بخطوات واثقة، استطاعت الدولة المصرية علي مدار السنوات القليلة الماضية العودة إلي الريادة علي صعيد الداخل والخارج، فما بين تنمية شاملة تمتد لكافة ربوع مصر، وما بين دور إقليمي ودولي رائد في ملفات عدة، قدمت القاهرة نموذجاً في إعادة البناء والعودة لصدارة المشهد، لتتجنب بذلك مصير "الدول الفاشلة".
ويمكن تحديد مسيرة الدولة المصرية منذ سقوط حكم الإخوان وتسلم الرئيس عبدالفتاح السيسي مقاليد الحكم فى عام 2014، بعد ثورة شعبية وانتخابات تاريخية، بأنها مسيرة تنمية، كان العام 2020 فيها بمثابة عام "جني الثمار".
ولا تكفي ست سنوات للحكم بموضوعية على نظام حكم تسلم إدارة دولة تعرضت لهزة عنيفة ومحنة سياسية واقتصادية قاسية عقب ثورتين تخللتهما موجات إرهابية تصاعدت في ظل غياب وانهيار لمؤسسات فرض النظام والأمن.. كان ذلك هو مشهد مصر قبل تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي لمقاليد الحكم في منتصف عام 2014 حتى أن غالبية مراكز الدراسات والأبحاث الغربية كانت توقعاتها للدولة المصرية تنحصر في أنها تقترب من مصير الدولة الفاشلة وهو المفهوم الذي ظهر لأول مرة عام 1993عبر دراسة تناولت انهيار الدولة الصومالية.
ونشرت في مجلة السياسية الخارجية الأمريكية وحددت المقصود من مصطلح "الدولة الفاشلة"، باعتبارها الدول التي لا تستطيع أن تلعب دورا ككيان ولم تعد قادرة على القيام بوظائفها الأساسية فكلما ضعفت الدولة عن القيام بواجباتها السيادية ، وعجزت عن توفير الخدمات العامة وتراجعت قدرتها على بسط نفوذها على حدودها وأراضيها و انتشرت مظاهر التفكك والانهيار الحكومي كلما باتت الدولة أقرب إلى الفشل.
وفق المؤشرات السياسية: كانت مصر تعاني من خلل عام في أداء الدولة خلال عام حكم الإخوان، فقد حاولت الجماعة المصنفة إرهابيا في أكثر من دولة أن تستولي على مفاصل ومؤسسات الدولة وانشغلت بعملية أخونتها والاعتداء على القانون والقواعد الدستورية المستقرة في مصر عبر إعلانات دستورية سعت لتأسيس ديكتاتورية الجماعة وواصلت حلقة الديكتاتورية بإصدار دستور معيب لم يحظ بأي حوار مجتمعي يسعى لاقتسام السلطة بين أجنحة الجماعة بين رئاسة وبرلمان يسيطر عليهما مكتب إرشاد الجماعة وسط حالة من تديين المجال العام واستغلال المشاعر الدينية في حسم معارك سياسية وهو ما هدد في الصميم دولة ، المواطنة وأصاب النسيج الاجتماعي المصري بشرخ عميق وضغط على أعصاب الدولة وأطرافها بمحاولة الإخوان فرض مخطط التمكين.
ووفق المؤشرات الاقتصادية، عجزت الدولة خلال عام حكم الإخوان عن القيام بأي عمليات تنمية أو إصلاحات وهو ما أثر بشكل سلبي على المؤشرات الاقتصادية. واعتمد الإخوان على الدعم المالي القطري في ظل حالة مقاطعة فرضها وجودهم في حكم مصر لدى دول عربية وخليجية ترفض التعامل معهم. كما أصيبت مرافق الدولة الحيوية بحالة من الضعف والتفكك وهو ما أدى إلى حالة شلل كامل في قدرة الدولة ،كما أصيبت مرافق الدولة الحيوية بحالة من الضعف والتفكك على تقديم خدماتها الطبيعية مثل توصيل الطاقة الكهربائية للمنازل وإمداد السيارات بالوقود وتوفير السلع التموينية في المجمعات التجارية والأسواق التي شهدت نقصا حادا في كل السلع الضرورية، بالإضافة إلى العجز المالى الضخم بسبب تراجع مدخلات السياحة والأنشطة التجارية والتصديرية للدولة وهو ما كان التعافي منه يحتاج لعلاج حاسم وعاجل يمتد لسنوات.
ووفق المؤشرات الاجتماعية، كانت ملامح الدولة المصرية قبل ثورة 30 يونيو تصاعد الضغوط الديموغرافية، ويعبر عنه بارتفاع كثافة السكان في الدولة، وانخفاض نصيب الأفراد في المجتمع من الاحتياجات الأساسية، مع تزايد حركة اللاجئين بشكل كبير إلى خارج الدولة، أو تهجير عدد من السكان في منطقة داخل الدولة بشكل قسري، مع انتشار ظاهرة هروب العقول والكفاءات.
وكانت الجماعات الإرهابية أكثر المستفيدين من حالة ضعف الدولة، وهو ما مثل خطورة مضاعفة على الدولة المصرية. وظهر تخطيط جماعات مثل داعش لإدارة مرحلة ما بعد انهيار الدولة وفق مفهوم إدارة التوحش التي وضعها أبو بكر ناجي أحد منظري الجماعة الإرهابية المجهولين وطبقته داعش في المناطق التي خضعت لاحتلالها في سوريا والعراق.
ويعتمد مخطط داعش في تطبيقه على تنفيذ ثلاث مراحل للتمكين وهي مرحلة شوكة النكاية والإنهاك للدولة القائمة، ثم مرحلة إدارة التوحش، ثم مرحلة شوكة التمكين - أو قيام الدولة. ويقوم المخطط بشكل رئيسي على استغلال فوضى ما بعد إسقاط السلطة الحاكمة ومعاناة السكان من نقص السلع والخدمات وغياب أدوات تنفيذ القانون ، فتتقدم المليشيات الإرهابية المسلحة لتحل محل السلطة المنهارة الغائبة ويقيم الإمارة الإسلامية ، ويطبق الشريعة وفق منظوره الخاص.
وبذلك اكتملت دائرة الخطر على مصر ما بين انهيار سياسي واقتصادي وتربص إرهابي إقليمي تجسد في المواجهات التي أعقبت فض بؤرتي رابعة والنهضة . وما نتج عنها من انتشار وتمدد العمليات الإرهابية في ظل دعم خارجي لا ينقطع عن تلك الجماعات ، وسعي محموم لإسقاط الدولة المصرية واستغلال نقاط ضعفها .
وفي ظل تلك الظروف تسلم الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم واتضح أنه وضع خطة لاستعادة الدولة كهدف أولي تمر عبر مسارين متوازيين، الأول هو استعادة وتقوية مؤسسات الدولة المصرية وحمايتها من الانهيار والفشل ومكافحة الإرهاب واثبات وجود الدولة وقدرتها على المواجهة. وكان التركيز بشكل عاجل على استعادة الدولة لقدراتها الأمنية لمواجهة الأخطار المحيطة بها خارجيا وداخليا بتقوية دور القوات المسلحة والشرطة المدنية ، وفرض الأمن بشكل سريع وحاسم، وتشكيل حكومة من الكفاءات الوطنية لاستعادة قدرة الدولة على توفير خدماتها للمواطنين، والبدء في حل أزمة انقطاع التيار الكهربائي وإمداد محطات البنزين بالوقود وفق خطة واضحة طويلة المدى لمنع أي تعطيل لمسار تقديم الخدمة للمواطن بالتزامن مع الإعلان عن أول مشروع قومي كبير وهو قناة السويس الجديدة والانتهاء منها في ظرف عام واحد لاستعادة قدرة الدولة على العمل والبناء بمشروع كبير ومؤثر ثم تبعها عدد من المشروعات القومية الكبرى مثل البدء في حفر انفاق تحت قنة السويس لربط سيناء مرة أخرى بالدلتا وإنهاء عزلتها بشكل عملى وبدء عمليات التنمية فيها.
ومع التقدم في استعادة الدولة لكفاءتها وقدرتها على العمل بدأت الدولة في استكمال بنائها الدستوري والتشريعي بانتخابات لمجلس النواب 2015 ظهر فيها هندسة جديدة للعمل السياسي مبني على ضمان تمثيل المرأة والأقباط والشباب نيابيا؛ حتى تشارك كل فئات الشعب في عمليات التشريع والرقابة.
وخلال تلك الفترة بدأت الدولة، عددا من الإصلاحات الاجتماعية العاجلة، وأهمها وضع استراتيجية لمكافحة الفساد والبدء في إصلاح وتطوير الخطاب الديني، مع استعادة النسيج الاجتماعي لوحدته فكانت زيارة الرئيس السيسي للكاتدرائية للتهنئة بعيد الميلاد كأول رئيس مصري يقوم بها، وهو ما عالج آثار سنوات الفوضى على المسيحيين المصريين. مع وضع خطة عاجلة للإصلاح الاقتصادي توفر مناعة للاقتصاد المصري في مواجهة ضد أي هزات اقتصادية طارئة أو مفاجئة وتمكنه من استعادة مؤشرات نموه مرة أخرى.
وتحركت الدولة ووفرت برامج حماية لاحتواء الآثار السلبية على المواطن جراء تلك القرارات الصعبة ثم انتقلت الدولة إلى مرحلة وضع استراتيجية تنطلق من تحقيق أهداف الألفية التي وضعتها الأمم المتحدة لتحقيق الحق في التنمية كأحد حقوق الإنسان والذي تمت ترجمته إلى تعميم مفهوم جودة المعيشة.
وفى فبراير 2016 أعلنت عن رؤية مصر 2030 والتي عكست فكرا طموحا لدى الدولة المصرية لتحقيق مبادئ وأهداف التنمية المستدامة في كل المجالات، وتوطينها بأجهزة الدولة المصرية المختلفة وتعكس الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة وهي البعد الاقتصادي والبعد الاجتماعي والبعد البيئي.
ووفق البيانات المتاحة على موقع الرئاسة المصرية فإن الدولة قررت في مطلع عام 2018 تحديث أجندتها للتنمية المستدامة بمشاركة كافة أصحاب المصلحة من شركاء التنمية وذلك لمواكبة التغييرات التي طرأت على السياق المحلي والإقليمي والعالمي، مع التركيز على الارتقاء بجودة حياة المواطن المصري وتحسين مستوى معيشته في مختلف نواحي الحياة وذلك من خلال التأكيد على ترسيخ مبادئ العدالة والاندماج الاجتماعي مع تحقيق نمو اقتصادي مرتفع واحتوائي ومستدام مع تعزيز الاستثمار في البشر لوقف عملية هروب الكفاءات والعقول المصرية إلى الخارج ، مع إعطاء أهمية لمواجهة الآثار المترتبة على التغيرات المناخية من خلال وجود نظام بيئي متكامل ومستدام يعزز المرونة والقدرة على مواجهة المخاطر الطبيعية.
وبدأت الخطة بتطبيق خطة لحوكمة مؤسسات الدولة والمجتمع من خلال الإصلاح الإداري وترسيخ الشفافية، ودعم نظم المتابعة والتقييم وتمكين الإدارات المحلية. وبدأت الدولة في العمل على إنشاء عاصمة إدارية جديدة ضمن حزمة مشروعات تنموية بهدف مد التطوير والتحديث لكل مناحي حياة المواطن وترجمة مفهوم جودة الحياة بشكل يلمسه المواطن العادي في حياته اليومية.
ذلك الانشغال الكبير بقضية البناء لم يوقف عملية مكافحة الإرهاب والذي حققت فيه مصر نجاحا كبيرا بفضل قدراتها الأمنية المتطورة والتضحايات العديدة التي قدمتها القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، فيما بدأت تتسع دائرة مكافحة الإرهاب إلى كشف شبكات تمويل ودعم تلك الجماعات سواء بالاموال أو الغطاء الإعلامي ، وانضمت إلى تحالفات إقليمية معنية بمكافحة الإرهاب والتنمية مثل الشراكة الثلاثية المصرية العراقية الأردنية.
وتوسعت مصر في الاستفادة من ثرواتها المعدنية الموجودة على حدودها البحرية سواء الموجودة في البحر المتوسط أو في البحر الأحمر باتفاقيات لترسيم الحدود البحرية مبنية على قواعد الشرعية الدولية والمبادئ المستقرة لدى الأمم المتحدة. وشكلت مع اليونان وقبرص وفرنسا تحالفا جديدا لحماية ثروات غاز المتوسط من التحرشات التركية غير القانونية، فيما أنشأت مصر منظمة دول غاز المتوسط والتي يتوقع لها الخبراء أن تتحول إلى منظمة أوبك للغاز للتحكم في أسعار الغاز وتحول مصر إلى مركز إقليمي للطاقة.
إلا أن الملمح الأهم في خطة استعادة الدولة المصرية هو استعادة دورها الإقليمي المهم والمؤثر في محيطها العربي والأفريقي والدولي، والذي ظهر عبر الدعم التنموي الذي تقدمه مصر لخطط التنمية في أفريقيا وأهمها إنشاء الشركات المصرية مشروع سد ومحطة "جوليوس نيريري" الكهرومائية في تنزانيا واهتمام مصر بشراكتها الاقتصادية مع دول الاتحاد الأفريقي والتزامها في حل نزاعها مع إثيوبيا حول مخاطر سد النهضة على حقوق مصر المائية بقواعد الشرعية الدولية والالتزام بنهج الاتحاد الأفريقي التفاوضي.
ثم كان التدخل لحماية الدولة الليبية من الأثر المدمر للتدخلات الأجنبية وانتشار الجماعات المسلحة بشكل يهدد مستقبل ليبيا وبدأت مصر في إطلاق ما يمكن أن يطلق عليه دبلوماسية الخطوط الحمراء أمام المشروع التوسعي التركي الذي يحاول النيل من مقدرات الشعب الليبي، واستدامة النزاعات بين اطرافة لتحقيق مصالحة الخاصة.
وفق تلك المعطيات يمكن القول إن مصر أصبح لديها تجربة نمو يمكن تطبيقها في الدول التي مرت بنفس الظروف وأن التجربة نجحت نتيجة ما قدمه المصريون من تضحيات من أجل استعادة الدولة وقدرتها على النمو الاقتصادى بشكل يتوافق مع تطور المجتمع المصري وبشكل يسمح بأن تنخرط مصر بسهولة في الاقتصاد العالمي الجديد وفق محددات وآليات تنطلق من تحقيق مصالح مصر وكذلك مشهد امتلاكها لقدرات جديدة عسكرية وتنموية تمكنها من مواجهة تحدياتها الداخلية والإقليمية والدولية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة