أكرم القصاص - علا الشافعي

هل اختلف المسلمون بعد معركة بدر حول "الغنائم"؟.. ما يقوله التراث الإسلامى

السبت، 21 نوفمبر 2020 05:00 م
هل اختلف المسلمون بعد معركة بدر حول "الغنائم"؟.. ما يقوله التراث الإسلامى كتاب البداية والنهاية
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا نزال نعيش أثر معركة بدر الكبرى، فبعد الانتصار الكبير وجد المسلمون أنفسهم أمام "الغنائم" فكيف تعاملوا معها، وما الذى يقوله التراث الإسلامى فى ذلك؟

يقول كتاب البداية والنهاية لـ الحافظ ابن كثير تحت عنوان "فصل اختلاف الصحابة يوم بدر فى المغانم لمن تكون":

وقد اختلفت الصحابة رضى الله عنهم يوم بدر فى المغانم من المشركين يومئذٍ، لمن تكون منهم وكانوا ثلاثة أصناف حين ولى المشركون.
ففرقة أحدقت برسول الله ﷺ تحرسه خوفا من أن يرجع أحد من المشركين إليه.
وفرقة ساقت وراء المشركين يقتلون منهم ويأسرون، وفرقة جمعت المغانم من متفرقات الأماكن.
فادعى كل فريق من هؤلاء أنه أحق بالمغنم من الآخرين لما صنع من الأمر المهم.
قال ابن إسحاق: فحدثنى عبد الرحمن بن الحارث وغيره، عن سليمان بن موسى، عن مكحول، عن أبى أمامة الباهلى قال: سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال، فقال:
فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا فى النفل وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا فجعله إلى رسول الله ﷺ، فقسمه بين المسلمين عن بواء، يقول: عن سواء.
وهكذا رواه أحمد عن محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق به.
ومعنى قوله: على السواء: أى ساوى فيها بين الذين جمعوها وبين الذين اتبعوا العدو وبين الذين ثبتوا تحت الرايات، لم يخصص بها فريقا منهم، ممن ادعى التخصيص بها، ولا ينفى هذا تخميسها وصرف الخمس فى مواضعه، كما قد يتوهمه بعض العلماء منهم أبو عبيدة وغيره، والله أعلم.
بل قد تنفل رسول الله ﷺ سيفه ذو الفقار من مغانم بدر.
قال ابن جرير: وكذا اصطفى جملا لأبى جهل كان فى أنفه برة من فضة، وهذا قبل إخراج الخمس أيضا.
وقال الإمام أحمد: حدثنا معاوية بن عمرو، ثنا ابن إسحاق، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عباس بن أبى ربيعة، عن سليمان بن موسى، عن أبى سلام، عن أبى أمامة، عن عبادة بن الصامت قال:
خرجنا مع النبى ﷺ فشهدت معه بدرا، فالتقى الناس فهزم الله العدو، فانطلقت طائفة فى آثارهم يهزمون ويقتلون، وأكبت طائفة على المغنم يحوزونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول الله ﷺ لا يصيب العدو منه غرة، حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض.
قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناها وليس لأحد فيها نصيب.
وقال الذين خرجوا فى طلب العدو: لستم بأحق به منا نحن نفينا منها العدو وهزمناهم.
وقال الذين أحدقوا برسول الله ﷺ: خفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به.
 
فأنزل الله: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [الأنفال: 1]، فقسمها رسول الله بين المسلمين.
وكان رسول الله ﷺ إذا أغار فى أرض العدو نفل الربع، فإذا أقبل راجعا نفل الثلث، وكان يكره الأنفال.
وقد روى الترمذي، وابن ماجه من حديث الثوري، عن عبد الرحمن بن الحارث آخره، وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
ورواه ابن حبان فى (صحيحه)، والحاكم فى (مستدركه) من حديث عبد الرحمن.
وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه.
وقد روى أبو داود، والنسائي، وابن حبان، والحاكم، من طرق عن داود بن أبى هند، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله ﷺ: «من صنع كذا وكذا فله كذا وكذا".
فسارع فى ذلك شبان الرجال، وبقى الشيوخ تحت الرايات، فلما كانت الغنائم جاؤا يطلبون الذى جعل لهم، قال الشيوخ: لا تستأثروا علينا فإنا كنا ردءا لكم، لو انكشفتم لفئتم إلينا، فتنازعوا فأنزل الله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }
وقد ذكرنا فى سبب نزول هذه الآية آثارا أخرى يطول بسطها ههنا، ومعنى الكلام: أن الأنفال مرجعها إلى حكم الله ورسوله يحكما فيها بما فيه المصلحة للعباد فى المعاش والمعاد.
 
ولهذا قال تعالى: { قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }.
ثم ذكر ما وقع فى قصة بدر وما كان من الأمر حتى انتهى إلى قوله: { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } الآية.
فالظاهر أن هذه الآية مبينة لحكم الله فى الأنفال، الذى جعل مرده إليه وإلى رسوله ﷺ، فبينه تعالى وحكم فيه بما أراد تعالى، وهو قول أبى زيد وقد زعم أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله، أن رسول الله ﷺ قسم غنائم بدر على السواء بين الناس، ولم يخمسها.
ثم نزل بيان الخمس بعد ذلك ناسخا لما تقدم.
وهكذا روى الوالبى عن ابن عباس وبه قال مجاهد، وعكرمة، والسدي، وفى هذا نظر، والله أعلم.
فإن فى سياق الآيات قبل آية الخمس وبعدها كلها فى غزوة بدر فيقتضى أن ذلك نزل جملة فى وقت واحد غير متفاصل بتأخر يقتضى نسخ بعضه بعضا، ثم فى (الصحيحين) عن على رضى الله عنه أنه قال فى قصة شار فيه الذين اجتب أسنمتهما حمزة إن إحداهما كانت من الخمس يوم بدر ما يرد صريحا على أبى عبيد أن غنائم بدر لم تخمس، والله أعلم.
بل خمست كما هو قول البخارى وابن جرير وغيرهما، وهو الصحيح الراجح، والله أعلم.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة