دخل الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل رئيس تحرير «الأهرام» مكتبه مساء الجمعة، 4 نوفمبر، مثل هذا اليوم 1972، واستدعى واحدا ممن أسسوا «مركز الدراسات الصهيونية» الذى أصبح فيما بعد «مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية».. كان الشخص محل ثقة هيكل، حسب الكاتب الصحفى عبدالله السناوى فى كتابه «أحاديث برقاش - هيكل بلا حواجز».. مضيفا: «بدأ يتلو عليه محضرا كاملا بما جرى فى لقاء عاصف بمكتب رئيس الجمهورية فى منزله على نيل الجيزة».
لا يذكر السناوى اسم هذا الشخص لكنه يصفه قائلا: «مؤتمن وولاؤه لجمال عبدالناصر مؤكد».. ويكشف: «الخط الذى كتبت به الوثيقة واضح ومقروء».. بينما خط هيكل «دقيق وتصعب قراءته».. ويؤكد: «الصداقة القديمة بينهما «السادات وهيكل» سمحت أن تأخذ المواجهة صراحتها الكاملة».
يذكر «السناوى» المقدمات التى أدت إلى هذه المواجهة، مشيرا إلى أنها بدأت عام 1972، بتداول وكالات أنباء وصحف عالمية وعربية أنباء عن لقاء متوقع بين هيكل ووزير الخارجية الأمريكية «كيسنجر» برعاية مستشار ألمانيا فيلى برانت، ورجح هذه المعلومات أن «برانت» التقى هيكل وقتئذ، والتقى «كيسنجر» قبلها بأيام، وسأل«برانت» هيكل: «ماذا تريدون بالضبط؟ ثم سأل:«هل سوف تلتقى بهنرى كيسنجر؟»، مشيرا إلى أن طريقة تفكيرهما متقاربة.
وأجاب «هيكل» عن السؤال الأول بشرح مسهب للوضع السياسى فى الشرق الأوسط.
وأجاب عن السؤال الثانى بالنفى القاطع، قائلا: «هذا ليس وقته»..يؤكد السناوى أن الطريقة المستقلة التى تصرف بها هيكل فى اعتذاره عن لقاء كيسنجر ضايقت السادات لأنه اعتذر دون أن يخطره بالدعوة أو يتفاهم معه قبل اتخاذ أى موقف.
شهد هذا العام أيضا «1972» «منح السادات الضوء الأخضر لرئيس تحرير «الأخبار» موسى صبرى لكتابة مجموعة مقالات أرادت أن تقول: «القلم الوحيد»، كما أطلق عليه، يوشك على الأفول، وأن العهد الجديد له رجال جدد، ليس بينهم ذلك القلم الذى «يضفى على نفسه أهمية ليست له».
ويؤكد السناوى: «لم يشر موسى صبرى إليه «هيكل» بالاسم، غير أن كل حرف قال إنه هو، فضلا عن مقتطفات منقولة بحذافيرها من مقالاته».. يذكر السناوى أن هيكل قرر أن يبتعد لفترة طويلة نسبيا تخفيضا للاحتقان الذى وصل ذروته مع الرئيس، فسافر فى جولة آسيوية.. يكشف: «أثناء رحلته الآسيوية اتصل الرئيس السادات بمساعد هيكل فى ذلك الوقت الدكتورعبدالملك عودة، متسائلا عما إذا كان هيكل قد عين أحمد عبدالله رزة زعيم الحركة الطلابية عام 1972 فى مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، ولم يكن الخبر صحيحا».
حدثت المواجهة فى تلك الأجواء، وتطرقت إلى قصة «أحمد عبدالله»..ويؤكد السناوى: «استمعت إلى تفاصيلها من «الأستاذ» قبل قراءتها فى وثيقة محفوظة»، ويذكر نص الوثيقة التى أملاها هيكل، وتقول: «أدخل هيكل إلى حجرة مكتب الرئيس فى منزله بالجيزة»..
سلم على أنور السادات وقال له وهو يناوله النسخة الإنجليزية من كتابه «عبدالناصر والعالم»: «لم أجد هدية أحضرها لك من لندن سوى هذه».. تناولها أنور السادات ووضعها على مكتبه دون أن ينظر فى الكتاب، وقال: «متشكر».. ثم قال فجأة: يا محمد.. أنت بتتهمنى إنى ما عنديش عقل.. يا محمد إيه هو، إحنا على طريقين مختلفين جدا؟.
وأُخذ هيكل لأول مرة وعلق قائلا: لست أفهم سبب فتح مثل هذا الموضوع مباشرة هكذا.. أنا لم أقل هذا على أية حال.. قال أنور السادات: أنت بتعرض بى ليه يا محمد؟.. قال هيكل: أود أن أحدد لك بدقة موقفى.. أنا أختلف معك سياسيا ولكننى لا أعرض بك.. قال السادات: أنا لا أسمح لك.. أنا المسؤول.. وأنا الذى انتخبنى الشعب..قال هيكل: وأنا صحفى مسؤول وحر.
وقال السادات: الأهرام ده بتاع مين؟.. رد هيكل: الأهرام ده أنا اللى عملته.. وهو مملوك للاتحاد الاشتراكى حسب وثائقه الأساسية، وعلى أى حال دعنى أرفع عنك الحرج أنا مستعد فى أية لحظة أمشى.. قال السادات: ده قرار تاخده بمحض إرادتك.. أجاب هيكل: إذا اتفقنا.. قال السادات: كيف تكلمنى بهذه الطريقة؟
وأجاب هيكل: أود أن أقول لك شيئا لأكون واضحا.. أنا أضع حدودا واضحة بين رئيس الدولة وبين رئيس التحرير، ولكن هناك جانب فى العلاقة هو ذلك القدر الموجود من الصداقة بيننا إلا إذا كنت قد ألغيته خلال الأسبوع الذى كنت أنا فيه فى لندن.. قال السادات: أنا الصداقة أعتز بها، وأنت تعلم منى هذا، ولكن كيف تشتمنى؟.. أجاب هيكل: أنا لم أشتمك، وعلى أية حال دعنى أعفيك من الحرج أنا مستعد فى أية لحظة أمشى.
وعلق السادات: هذا قرارك تأخذه بمحض إرادتك.. وقال هيكل: إذا اتفقنا وانتهى الأمر.
تحدث هيكل والسادات بعد ذلك مطولا عن زيارة هيكل للندن.. ثم قال السادات بعد أكثر من ساعة.. لنعود إلى موضوعنا.
وتواصل النقاش.