تقدمت ليزا جوردون هاجرتى مديرة وكالة الأمن النووي الأمريكية باستقالتها من منصبها بصورة مفاجئة للبيت الأبيض وتولى مهام عملها بصورة مؤقتة نائبها الأول ويليام بوكلس اعتبارا من اليوم، وذلك بحسب بيان صدر عن الوكالة في ساعة مبكرة من صباح اليوم، جاءت استقالة مسئولة الأمن النووي الأمريكية - التي تعد أول سيدة تشغل هذا المنصب في تاريخ الولايات المتحدة - في خضم انشغال العالم بما ستفضى إليه انتخابات الرئاسة الأمريكية من نتائج لكن المقربين منها قالوا إن استقالتها من منصبها "لا علاقة له بتفاعلات السباق الرئاسي الأمريكي"، وذلك بحسب ما أورده تقرير عاجل بثته منصة / ديفنس نيوز الإخبارية الأمريكية المتخصصة في الشأن الدفاعي.
وكانت مديرة وكالة الأمن النووي الأمريكية قد تولت مهام منصبها في فبراير 2018 بقرار من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقد سبق لها العمل كمديرة لشعبة مكافحة الإرهاب بمجلس الأمن القومي الأمريكي بالبيت الأبيض لمدة خمسة أعوام في إدارتي كلينتون وبوش السابقتين قبل توليها رئاسة وكالة الأمن النووي الوطنية الأمريكية.
كما سبق للسيدة ليزا جوردون هاجرتى العمل لستة أعوام في وزارة الطاقة الأمريكية في قسم الطوارىء النووية قبل أن تنتقل إلى العمل في وكالة الأمن النووي الوطنية الأمريكية لمدة ستة أعوام تالية إلى أن أسند إليها سيد البيت الأبيض رئاسة الوكالة، وهكذا اكتسبت مسؤولة الأمن النووي الأمريكية "الطموحة" خبرة طويلة في هذا الشأن برغم أنها تعد أصلا من القادمين من القطاع الخاص الأمريكي إلى دوائر الحكومة والوكالات الفيدرالية الأمريكية ونشاطات مكافحة الإرهاب.
وتعد وكالة الأمن النووي الوطنية الأمريكية من أجهزة الأمن الأمريكية ذات الطابع الفني والتقني المشرب بجوانب دفاعية واستخباراتية، ففي الجانب الفني من عملها تتبع الوكالة لوزارة الطاقة الأمريكية، أما من ناحية التمويل فتأتي ميزانية الوكالة من "مجلس التسلح النووي الأمريكي" وهو مجلس يهيمن قادة البنتاجون على أنشطته وغالبية مقاعده، ومن الناحية العملياتية فإن عمل وكالة الأمن النووي الأمريكية يتماس بطبيعة الحال مع عمل وزارة الدفاع الأمريكية المسئولة عن ترسانة التسلح النووي للولايات المتحدة.
وفي هذا الصدد يقول الخبراء إنه إذا كانت وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون مسئولة عن تشغيل نظم إيصال وتوجيه الرؤوس النووية إلى أهدافها سواء عبر السفن أو الطائرات أو الصواريخ، فإن وكالة الأمن النووي الأمريكية تعد مسؤولة عن أعمال تطوير وصيانة وتخزين الترسانات والمواد النووية الأمريكية وتنفيذ مهام التخلص من الرؤوس النووية المنتهي عمرها الافتراضي وتأمين عمليات التخلص من مخلفات المفاعلات النووية وإدارة حركة المواد النووية المستخدمة في أغراض سلمية أو عسكرية من وإلى المفاعلات الكهربائية ومحطات التخصيب ومستودعات التخزين وسائر أوجه التأمين الفني من الانبعاثات المشعة في سائر التطبيقات النووية.
ويقول الخبراء إنه نظرا لطبيعة العمل "التداخلية" لوكالة الأمن النووي الأمريكية فإنه لا يمكن اعتبارها من زاوية المهام والنشاط "وكالة مستقلة" عن باقي وكالات وأجهزة الدولة الأمريكية، وبرغم ذلك يتم تعيين المسؤول الأول عن وكالة الأمن النووي الأمريكية بقرار رئاسي، وبرغم ذلك لا يرتبط استمرار مدير الوكالة في عمله من عدمه بتغير الرؤساء الأمريكيين.
وأرجع المراقبون في واشنطن سبب استقالة مديرة وكالة الأمن النووي الأمريكية إلى خلافات قيل أنها نشبت واستمرات منذ ما يقرب من عام بين السيدة هاجرتى مديرة الوكالة المستقيلة ودانيال بروليتى وزير الطاقة الأمريكي الحالي الذي سعى عبر أروقة التشريع إلى تقليص موازنة الوكالة للعام 2019 / 2020 لكن خاب مسعاه بسبب معارضة العسكريين الأمريكيين ونواب في الكونجرس الأمريكي لهذا التوجه وهو ما حسم الأمر في النهاية لصالح مديرة الوكالة المستقيلة قبل عام مضى.
لكن سرعان ما تكرر الصدام بين وزير الطاقة الأمريكية ومديرة وكالة أمن الطاقة لنفس الأسباب المتعلقة بموازنة الوكالة وذلك لدى أعداد مشروع الموازنة العامة الأمريكية للعام المالي الجديد 2020/2021 حيث سعى وزير الطاقة الأمريكي مجددا وبقوة أكبر عن العام الماضي إلى تقليص موازنة الوكالة للعام الجديد مع إعطاء البنتاجون ووزارة الطاقة الأمريكية صلاحيات أكبر في مراقبة انفاق الوكالة وتصرفها في أموالها، هذه المرة، كما يقول الخبراء - نجح وزير الطاقة الأمريكية في إقناع المشرعين الأمريكيين وعلى رأسهم السيناتور الجمهوري جيم انهوف رئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكية بوجهة نظره، ملحقا ما يشبه "بهزيمة" لمديرة الوكالة قد تكون السبب الذي دفعها لتقديم استقالتها المفاجئة.
وتشير التقارير الصادرة عن لجنة الدفاع والقوات المسلحة في الكونجرس الأمريكي إلى أن فاتورة الانفاق على الترسانة النووية الأمريكية قد تصل بنهاية العقود الثلاثة القادمة إلى 1.2 تريليون دولار أمريكي وفقا للمعدلات الحالية وعلى افتراض تمديد اتفاقية / ستارت 3 / للحد من التسلح الاستراتيجى المبرمة مع روسيا في 2010 بلا تغيير في بنودها.
ومن المقرر أن تحسم الولايات المتحدة وروسيا مصير تمديد تلك الاتفاقية في فبراير 2021 أخذا في الاعتبار من جانب واشنطن تنامي الترسانة النووية الصينية، ويميل المزاج العام الأمريكي حاليا إلى تفضيل تمديد اتفاقيات /ستارت/ تفاديا لنشوب سباق تسلح نووي باهظ الكلفة بين واشنطن ومنافسيها النووين الذين على رأسهم روسيا الاتحادية التي ورثت ترسانة الاتحاد السوفيتي السابق النووية الضخمة.
وتعد ستارت / 3 / هي الاتفاقية الأحدث في سلسلة اتفاقيات تحمل هذا المسمى كانت أولها اتفاقية / ستارت 1 / المبرمة عام 1991 والتي وضعت سقفا لا يتعدى ستة ألاف رأس نووي لترسانة كل من روسيا والولايات المتحدة كحد أقصى بكلفة على الخزانة الأمريكية بلغت 60 مليار دولار امريكى آنذاك.
أما اتفاقية ستارت / 2 / فقد تم إبرامها بين واشنطن وموسكو عام 1993 وهي الاتفاقية التي هبطت بمستوى ترسانة الرؤوس النووية إلى 3500 رأس تكلف الخزانة الأمريكية 88 مليار دولار سنويا، فضلا عن أربعة مليارات دولار سنويا كمصروفات صيانة دورية، أما اتفاقية (ستارت 3) المبرمة عام 2010 فتكلف الخزانة الأمريكية 114 مليار دولار كمصروفات أساسية، فضلا عن أربعة مليارات دولار أمريكي كمصروفات صيانة روتينية سنويا لترسانة الولايات المتحدة النووية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة