واحد ممن اختاروا العزلة، والهدوء، شاعر يمتلك لغة خاصة وكتابة مميزة تجمع بين توظيف التراث العربى والمعاصرة التى لحقت بالقصيدة، إنه الشاعر الكبير إيهاب البشبيشى.

الشاعر إيهاب البشبيشى
س/ لديك موقف بالانحياز لقصديتى التفعيلة والعمودية، هل هذا انحياز جمالى أم موقف فكرى؟
ج: انحياز جمالى فى المقام الأول، لكن الناظر إلى من يقفون منهما موقفا يصل عند البعض للقطيعة والنفى وبتأمل دوافعهم المعلنة لا يملك إلا تعزيز الموقف الجمالى بما يؤكده من أسس فكرية.

الشاعر إيهاب البشبيشى فى إحدى الأمسيات مع الدكتور يوسف زيدان
س/ حدثنا عن تعاملك مع الموسيقى، إذ تكون دائما عنصرًا أساسيا فى منجزك الشعري؟
ج: الموسيقى مفهوم واسع يبدأ من السطح العروضى مارا للأعماق الإيقاعية الغائرة فى الأبنية النحوية والصرفية والصوتية منتهيا بالموجات النفسية وما يصاحبها من تقلبات إيقاعية، والتمسك بموسيقى الشعر هو تمسك بمخزون سمعى يمتد حتى التخوم الشعرية منذ عصر الشفاهة وما تلاه، هذا المخزون يصنع ما يشبه صندوق الرنين عند الفيزيائيين، وهو ما يعنى أن أى عربى متسق مع ذاته لا يملك إلا أن يتصادى مع هذا النغم الغائر فى ذائقته وذاكرته.
س/ لديك اهتمام خاص بالأرشفة للإنسان والروح والطبيعة المصرية فى قصيدتك، مثلا "منزل الروح" و"ذاكرة الغرابيل"، هل يمكن أن نحسب هذا "تمصيرا" للقصيدة العربية؟
ج: معك حق تماما، وفى تقديرى أن القصيدة لا يمكن أن تكون ذاتية طول الوقت بل يجب أن تكون بنت منشأها حاملة كل أمشاج بيئتها وكل جينات المكان الحضارية كما يجب أيضا أن تتحدث بلسان أهلها وتلبس زيهم وتحمل تاريخهم وأساطيرهم كما تحمل حاضرهم وحقائقهم وآمالهم، وملاحظتك عن قصيدتى منزل الروح وذاكرة الغرابيل أيضا صحيحة تماما لأن الأولى تتحدث عن عودة الروح المصرية المنفصلة عن جسدها التى تريد أن تتلبسه متماسة فى ذلك مع ألفلكلور المصرى من حومان أرواح المتوفين حول أجسادها رغبة فى تلبسها مرة أخرى.

الشاعر الكبير إيهاب البشبيشى
س/ لعملك وتخصصك فى الهندسة أثر واضح فى شعرك، يظهر من أن لنصوصك رسما هندسيا ومعمارا، ووجودا للعقل والترتيب المنطقى والقياس، هذه العناصر ألا تمس من خروج الشعر على كل منطق وترتيب وبناء؟
ج: هذا السؤال يتكرر كثيرًا والإجابة لا ليس هناك أى تعارض بين الشعر والهندسة، بل إن يكمل كل منهما الآخر، أما عن المنطقية والسببية، والقياس وحضور العقل فكل ذلك مع القصيدة وليس عكسها فنحن مثلا نطالع لوحة سريالية تتمرد على المنطق والسببية وقد يبدو أن لا عقل واعيا وراءها، جميل لكن مع ذلك فإن الرسام ساعة رسمه لها التزم بكل المحددات الفيزيائية من مساحة وأبعاد وكتل فراغية وحدود وخصائص كيميائية للألوان وغير ذلك كله من شروط علمية وطبيعية.
س/ الحداثة، بمعناها المتداول، قرأت أن لك موقفا منها، بأن لها أضرارًا أصابت الشعرية العربية؟
ج: الحداثة كما أفهمها نشأت فى بيئتها متمردة على ظرفها التاريخى ومستجيبة للحظتها التاريخية الحاضرة، وهى تنحو إلى تغليب العقل ونقد المنقول بالمعقول لكنها فى نسختها العربية عند لدى البعض مبدعين ونقادا القطيعة المعرفية مع التراث وموت الآباء ونفى الجمإلى المتسق مع ذاته والدونية والتطلع للآخر كنموذج حضارى يجب تغيير الجلد للتحول إلى مسخ يشبهه وهدم كل مقدس (كسر التابو) اصطناع صراع حدى بين العقل والنقل والأصالة والمعاصرة والمصرية والقومية وغيرها من الثنائيان الحدية التى أدخلنا إليها فهم هؤلاء الحداثيين للحداثة، وفعلا أنا ضد هذا الفهم للحداثة لكننى لست ضد التحديث ولا التطور شريطة الحفاظ على الهوية بكل مفرداتها الحضارية الإيجابية التراثية واللسانية والدينية.س/ ماذا عن مستقبل القصيدة الفصحى فى مصر، فى ضوء طغيان لقصيدة عامية باتت الأكثر تداولا واهتماما، بحيث تطغى على المشهد؟
ج: القصيدة الفصحى فى مصر بخير وتكسب مساحات جديدة كل يوم نعرف ذلك من كم الشعراء الجدد المتزايد يوما بعد والمبشر أن هؤلاء الشباب يكتبون الشعر بثقة عالية وبنبرات جمالية خاصة بهم وأيضا بقدرة تنافسية كبيرة بدليل الجوائز التى يحصدونها كل يوم.
أما عن القصيدة العامية فهى ليست ضد الفصحى والصراع بينهما مزعوم وغير حقيقى فالعامية بنت الفصحى وأختها وربما كانت هى نفسها بعد أن خلعت زيها الرسمى وعافية القصيدة العامية هى عافية للفصيحة وربما كان بهو العامية ألفاره مدخلا مناسبا يفضى بمحبيها لفضاء الفصحى الفسيح.

س/ الجوائز العربية، ما موقفك منها بين من يرى أنها تدعم الشاعر ماليا وبيت من فى نظرى، وجهت الشعر العربى لجهة خطيرة، وهناك نص واحد بات متدأولا ليرضى الذائقة التحكيمية؟
ج: موقفى إيجابى جدا تجاه جوائز الشعر العربية ولن أحصى لك الخدمات التى قدمتها إلى الشعر، لكن حسبك أن نظرة الناس لأهمية الشعر تغيرت للأفضل بسبب هذه الجوائز، كما أن عدد الشعراء وعدد القصائد يزدادان طرديا مع عدد الجوائز وقيمتها؛ فهناك جائزة عربية على سبيل المثال مخصصة لقصائد المدح فى الرسول صلى الله عليه وسلم يتقدم لها سنويا آلاف الشعراء؛ أتصور أنه لولا هذه الجائزة ما كتبوا؛ فضلا عما يعود على الشعراء من تقدير مادي.
س/ الشعر العربى، لم يعد حديث النقاد وأولويتهم كما كان، أين النقد من الشعر الآن، هل سبق أحدهما الآخر، أم تأخر عنه.. ويدفعنا هذا السؤال إلى الحديث عن رؤيتكم بشأن حركة النقد فى مصر والوطن العربي؟
ج: الشعر دائما سابق للنقد زمنا لكنهما يجب أم يكونا متحاذيين فى جدل مستمر وتكامل، لكن الشعر الآن لم يعد بؤرة اهتمام النقاد، بالطبع هناك أسباب تتعلق بمزاحمة ضروب إبداعية أخرى للشعر كالرواية القصة والمسرح فضلا عن ألفنون البصرية كالتشكيل والسينما.
س/ ما الجديد لديكم؟
ج: الجديد هو أنى أعكف على إعداد ديوانين جديدين للأطفال، وفى انتظار الوارد كما ينتظر المشتاق البريد والصوفى الفيض.