شهدت العلاقات المصرية العراقية خلال السنوات الماضية تطورات نوعية في مختلف المجالات جاء في مقدمتها ملف مكافحة الإرهاب والتطرف، انطلاقًا من أهمية العراق لدى مصر واحتلاله موقع متقدم في السياسة الخارجية المصرية، بالإضافة إلى النجاحات التي حققتها الاستراتيجية المصرية بمختلف محاورها في مكافحة الإرهاب وذلك وسط محيط إقليمي شديد الاضطراب والتعقيد، ومواجهة العديد من الجماعات الإرهابية التي تضم المقاتلين العابرين للحدود، مما كان له بالغ الأثر على عدد من دول المنطقة كانت في مقدمتها العراق التي عانت من ويلات تنظيم داعش الإرهابي الذي ارتكب العديد من الفظائع والجرائم خلال فترة نشاطه هناك.
محطات التعاون
ووفق تقرير للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية نشره على موقعه الإلكتروني، فقد بدأت التحركات المصرية العراقية في ملف مكافحة الإرهاب منذ عام 2014 وهو العام الذي شهد زيادة حدة الموجة الإرهابية بالمنطقة والتي كان بطلها الرئيسي تنظيم داعش الإرهابي، إذ استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي د. خضير الخزاعي نائب رئيس جمهورية العراق في 9 يونيو 2014 ، وأكد السيد الرئيس خلالها تلك الزيارة على دعم مصر لوحدة العراق وأمنها، وأعرب الخزاعي عن تطلع بلاده إلى التعاون مع مصر في ثلاثة مجالات رئيسية وهي )مكافحة الإرهاب والتعاون الاقتصادي والتشاور السياسي(.
كما زار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مصر في 11 يناير 2015 للمرة الأولى بعد تولي منصبه، والتقى خلال تلك الزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي وناقش معه سُبل مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات في هذا المجال بحسب تصريحاته وتأكيده على أن مواجهة الإرهاب لا تقتصر على الجانب الأمني فقط، وإنما تتطلب العمل في عدة مجالات ومحاور مختلفة.
وفي 8 ديسمبر 2015 قامت السفيرة فايزة أبو النجا مستشارة رئيس الجمهورية لشؤون الأمن القومي بزيارة إلى بغداد وسلمت رئيس الوزراء العراقي رسالة شفهية من الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أكد فيها على دعم مصر الكامل لجهود العراق في مكافحة الإرهاب، وأهمية تفعيل الاتفاقيات الاستراتيجية بين كلا البلدين في المجالات المختلفة.
وفي يناير 2016 زار وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي القاهرة على رأس وفد رفيع المستوى وسلم الرئيس السيسي رسالة من الحكومة العراقية تطالب فيها بدور مصري لتحشيد الجهود الدولية والإقليمية لصالح العراق ومساندة القوات العراقية، وكشفت لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي في ذلك التوقيت عن أن الزيارة تهدف للتنسيق مع الجانب المصري بشأن تجهيز القوات العراقية بالأسلحة المختلفة وفقًا لمتطلبات الحرب على تنظيم داعش كأحد أشكال الدعم العسكري المصري للعراق لمحاربة الإرهاب، وهو الأمر الذي استجابت له القيادة المصرية بشكل سريع، إذ أعلن نصير نوري المتحدث الرسمي لوزارة الدفاع العراقية بعد شهر واحد من الزيارة عن تجهيز عدد من وحدات القوات الخاصة العراقية للتوجه للقاهرة للتدريب بوحدات الصاعقة المصرية.
وفي يوليو 2017 قام السفير سامح شكري بزيارة إلى بغداد والتقى مع عدد من القادة السياسيين العراقيين وأكد على ضرورة تعزيز التعاون بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب، وخاصة تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي يشكل خطرا على كلا الدولتين مطالبًا المجتمع الدولي بعدم استغلال الإرهاب سياسيًا، وفي أكتوبر 2017 قام رئيس الوزراء حيدر العبادي زيارة للقاهرة بهدف تعزيز التعاون الثنائي مع مصر في محاربة الإرهاب، وأكد رئيس الوزراء آنذاك شريف إسماعيل على دعم مصر لوحدة وسيادة العراق.
وخلال عام 2018 استمرت الزيارات المتبادلة بين البلدين تأكيدًا على الدعم المصري للعراق في كافة المناحي وليس الشق الأمني فقط، إذ زار المهندس إبراهيم محلب مساعد الرئيس للمشروعات القومية والاستراتيجية مدينة الموصل كأول مسؤول عربي وأجنبي يزور المدينة بعد تحريرها من الموصل ونقل تهنئة السيد الرئيس للشعب العراقي بتحرير المدينة من أيدي داعش.
كما أستقبل الرئيس السيسي إياد علاوي نائب رئيس جمهورية العراق لبحث آخر التطورات على الساحة العراقية وتطورات الوضع السياسي ومفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة، بالإضافة إلى عدد من مجالات التعاون المشترك وسبل تعزيزها لمصلحة الشعبين، كذلك استقبل الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب السيد محمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب العراقي لتنسيق التعاون بين برلماني البلدين لدفع العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين قدمًا.
عام 2019 وفتح أفاق جديدة للتعاون شهد عام 2019 تطورات هامة واستراتيجية في مستوى العلاقات بين مصر والعراق وذلك من خلال عقد القمة الثلاثية بين رؤساء مصر والعراق والأردن بمصر في مارس 2019 ، إذ استبق عقد هذه القمة اجتماع سداسيًا بالقاهرة ضم وزراء خارجية ورؤساء أجهزة المخابرات في كل من مصر والأردن والعراق وذلك بحسب ما أعلنته الخارجية المصرية، وذلك بهدف تبادل الرؤى حول أهم القضايا الإقليمية والتحديات الأمنية المشتركة التي تشغل بال المنطقة العربية وشعوبها بما في ذلك سبل استعادة الأمن والاستقرار في المنطقة .
وبحث الرئيس السيسي مع رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي سبل تعزيز التعاون في المجال الأمني ومكافحة الإرهاب، خاصة لدرء خطر انتقال العناصر الإرهابية من المقاتلين الأجانب إلى مناطق أخري بدول المنطقة، وتعزيز العمل العربي المشترك لمواجهة التحديات الإقليمية والتهديدات المشتركة، والتوصل إلى تسويات سياسية للأزمات المختلفة التي تشهدها المنطقة، والحفاظ على المؤسسات الوطنية بالدول التي تشهد هذه الأزمات، وصون سيادتها ووحدة أراضيها .
وأكد قادة الدول الثلاث في مخرجات القمة على أهمية مكافحة الإرهاب بكافة صوره ومواجهة كل من يدعم الإرهاب بالتمويل والتسليح أو توفير الملاذات الآمنة والمنابر الإعلامية، مشددين على أهمية استكمال المعركة الشاملة على الإرهاب، خاصة في ضوء الانتصار الذي حققه العراق في المعركة ضد تنظيم داعش الإرهابي، والتضحيات التي بذلها أبناء الشعب العراقي في هذا الإطار، وانتهاء السيطرة المكانية لتنظيم داعش في سوريا، مؤكدين على دعمهم الكامل للجهود العراقية لاستكمال إعادة الإعمار وعودة النازحين وضمان حقوقه وحقوق مواطنيه التي انتهكتها عصابات داعش الإرهابية التي عدتها قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية . كما أكد القادة على أهمية العمل المكثف والمنسق لتعزيز مؤسسات الدولة الوطنية الحديثة في المنطقة العربية، بوصفها الضمانة الحقيقية ضد مخاطر التشرذم والإرهاب والنعرات الطائفية والمذهبية التي تتناقض مع روح المواطنة والمؤسسات الديمقراطية وحماية استقلال البلدان العربية ومنع التدخل في شؤونها الداخلية .
التنمية والتعاون العسكري في مقدمة جهود مكافحة الإرهاب
أدى انتشار جائحة فيروس كورونا في منطقة الشرق الأوسط إلى انشغال القاهرة وبغداد بجهود مكافحتها والخروج منه بأقل الخسائر الممكنة، ولكن مع انحسار موجة انتشاره الأولى عاد الزخم بشكل قوي وفعال بين البلدين، إذ ترأس كل من دكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء المصري ونظيره العراقي مصطفى الكاظمي اجتماعات اللجنة العليا المصرية العراقية المشتركة في بغداد خلال الفترة من 28 – 31 أكتوبر، وتم خلالها التوقيع على 15 اتفاقية تفاهم وتعاون بين البلدين تغطي جوانب متعددة من التنمية الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتي تساعد بشكل كبير في جهود العراق لمكافحة الإرهاب.
ولم يقتصر الزخم على التنمية فقط وانما امتد ليشمل الجانب العسكري بصفته جانبًا أساسيًا ورئيسيً في جهود مكافحة الإرهاب، وهو ما صرح به الفريق أول الركن عبد الوهاب الساعدي رئيس جهاز مكافحة الإرهاب العراقي في حواره مع الأهرام العربي وأكد أن العراق يسعى إلى التعاون في المرحلة القادمة مع مصر من حيث تبادل المعلومات والخبرات كون الجيش المصري جيش عريق ومشهود له بالكفاءة، وأن جهاز مكافحة الإرهاب العراقي لديه من الخبرات المتراكمة في مجال مكافحة الإرهاب، وأن الجهاز يطمح أن تكون هنالك زيارات وتدريبات متبادلة في المرحلة المقبلة .
كما استقبل الرئيس السيسي في 26 نوفمبر الماضي الفريق جمعة عناد سعدون وزير الدفاع العراقي بحضور الفريق أول محمد زكى وزير الدفاع والإنتاج الحربي، وأكد الرئيس خلال اللقاء على حرص مصر على التعاون مع العراق في كافة المجالات، خاصةً الشق العسكري، وذلك في إطار ثوابت السياسة المصرية تجاه العراق الشقيق بدعمه الكامل لتجاوز كافة التحديات التي تواجهه، بما يساعده على تقوية مؤسساته الوطنية، ويحافظ على أمنه واستقراره، ويحقق التقدم والازدهار لشعب العراق الشقيق، وصرح السفير بسام راضي المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية بأن اللقاء تناول التباحث بشأن التعاون الثنائي العسكري بين البلدين في التدريبات المشتركة وتبادل الخبرات وبرامج التدريب ورفع القدرات.
وقام وزير الدفاع العراقي أثناء زيارته بحضور عدد من التدريبات العسكرية للوحدات الخاصة المصرية، وقام بزيارة تفقدية لمصنع إنتاج وإصلاح المدرعات، ومصنع 200 الحربي، وشركة أبو زعبل للصناعات المتخصصة، ومصنع 300 الحربي.
كما زار الفريق جمعة عناد الهيئة العربية للتصنيع مشيدً ا بمدى تطور تكنولوجيا التسليح بالمعدات الدفاعية التي تنتجها الهيئة، والإمكانيات والقدرات التصنيعية والتكنولوجية والكوادر البشرية المدربة وفقا لأحدث نظم التدريب الحديثة، وأوضح الفريق عبد المنعم التراس رئيس الهيئة العربية للتصنيع انه تم استعراض أوجه التعاون بين البلدين فى مجال الصناعات الدفاعية والأمنية المختلفة وأساليب تدعيمها، مشيرا إلى أهمية التدريب في العديد من المجالات وتأهيل الكوادر الفنية بجمهورية العراق بمصانع ومراكز التدريب بالهيئة، وتم توجيه الدعوة للوفد العراقي لتشكيل فريق فني عراقي لزيارة الهيئة للاطلاع على الإمكانيات المتوفرة بها.
اصطفاف لمواجهة خطر مشترك
يعد الدعم المصري للعراقي في مكافحة الإرهاب جزءً من الاستراتيجية المصرية لمكافحة الإرهاب وخاصة فيما يتعلق بمكافحة تنظيم داعش، هذا بالإضافة لدعم العراق في مواجهة بعض المخططات الإقليمية والممارسات الاستفزازية التي تستهدف أمنه القومي بشكل مباشر، والتي تقوم في جانب منها على دعم الجماعات الإرهابية والفواعل من غير الدول، وهو النموذج الذي يتضح بشكل جلي في كل من ليبيا وسوريا.
كما يستند هذا الاصطفاف على أن العراق أحد الأطراف الهامة والأساسية في محيط مصر العربي والإسلامي، مما يجعل القاهرة تسعى لدعم بغداد بشكل كامل لتكون دولة مواطنة ومؤسسات وليست دولة مذهبية أو طائفية، ومساعدة بغداد على تجاوز شبح الإرهاب وألا تكون ساحة للمناوشات أو التدخلات الإقليمية، لتكون العراق في نهاية الأمر قوة عربية إقليمية تعادل ميزان القوى الإقليمي الذي يشهد تغييرات متسارعة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة