تعد القضية الليبية أحد أبرز اهتمامات الإدارتين المصرية والفرنسية حيث سعت البلدين لتحفيز الأطراف الليبية المختلفة للجلوس على مائدة التفاوض، ودعمتا الجهود الأممية لخفض التصعيد والتسوية السلمية للصراع، وهناك العديد من المعطيات التي تستدعي اهتماًما خاًصا من كال الدولتين للانخراط بشكل فعال في الأزمة، والوصول بالدولة المأزومة إلى حالة مستقرة يمكن عبرها تعافي المجتمع الساعي للخروج من معضلته.
وبرز تقارب مصري فرنسي حول ليبيا عبر الجهود التي أطلقتها الدولتين لاختراق الأزمة، سعًيا لاستشراف مستقبل الدور الذي يمكن أن تلعبه كلا منهما للمساعدة في إنهاء الصراع.
وفًقا لرؤية القاهرة باريس، تعد الأزمة الليبية صراع ُمركب فاقم التدخل الدولي الموجه وغير المحسوب في تعقيده، وهو ما يرتبط بوجود أطراف داخلية وخارجية نسجت شبكة عالقات مصلحية، تجاوزت في مساعيها تخفيض التوترات والسعي لإعادة بناء الدولة، وتقودها نحو حالة من التشظي والتحلل، وهى رؤية استلزمت أن يكون هناك دور دولي متوازن وفاعل يعمل على تفعيل محور داعم للدولة الوطنية، والحيلولة دون تعاقب دورات الصراع وتجددها بشكل يقضي على آمال الشعب الليبي في حفظ وحدة وبناء دولته.
وتبنت الرؤية المصرية الفرنسية ُمقاربة الدولة الوطنية ودعم مؤسساتها، وهو ما يستدعي الاستناد الى الشرعية الدستورية الراسخة غير المنقوصة، ولذلك حظي البرلمان الليبي بدعم القاهرة وباريس؛ كونه الجسم الشرعي الوحيد المنتخب في البلاد، والممثل لكافة المناطق والمكونات الاجتماعية، بينما تتعرض باقى الأجسام السياسية لانتقادات موضوعية لاعتبارات تتعلق بانقضاء فترة واليتها الدستورية.
وسعت مصر وفرنسا لمعالجة الإشكاليات التي تقوض فعالية البرلمان الليبي، فكانت جولات القاهرة لتوحيد البرلمان وجمع كافة أعضاؤه، وكانت الجهود الفرنسية لحشد الدعم الأوروبي لمساندة جهود البرلمان الليبي.
وتلعب القاهرة وباريس دوًرا بناء في حفظ السلام ووقف القتال بأغلب دوائر الصراعات المشتعلة في الشرق الأوسط، ففي ليبيا تتمسك الدولتان بالحل السياسي للأزمة وترفضان عودة العمليات العسكرية كمسار لحلها، كما تتصديان وبحزم لعمليات تهريب الأسلحة ونقل العناصر الإرهابية والمرتزقة، وأية محاولات للتدخل المزعزع لاستقرار الدولة الليبية أو يهدد بتقسيمها أو سقوط مؤسساتها.
وسعًيا لوقف الأنشطة العابثة باستقرار ليبيا، أعلنت مصر وفرنسا رفضهما التام للتدخلات الدولية المعطلة لجهود التسوية، أو سيطرة المليشيات والتنظيمات المسلحة على العاصمة الليبية طرابلس والمؤسسات الوطنية، كما التزمتا بدعوة المجتمع الدولي لوقف عمليات تهريب الأسلحة ونقل المرتزقة والعناصر الإرهابية الى ليبيا، وبذلتا جهوًدا أكثر فعالية في هذا الشأن، ففرنسا تشارك بالعملية الأوروبية "إيريني" -ومن قبلها العملية "صوفيا" التابعة لحلف الناتو- لفرض حظر التسليح على ليبيا، كما أعلنت مصر منطقة سرت-الجفرة خطا أحمر، ما أوقف تحركات التنظيمات الإرهابية والمليشيات لإشعال الصراع بحقول النفط شرًقا
كما قاد المحور المصري الفرنسي جولات موسعة لتسوية الأزمة الليبية، واستقبلتا ممثلي الأطراف والمناطق والمؤسسات كافة للوقوف على حل شامل يضمن تسوية الصراع سلمًيا، ويحفظ للشعب الليبي حقوقه وثرواته، وينهي محاولات السطو على ليبيا أو مساعي تحويلها لبؤرة تمركز وانتشار للتنظيمات الإرهابية بشمال افريقيا وجنوب المتوسط.
ويعكس ذلك الاتصالات الموسعة مع أعضاء المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق والبرلمان الليبي ومجلس الدولة، والتشارك مع الأطراف الدولية لرسم ملامح حل الصراع، في مبادرة باريس)2017 )ولقاءات القاهرة وصلا لمسار برلين )يناير2020.
ورفضت مصر وفرنسا محاولات السطو على مقدرات الشعب الليبي، ورفضتا الاتفاقيات التركية التي تستهدف انتهاك حقوق دول شرق المتوسط في مياها الإقليمية، ودعمتها تدشين منظمة غاز شرق المتوسط كآلية تعاونية لإدارة ملف الطاقة بالمنطقة؛ لقطع الطريق أمام تحركات أنقرة المزعزعة ألمن المنطقة، الاستنزاف النفط الليبي لصالحها، وهو ما تجلي أيضأ في تصدي البحرية الفرنسية لمحاولات السفن التركية نقل وتهريب الأسلحة إلى ليبيا.
ترى القاهرة وباريس أن حل الأزمة الليبية يستدعي تهيئة المناخ للشعب الليبي لتقرير مستقبله، والتصدي ألية محاولات ُمعطلة لجهود التسوية، وفًقا لما لابتزازه او إرغامه على مسار بعينه، لذلك تجتهدا لوقف التدخلات الخراجية ال أشرنا سابًقا، وتحاول كلا منهما تقريب وجهات نظر الفرقاء، وقد عكست زيارة وزير الداخلية بحكومة الوفاق "فتحي باشاغا" إلى القاهرة وباريس محورية الطرفين في دعم الاستقرار في ليبيا، وهو ما جاء استكمالا للعديد من المبادرات والاتفاقيات التي قدمتها ورعتها العاصمتين
وترتبط التسوية في ليبيا بشكل أساسي بقدرة ورغبة الأطراف التي تصارعت لُقرابة عقد من الزمن على الوقوف على أرضية وطنية مشتركة، تضمن إعادة الاستقرار ووقف العنف، والتصدي للأنشطة الإرهابية والمتطرفة التي تستهدف جعل ليبيا قاعدة لانتشار الإرهاب وعناصره اقليمًيا، كذلك البحث في تخفيض المعاناة التي يدفع ثمنها المواطنون الذين يواجهون خطر الإرهاب والعنف ونقص الخدمات والسيولة، بالتزامن مع انتشار جائحة عالمية عقدت من المشهد العالمي وحالت دون استمرار جهود الإغاثة والدعم.
وتعكس دعوة الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" لنظيره "عبد الفتاح السيسي" حجم التفاهم حول الملفات الإقليمية بين الإدارتين، وستستكمل القاهرة وباريس جهودهما لتفكيك المعضلة الليبية وتحييد كافة العوامل التي تعوق حلها، وُيرجح أن تخرج القمة المصرية الفرنسية داعمًة لجهود التسوية التي ترعاها الأمم المتحدة للحوار، كما سيكون التصدي للاستفزازات التركية بشرق المتوسط والمتصلة بزعزعة استقرار ليبيا ملًفا مطروًحا على أجندة القمة، والتي يترقبها المتابعون للشأن الليبي لما تحمله من مواقف مؤثرة ستنعكس على مسارات التسوية بشكل كبير