السيدة زينب ابنة النبى تصل إلى المدينة.. ما يقوله التراث الإسلامى

السبت، 05 ديسمبر 2020 05:00 م
السيدة زينب ابنة النبى تصل إلى المدينة.. ما يقوله التراث الإسلامى  كتاب البداية والنهاية
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان من نتائج معركة بدر الكبرى، خروج السيدة زينب ابنة النبى عليه الصلاة والسلام، وذهابها إلى المدينة المنورة، لكن ذلك لم يحدث بسهولة، فما الذى يقوله التراث الإسلامي في ذلك؟

يقول كتاب البداية والنهاية لـ الحافظ ابن كثير تحت عنوان "قدوم زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، 

قال ابن إسحاق: ولما رجع أبو العاص إلى مكة، وقد خلى سبيله - يعنى: كما تقدم - بعث رسول الله ﷺ زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار مكانه فقال: "كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصاحباها فتأتيانى بها".
فخرجا مكانهما وذلك بعد بدر بشهر - أو شيعه - فلما قدم أبو العاص مكة أمرها باللحوق بأبيها فخرجت تجهز.
قال ابن إسحاق فحدثنى عبد الله بن أبى بكر قال: حدثت عن زينب أنها قالت: بينا أنا أتجهز لقيتنى هند بنت عتبة فقالت: يا ابنة محمد ألم يبلغنى أنك تريدين اللحوق بأبيك؟
قالت: فقلت: ما أردت ذلك.
فقالت: أى ابنة عم لا تفعلي، إن كان لك حاجة بمتاع مما يرفق بك فى سفرك أو بمال تتبلغين به إلى أبيك فإن عندى حاجتك فلا تضطبنى منى فإنه لا يدخل بين النساء ما بين الرجال.
قالت: والله ما أراها قالت ذلك إلا لتفعل.
قالت: ولكنى خفتها فأنكرت أن أكون أريد ذلك.
قال ابن إسحاق: فتجهزت فلما فرغت من جهازها قدم إليها أخو زوجها كنانة بن الربيع بعيرا فركبته وأخذ قوسه وكنانته، ثم خرج بها نهارا يقود بها وهى فى هودج لها، وتحدث بذلك رجال من قريش، فخرجوا فى طلبها حتى أدركوها بذى طوى وكان أول من سبق إليها هبار بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى الفهرى فروعها هبار بالرمح وهى فى الهودج، وكانت حاملا فيما يزعمون فطرحت وبرك حموها كنانة ونثر كنانته.
ثم قال: والله لا يدنو منى رجل إلا وضعت فيه سهما فتكركر الناس عنه.
وأتى أبو سفيان فى جلة من قريش فقال: يا أيها الرجل كف عنا نبلك حتى نكلمك، فكفَّ فأقبل أبو سفيان حتى وقف عليه فقال: إنك لم تصب خرجت بالمرأة على رؤوس الناس علانية وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا وما دخل علينا من محمد، فيظن الناس إذ خرجت بابنته إليه علانية على رؤوس الناس من بين أظهرنا إن ذلك عن ذل أصابنا وإن ذلك ضعف منا ووهن ولعمرى ما لنا بحبسها من أبيها من حاجة وما لنا من نؤرة.
ولكن ارجع بالمرأة حتى إذا هدأت الأصوات وتحدث الناس أن قد رددناها فسلها سرا وألحقها بأبيها، قال: ففعل.
وقد ذكر ابن إسحاق: أن أولئك النفر الذين ردوا زينب لما رجعوا إلى مكة قالت هند تذمهم على ذلك:
أفى السلم أعيارا جفاءً وغلظةً * وفى الحرب أشباه النساء العوارك
وقد قيل: إنها قالت ذلك للذين رجعوا من بدر بعد ما قتل منهم الذين قتلوا.
قال ابن إسحاق: فأقامت ليال حتى إذا هدأت الأصوات خرج بها ليلا حتى أسلمها إلى زيد بن حارثة وصاحبه فقدما بها ليلا على رسول الله ﷺ.
وقد روى البيهقى فى (الدلائل): من طريق عمر بن عبد الله بن عروة ابن الزبير، عن عروة، عن عائشة فذكر قصة خروجها وردهم لها ووضعها ما فى بطنها وإن رسول الله ﷺ بعث زيد بن حارثة وأعطاه خاتمه لتجيء معه فتلطف زيد فأعطاه راعيا من مكة فأعطى الخاتم لزينب فلما رأته عرفته فقالت: من دفع إليك هذا؟
قال: رجل فى ظاهر مكة، فخرجت زينب ليلا فركبت وراءه حتى قدم بها المدينة.
 
قال: فكان رسول الله ﷺ يقول: "هى أفضل بناتى أصيبت فيَّ".
قال: فبلغ ذلك على بن الحسين بن زين العابدين فأتى عروة فقال: ما حديث بلغنى أنك تحدثته؟
فقال عروة: والله ما أحب أن لى ما بين المشرق والمغرب وأنى انتقص فاطمة حقا هو لها، وأما بعد ذلك فلك أن لا أحدث به أبدا.
قال ابن إسحاق: فقال فى ذلك عبد الله بن رواحة أو أبو خيثمة أخو بنى سالم بن عوف.
قال ابن هشام: هى لأبى خيثمة:
أتانى الذى لا يقدر الناس قدره * لزينب فيهم من عقوق ومأثم
وأخراجها لم يخز فيها محمد * على مأقط وبيننا عطر منشم
وأمسى أبو سفيان من حلف ضمضم * ومن حربنا فى رغم أنف ومندم
قرنا ابنه عمرا ومولى يمينه * بذى حلق جلد الصلاصل محكم
فأقسمت لا تنفك منا كتائب * سراة خميس من لهام مسوم
نزوع قريش الكفر حتى نعلها * بخاطمة فوق الأنوف بميسم
ننزلهم أكناف نجد ونخلة * وإن يتهموا بالخيل والرجل نتهم
يدى الدهر حتى لا يعوج سردنا * ونلحقهم آثار عاد وجرهم
ويندم قوم لم يطيعوا محمدا * على أمرهم وأى حين تندّم
فأبلغ أبا سفيان إما لقيته * لئن أنت لم تخلص سجودا وتسلم
فأبشر بخزى فى الحياة معجل * وسربال قار خالدا فى جهنم
قال ابن إسحاق: ومولى يمين أبى سفيان الذى عناه الشاعر هو عامر بن الحضرمي.
 
وقال ابن هشام: إنما هو عقبة بن عبد الحارث بن الحضرمي، فأما عامر بن الحضرمى فإنه قتل يوم بدر.
قال ابن إسحاق: وقد حدثنى يزيد بن أبى حبيب، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن سليمان بن يسار، عن أبى إسحاق الدوسي، عن أبى هريرة.
قال: بعث النبى ﷺ سرية أنا فيها فقال: "إن ظفرتم بهبار بن الأسود والرجل الذى سبق معه إلى زينب فحرقوهما بالنار".
فلما كان الغد بعث إلينا فقال: "إنى قد كنت أمرتكم بتحريق هذين الرجلين إن أخذتموهما، ثم رأيت أنه لا ينبغى لأحد أن يحرق بالنار إلا الله عز وجل، فإن ظفرتم بهما فاقتلوهما".
تفرد به ابن إسحاق وهو على شرط (السنن) ولم يخرجوه.
وقال البخاري: حدثنا قتيبة، ثنا الليث، عن بكير، عن سليمان بن يسار، عن أبى هريرة أنه قال: بعثنا رسول الله ﷺ فى بعث فقال: "إن وجدتم فلانا وفلانا فاحرقوهما بالنار".
ثم قال حين أردنا الخروج: "إنى أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا وأن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموها فاقتلوهما".
وقد ذكر ابن إسحاق أن أبا العاص أقام بمكة على كفره واستمرت زينب عند أبيها بالمدينة حتى إذا كان قبيل الفتح خرج أبو العاص فى تجارة لقريش، فلما قفل من الشام لقيته سرية فأخذوا ما معه وأعجزهم هربا وجاء تحت الليل إلى زوجته زينب فاستجار بها فأجارته.
فلما خرج رسول الله ﷺ لصلاة الصبح وكبر وكبر الناس صرخت من صفة النساء: أيها الناس إنى قد أجرت أبا العاص ابن الربيع، فلما سلًّم رسول الله ﷺ أقبل على الناس فقال: "أيها الناس هل سمعتم الذى سمعت".
قالوا: نعم!
قال: "أما والذى نفس محمد بيده ما علمت بشيء حتى سمعت ما سمعتم وإنه بجير على المسلمين أدناهم".
ثم انصرف رسول الله ﷺ فدخل على ابنته زينب فقال: "أى بنية أكرمى مثواه ولا يخلصن إليك فإنك لا تحلين له".
قال: وبعث رسول الله ﷺ فحثهم على رد ما كان معه فردوه بأسره لا يفقد منه شيئا فأخذه أبو العاص، فرجع به إلى مكة فأعطى كل إنسان ما كان له ثم قال: يا معشر قريش هل بقى لأحد منكم عندى مال لم يأخذه؟
قالوا: لا فجزاك الله خيرا فقد وجدناك وفيا كريما.
قال: فإنى أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، والله ما منعنى عن الإسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أنى إنما أردت أن آكل أموالكم، فلما أداها الله إليكم وفرغت منها أسلمت.
ثم خرج حتى قدم على رسول الله ﷺ.
قال ابن إسحاق: فحدثنى داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ردَّ عليه رسول الله ﷺ زينب على النكاح الأول ولم يحدث شيئا بعد ست سنين.
وهذا الحديث قد رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذى وابن ماجه من حديث محمد بن إسحاق.
وقال الترمذي: ليس بإسناده بأس ولكن لا نعرف وجه هذا الحديث ولعله قد جاء من قبل حفظ داود بن الحصين.
وقال السهيلي: لم يقل به أحد من الفقهاء فيما علمت وفى لفظ ردها عليه رسول الله ﷺ بعد ست سنين، وفى رواية بعد سنتين بالنكاح الأول رواه ابن جرير، وفى رواية لم يحدث نكاحا.
 
وهذا الحديث قد أشكل على كثير من العلماء فإن القاعدة عندهم أن المرأة إذا أسلمت وزوجها كافر فإن كان قبل الدخول تعجلت الفرقة وإن كان بعده انتظر إلى انقضاء العدة فإن أسلم فيها استمر على نكاحها، وإن انقضت ولم يسلم انفسخ نكاحها.
وزينب رضى الله عنها أسلمت حين بعث رسول الله ﷺ وهاجرت بعد بدر بشهر وحرم المسلمات على المشركين عام الحديبية سنة ست، وأسلم أبو العاص قبل الفتح سنة ثمان، فمن قال ردَّها عليه بعد ست سنين، أي: من حين هجرتها فهو صحيح، ومن قال بعد سنتين أي: من حين حرمت المسلمات على المشركين فهو صحيح أيضا.
وعلى كل تقدير فالظاهر انقضاء عدتها فى هذه المدة التى أقلها سنتان من حين التحريم أو قريب منها، فكيف ردَّها عليه بالنكاح الأول؟
فقال قائلون: يحتمل أن عدتها لم تنقض وهذه قصة يمين يتطرق إليها الاحتمال، وعارض آخرون هذا الحديث بالحديث الأول الذى رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه من حديث الحجاج بن أرطأة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رسول الله ﷺ ردَّ بنته على أبى العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد.
قال الإمام أحمد: هذا حديث ضعيف واهٍ، ولم يسمع الحجاج من عمرو بن شعيب إنما سمعه من محمد بن عبيد الله العرزمي، والعرزمى لا يساوى حديثه شيئا.
والحديث الصحيح الذى روى أن النبى ﷺ أقرها على النكاح الأول.
وهكذا قال الدارقطني: لا يثبت هذا الحديث والصواب حديث ابن عباس أن رسول الله ﷺ ردَّها بالنكاح الأول.
وقال الترمذي: هذا حديث فى إسناده مقال والعمل عليه عند أهل العلم أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها ثم أسلم زوجها أنه أحق بها ما كانت فى العدة وهو قول مالك والأوزاعى والشافعى وأحمد وإسحاق.
 
وقال آخرون: بل الظاهر انقضاء عدتها، ومن روى أنه جدد لها نكاحا فضعيف ففى قضية زينب والحالة هذه دليل على أن المرأة إذا أسلمت وتأخر إسلام زوجها حتى انقضت عدتها فنكاحها لا ينفسخ بمجرد ذلك بل يبقى بالخيار إن شاءت تزوجت غيره وإن شاءت تربصت وانتظرت إسلام زوجها أي: وقت كان وهى امرأته ما لم تتزوج، وهذا القول فيه قوة وله حظ من جهة الفقه والله أعلم.
ويستشهد لذلك بما ذكره البخارى حيث قال: نكاح من أسلم من المشركات وعدتهن: حدثنا إبراهيم بن موسى، ثنا هشام، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس: كان المشركون على منزلتين من رسول الله ﷺ والمؤمنين، كانوا مشركى أهل الحرب يقاتلونهم ويقاتلونه ومشركى أهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه.
فكان إذا هاجرت امرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر فإذا طهرت حل لها النكاح، فإن هاجر زوجها قبل أن تنكح رُدَّت إليه وإن هاجر عبد منهم أو أمة فهما حران ولهما ما للمهاجرين.
ثم ذكر أهل العهد مثل حديث مجاهد هذا لفظه بحروفه، فقوله: فكان إذا هاجرت امرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر يقتضى أنها كانت تستبرئ بحيضة ولا تعتد بثلاثة قروء.
وقد ذهب قوم إلى هذا وقوله: فإن هاجر زوجها قبل أن تنكح رُدَّت إليه يقتضى أنه وإن هاجر بعد انقضاء مدة الإستبراء والعدة أنها ترد إلى زوجها الأول ما لم تنكح زوجا غيره كما هو الظاهر من قصة زينب بنت النبى ﷺ وكما ذهب إليه من ذهب من العلماء، والله أعلم.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة