السياسة لعبة فيها المكسب مطروح والخسارة متوقعة، لا مكسب دائم ولا خسارة مستمرة، هى انتقال بين مراحل ومربعات مختلفة حسب قدراتك وما قدمته أو حققته، المهم أن تدرك دائماً أنك تلعب سياسة.
وتحترم قواعدها، وتقتنع انها ليست بالمزاج، بمعنى أنها ليست دائمة لك، وليس مضمونا أن تكون دائما فى صالحك، فالسياسة " قلابة"، والأهم أنك لا تمتلك الحقيقة المطلقة ولا تحتكر المبادئ ولا تسيطر على العقول ولست أفضل من غيرك إلا بما تقدمه للناس حقا ويشعرون به
السياسى الحقيقى هو من يدرك تماما يوم الخروج أو لحظة الهزيمة ويتوقعها ويعمل حسابها ويستعد لها بقدر ما يستعد للنجاح ويتباهى به لأنه إذا ظن أنه سيظل ناجحا فهو موهوم وإذا تخيل أنه سيظل يخدع الناس ويزايد عليهم فهو فى الحقيقة لا يخدع إلا نفسه..
ومن شروط العمل السياسى أنك كما تحتفى بالفوز وتراه حقا لك، أن تعترف أيضا بالهزيمة وتراها نصيبك وجزاء ما قدمت يداك دون أن تشوه الآخرين أو تطعن فى الجميع لمجرد أن الناس لم يمنحوك صك الفوز.
شيء من هذا حدث وتابعناه خلال الأسابيع الماضية عندما أظهرت نتائج جولة الإعادة خروج بعض النواب المنتمين لمجموعة محددة من السباق وخسارتهم للانتخابات البرلمانية، فقد وجدنا صفحات السوشيال ميديا التابعة لهم ولأنصارهم، وللأسف أغلبهم من المثقفين، فجأة تحولت إلى مندبة سياسية وطعن فى العملية الانتخابية برمتها والهيئة الوطنية
للانتخابات، واتهامات وتلميحات سوداء بالتزوير والفساد رغم ان نفس الصفحات تقريبا هى التى كانت تشيد قبل ساعات بالانتخابات لأن مرشحين اخرين ينتمون لنفس المجموعة نجحوا ونالوا عضوية البرلمان، ففى زمن قصير للغاية، أصبحنا وفقا لتلك الصفحات أمام انتخابات نزيهة فى الدوائر التى فاز فيها مرشحوهم وانتخابات مزورة فى الدوائر التى سقط فيها مرشحوهم، رغم أنها نفس الهيئة التى تدير العملية الانتخابية ونفس القضاة المشرفين ونفس القواعد والضوابط ونفس أطراف العملية الانتخابية وفرز الأصوات وإعلان النتائج، لكن كل هذا لا يعنيهم، فالنزاهة عندهم تبدأ من حيث ينجح مرشحهم ويسقط خصومهم ومنافسوهم، والسياسة فى نظرهم لا تقبل القسمة على أحد غيرهم وغير من يعبر عنهم أو يتحالف معهم.
فهم لا يعترفون بالهزيمة أبدا ولا يقرون أن الناخب هو الآن الذى يختار ويقرر مصير المرشح، وياويلك إن حاولت إقناعهم أن من اسقط مرشحهم هم الناخبون من أبناء دائرته لأنه اكتفى بالزعامة السياسية ونسى المهمة الشعبية ولم يكن قريبا منهم أو أن الناس لم ينتخبوه لأنهم لا يريدون هذا النموذج كنائب عنهم يمثلهم فى مجلس النواب، أو أن المرشح الفائز هو فعلا من امتلك الشعبية أو استطاع حشد الناس
وياسواد ليلك لو حاولت أن تشرح لهم أنه كما سقط هؤلاء المرشحون فهناك أيضا مرشحون أخرون من خصومهم سقطوا لينجح مرشحون ينتمون لنفس المجموعة، فكل هذا لا يلقى قبولا عندهم لأنهم لا يقبلون سوى بالتزوير كمبرر لسقوط مرشحيهم ولا غيره.
سقوط مرشحيهم يعنى التزوير فقط ولا احتمال آخر غير ذلك، وفكرتهم عن التزوير على قديمه، رغم ان الجميع وفى مقدمتهم المنظمات الدولية المتابعة للانتخابات والمرشحون أنفسهم يؤكدون أن كافة الظواهر السلبية التى يدعونها وعانت منها الانتخابات لعقود وكانت تستغل للإساءة للمشهد الانتخابى سابقا لم تعد موجودة الآن، فالصوت الانتخابى هو وحده الذى يحسم مصير المرشح، لكنهم لا يعترفون بهذا ولا يسمحون لأنفسهم حتى بمجرد مناقشته لأنه فى نظرهم القصير إفك وتطبيل للنظام،
مثل هؤلاء اعتبرهم مزايدين ومتنطعون على المعارضة، لان المعارضة الحقيقية هى التى تساهم فى البناء ولا تسعى للهدم والتشويه، المعارضة الحقيقية هى التى تقف مع الدولة ولا تتخندق فى جحور الأعداء طمعا فى مصالح ضيقة، او بحثا عن مكاسب تحققها بالابتزاز السياسى
المعارضة الحقيقية هى التى تعترف بالواقع حتى ولو كان ليس فى صالحها، ولو كان يعنى خسارتها ،لكن هؤلاء لا يعترفون بالواقع أصلا ولا ينظرون للحياة إلا من خلال نظاراتهم ولا يعترفون بالمائة مليون مواطن بقدر ما يؤمنون بأنفسهم وأنهم فقط من يملكون الصواب ويستحقون النجاح وتصدر المشهد
هؤلاء يقينا مهما حاولوا فلن يؤثروا على المشهد العام الذى تغير بشكل كامل فعلا وأصبح هناك واقع جديد يقوم على الشفافية والصراحة، ومن لا يرى من الغربال فهو أعمى، وهؤلاء أصابهم عمى الإبصار والقلوب التى فى الصدور ولهذا لن يروا التغيير مهما كان واضحا ولن يعترفوا به مهما كانت قناعة الغالبية العظمى بوجوده مواقع نعيشه الآن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة