكيم وفقاً لقانون الدولة الذي يراد التنفيذ بها.
4 أسباب يتفق فيها المشرع المصرى والبحرينى
وبالنظر إلى حالات إبطال قرار التحكيم في كل من التشريعين المصري والبحريني، فيمكن القول بأن المشرع المصري والبحريني إتفقا في الأسباب الأربعة العامة لبطلان قرار التحكيم، وهي عدم توافر أهلية أحد الخصوم، أو تجاوز قرار التحكيم لنطاق الإتفاق التحكيمي، أو عدم تبليغ أحد الاطراف بإنعقاد الخصومة التحكيمية وإجراءاتها، أو بطلان تشكيل هيئة التحكيم وإجراءاته – الكلام لـ"الشهير".
بينما ظهر الاختلاف بين التشريعين في المسائل التفصيلية، حيث أورد القانون المصري نصوصاً صريحة ببطلان قرار التحكيم الذي يستبعد القانون الذي اتفق العاقدين على تطبيقه على النزاع التحكيمي، وكذلك توسع المشرع المصري في إيراد الأسباب العامة للبطلان الموضوعي والإجرائي وإعتبارها سبباً من أسباب بطلان قرار التحكيم.
بينما اعتبر القانون البحريني إستبعاد المحكم للقانون واجب التطبيق من ضمن بطلان إجراءات التحكيم، كما أنه نص صراحة على سببين لم يتعرض لهما المشرع المصري بنص صريح وهما عدم صحة الإتفاق في ضوء القانون الذي أبرم في ظله، وعدم قابلية موضوع النزاع للتحكيم وفقاً لقانون الدولة الذي يراد التنفيذ بها، وإن كان يمكن القول بأن تبني المشرع المصري للأسباب العامة للبطلان، يجيز إعتبار هذين السببين من ضمن أسباب بطلان قرار التحكيم في القانون المصري.
الخبير القانونى محمد الشهير
موقف مجلس التعاون الخليجي من الطعن على قرارات التحكيم
وخلافاً للقانونين السابقين، فقد نصت لائحة إجراءات التحكيم لمركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون الخليجي ـ والتي تعتبر قانوناً خاصاً ضمن قوانين الدول الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي ـ على سببين لبطلان حكم التحكيم الصادر عن المركز، أولهما صدور دون وجود اتفاق للتحكيم أو بناء على اتفاق باطل أو سقط بتجاوز الميعاد أو إذا خرج المحكم عن حدود الاتفاق، وثانيهما صدور الحكم من محكمين لم يعينوا طبقاً للقانون أو صدر من بعضهم دون أن يكونوا مأذونين بالحكم في غيبة الآخرين أو صدر بناء على اتفاق تحكيم لم يحدد فيه موضوع النزاع أو صدر من شخص ليست له أهلية الاتفاق على التحكيم.
قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم
ويلاحظ من النص السابق أن اللائحة ضيقت من أسباب الطعن على قرارات التحكيم، وهو ما يتناقض مع قانون الاونسيترال النموذجي للتحكيم الصادر عن لجنة الامم المتحدة للقانون التجاري الدولي ـ الذي تبنته مملكة البحرين ـ ويتناقض أيضاً مع مسلك المشرع المصري الذي توسع في أسباب بطلان قرار التحكيم.
على أنه في حالة خضوع النزاع للائحة الإجرائية للمركز، فلا يعتد بأسباب البطلان الواردة بأي قانون آخر غير السببين سابقي البيان، وذلك بسبب طبيعة اللائحة الإجرائية التي أخذت حكم المعاهدة الدولية، ولكون نظام تأسيس المركز تم إقراره كقانون خاص في كل دولة من الدول الأعضاء بمنظمة دول مجلس التعاون الخليجي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة