جان جاك روسو يعترف: حلمت أن أكون "قسا" وتشاجرت مع أطفال الشارع و"اتضربت"

الأحد، 01 نوفمبر 2020 08:00 م
جان جاك روسو يعترف: حلمت أن أكون "قسا" وتشاجرت مع أطفال الشارع و"اتضربت" كتاب الاعترافات
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هل قرأت من قبل "اعترافات جان جاك روسو" إنه واحد من أبرز الكتب، وهو عبارة عن كتاب سيرة ذاتية يتحدث فيه الكاتب عن ثلاث وخمسين سنة من حياته، بدأ بتألفيه سنة 1765 وانتهى سنة 1769، لكن الكتاب لم ينشر حتى 1782 أى بعد أربع سنوات من وفاته.

ومما يقوله الكتاب، حسبما ورد في كتاب "محمد بدر الدين خليل" والصادر عن بيت الياسمين:

بعد عودتى إلى جنيف، أقمت مع خالى عامين أو ثلاثة، ريثما يقرر أصدقائى ما ينبغى أن يتم بشأنى، ولما كان خالى قد أراد ابنه أن يكون مهندسًا، فقد حمله على أن يتلقی شيئًا عن الرسم، كما علمه مبادئ یوکلید، فاستذكرت هذه المواد معه، وتولانى ميل إليها، و خصوصًا إلى الرسم، وفى تلك الأثناء، كان الجدل يدور حول إذا كان يخلق بى أن أصبح صانع ساعات، أو من رجال القانون، أو قسًا واعظًا، وكان میلی يتجه إلى تفضيل الاحتمال الأخير منها، إذ كان الوعظ يبدو لى أمرًا بديعًا، بيد أن الدخل الضئيل الذى كان يدره عقار أمی، والذى كان يجب أن يقسم بینی وبين أخى، لم يكن كافيًا لأن يمكننى من متابعة دراساتى، ولم تكن ثمة ضرورة عاجلة لاتخاذ قرار، نظرًا لسنى فى تلك الفترة، لذلك مكثت مؤقتًا مع خالي، دون أن أفيد كثيرًا من وقتي، ودون أن أدفع مبلغًا يذكر لقاء نفقات إقامتى، كما كان الإنصاف يقتضى.

 

الاعترافات
 
أما خالي، فمع أنه كان محبًا للهو مثل أبى، إلا أنه كان عاجزًا عن أن يكون مثله فى تقيده بالواجب، كما أنه لم يكن يکبد نفسه كثير عناء من أجلنا، وكانت عمتى تعتبر من المنصرفات للتقوى، بحيث كانت تؤثر أن تنشد المزامير على أن تعنى بتعليمنا، ومن ثم فقد أتيحت لنا حرية كادت أن تكون مطلقة، لكنا لم نسىء استغلالها قط، فكنا دائمًا قانعين بصحبة أحدنا للآخر، إذ لم نكن نفترق قط، كما أننا لم نتعرض لفترات تحملنا على أن نتخذ من أندادنا من أبناء الشارع رفاقًا، فلم نتعلم شيئًا من العادات المنحلة التى كان التبطل خليقًا بأن يقودنا إليها، بل إننى لأخطئ إذ أقول أننا كنا متبطلين، فإننا لم ننحط قط إلى هذا الدرك فى حياتنا، وكان من أعظم ما حبانا به الحظ أن كل الطرق التى كنا ننتهجها لتسلية نفسينا، التى شغفنا بها على التوالي، كانت تشغلنا معًا فى البيت، دون أن ننساق لغواية الخروج إلى عرض الطريق، فكنا نصنع أقفاصًا، وصافرات الناى، وخذاريف «النحلات التى يلعب بها الأطفال»، وطبولًا، وبيوتًا، وقاذفات للحصى أو مقاليع، وأقواسًا للرماية، ولقد اتلفنا أدوات جدنا فى محاولاتنا أن نصنع ساعات، كما كان يصنع هو، وكان لنا مزاج خاص فى الإسراف فى نماذج الورق، وفى الرسم، واستخدام الألوان المائية، وتوزيع الأضواء، وإفساد الألوان.
 
ولقد وفد على جنيف صاحب مسرح إيطالى يدعی جامبا کورتا، فذهبنا لمشاهدة عرضه مرة، لم نرغب بعدها فى الذهاب مرة أخرى، لكنه قدم فيما قدم عرضًا للدمى على غرار خيال الظل، فشرعنا نصنع دمى، ولما كانت عرائسه تمثل فكاهات، فقد عكفنا على إعداد مسرحيات فكهة من وضعنا، ولما كانت تعوزنا الأداة التى تصدر ذلك الصوت المصوصو المصرصع، فقد عمدنا إلى تقليده بأصوات نصدرها من حلقينا، كى نخرج مسرحياتنا الفكهة البديعة، التى تذرع أقاربنا المساكين المتفضلون بالصبر کی يجلسوا وينصتوا إليها! لكن خالى برنار قرأ على الأسرة ذات يوم موعظة بديعة من تأليفه، فإذا بنا نهجر المسرحيات الفكهة لنؤلف المواعظ.
 
وإنى لأعترف بأن هذه التفصيلات لیست مشوقة جدًا، لكنها تبين كيف أن تربيتنا الأولى كانت موجهة خير توجیه، كما يبدو أننا ندر أن انسقنا إلى إساءة استغلال الفرص التى كانت متاحة لنا، مع أننا كنا سیدى نفسینا وصاحبى السيطرة على وقتنا، فى تلك السن المبكرة، ذلك لأننا لم نکن بحاجة تذكر إلى أن ننشد رفاقًا وزملاء، حتى أننا كنا نهمل الفرص التى تقود إلى ذلك، فكنا إذا خرجنا للتريض، نظرنا، ونحن نمر بأندادنا فى السن، إلى وسائل لهوهم، دونما أدنى رغبة، بل دون مجرد التفكير فى أن نشاركهم إياها، كانت صداقتنا المتبادلة تملأ قلبينا تمام الملء، حتى لقد كان يكفينا أن نجتمع معًا، کى نجعل من أبسط أسباب التسلية ملهاة سارة! وما لبثنا أن استرعينا الانتباه بتلازمنا هذا، وعدم افتراقنا، سيما وأن ابن خالى كان فارع الطول، بينما كنت أنا جد قصير، فكنا نؤلف ثنائيًا غريب التكوين، كان قوام ابن خالى الطويل النحيل، ووجهه الصغير الشبيه بالتفاحة المسلوقة، وأخلاقه الرقيقة، ومشيته الهينة المتخطرة، تستثير سخف الأطفال، فكان يسمى فى ساحة الحى بارنا بريدانا، وكنا حين نغادر البيت لا نسمع سوى صيحة بارنا بريدانا تحف بنا، وقد احتمل هو ذلك بهدوء فاق هدوئي، إذ كنت أفقد جلدي، وأبدى الرغبة فى العراك، وهذا عين ما كان ينشده الأوغاد الصغار، وقدر لى أن أتشاجر مرة، فمنيت بالهزيمة، وحاول ابن خالى المسكين أن يساعدنى ما استطاع، لكنه كان ضعيفًا، فصرعته لكمة واحدة، وهنا اشتد هیاجي، على أنني، وإن تلقيت لكمات وافرة، لم أکن الهدف الحقيقى للعدوان، وإنما كان بارنا بريدانا هو الهدف، وما لبث غيظى المستعر أن زاد من استفحال الموقف، حتى أننا لم نعد نجرؤ على الخروج من الدار، فيما بعد، إلا فى أوقات المدرسة، خشية أن يتعقبنا الأطفال ليسخروا منا.
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة