«منذ اللحظات الأولى لوقوع فاجعة انفجار بيروت، وحتى الآن تبذل الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الشريكة كل الجهود لتقديم المساعدة الإنسانية الملحة إلى الفئات الأكثر تضررا»، هذا ما أكدته الدكتورة نجاة رشدى نائبة المنسق الخاص والمنسقة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة فى لبنان، مشيرة لمشاركة الأمم المتحدة فى إعادة إعمار بيروت.
كما أكدت نجاة رشدى، فى حوار لـ«اليوم السابع»، أن انفجار بيروت قلب حياة كل شخص تقريبا فى لبنان رأسا على عقب، ونتائجه كارثية على مختلف الأصعدة، فهناك حاجة إلى 354.9 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الفورية خلال الأشهر الثلاثة المقبلة لأكثر من 300 ألف شخص.
وفيما يتعلق بأزمة التعليم فى ظل وجود عدد كبير من المدارس المتأثرة بالانفجار، قالت رشدى: إن الأمم المتحدة تعمل مع شركائها بلبنان لإعادة تأهيل المدارس المتضررة من الانفجار، أما بالنسبة للأطفال الذين قد لا يتم إعادة تأهيل مدارسهم فى الوقت المناسب فيتم دعمهم بمعدات التعليم عن بعد... وإلى نص الحوار:
ما تقييمكم للأوضاع الإنسانية حاليا فى لبنان؟
إن انفجارات بيروت جاءت فى وقت صعب جدا للبنانيين، ما زاد الحاجة إلى استمرار توزيع المساعدات المنقذة للحياة، ومنذ وقوع الفاجعة وحتى الآن تبذل الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الشريكة جهودها لتقديم المساعدة الإنسانية الملحة، بما فيها الخدمات الأساسية، للفئات الأكثر ضعفا وتضررا من الانفجارات، كما نعمل حاليا على تكييف هذه الاستجابة الإنسانية الطارئة مع احتياجات الناس المتغيرة، ما يمهد الطريق لعملية إعادة الإعمار، وتعافى لبنان من الكارثة التى خلفتها الانفجارات هو فى صميم مهمة منظومة الأمم المتحدة، وبناءً عليه أطلقت الأمم المتحدة والشركاء العاملون فى المجال الإنسانى نداء الاستغاثة فى أغسطس لجمع 354.9 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الفورية لأكثر من 300 ألف شخص خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. ورغم أن تعهدات الجهات المانحة مشجعة، فإن المساعدات حتى 30 سبتمبر تشكل تقريبا 18% من إجمالى المبلغ المطلوب (64.9 مليون دولار)، لمساعدة شعب لبنان لتجاوز المأساة، ونتوقع تلقى 80 مليون دولار خلال الأسابيع المقبلة، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأمم المتحدة قدمت 14.5مليون دولار من أموالها الخاصة خلال ثلاثة أيام من اندلاع الانفجارات، لتقديم الدعم السريع للمتضررين.
ونقوم بتقييم شامل للاحتياجات المتعددة لكل الأسر المقيمة قرب موقع التفجيرات، فبحلول 23 سبتمبر تم الوصول إلى نحو47.500 فرد من بين 152.000 مزمع التواصل معهم لتقديم الحماية الاجتماعية.
ما حجم الأضرار التى لحقت بالصحة والتعليم فى لبنان؟
قلبت انفجارات بيروت حياة كل شخص تقريبا فى لبنان رأسا على عقب، وكانت نتائج الانفجارات وخيمة، بل كارثية على مختلف الأصعدة.
فقد لقى نحو 200 شخص حتفهم وجُرح ما يفوق 6500 شخص، من بينهم 1000 طفل وطفلة تأثروا بجراحهم، وفارق بعضهم الحياة وأُصيب البعض الآخر بجراح، ونحو 100,000 طفل وطفلة شاهدوا دمار منازلهم، وزرع ذلك فى نفوسهم القلق، فبحسب تقييم شركائنا، يعانى آلاف الأطفال من الاضطرابات والصدمات النفسية، ما دفعنا لتقديم الدعم النفسى المباشر لهم.
وعلى المستوى المادى كان وقع الانفجارات مدمرا، حيث إن نحو 200,000 وحدة سكنية قد تضررت مباشرة، منها 40,000 مبنى تضررت من الانفجارات و3,000 مبنى مدمّرة تدميرا شديدا، وتسببت الانفجارات فى تدمير3 مستشفيات رئيسية بالمنطقة المجاورة لموقع الانفجار، ما سبب أضرارا جسيمة لنحو 80 مركزا للرعاية الصحية.
وفى القطاع التربوى تضرر ما لا يقل عن 163 مدرسة حكومية وخاصة و22 مبنى تابعا للجامعة اللبنانية، بحسب تقديرات وزارة التربية والتعليم العالى، وهذا يؤثر سلبيا على نوعية التعليم لما يفوق 93.000 طالب وطالبة، وستتكفل اليونسكو بالتعاون مع اليونيسيف بإعادة تأهيل المدارس المتضررة، كما ستقوم بتنسيق جهود الشركاء التربويين والجهات المانحة فى هذا السياق لتجاوز هذه الأزمة، ونؤكد استعدادنا لتسخير جميع إمكانياتنا لضمان استمرار حصول جميع الطلاب على حقهم فى التعليم.
وتشير التقديرات إلى تضرر أكثر من 15,000 مؤسسة تجارية عاملة فى مجال البيع بالجملة والتجزئة، وتلك المعنية بالضيافة، وهو ما يوازى 50 % من منشآت بيروت.
هناك نحو 300 ألف شخص بلا مأوى.. ما إسهاماتكم فى هذا الجانب؟
مع تواصل حدة الأثر الإنسانى على الناس وتهجيرهم من منازلهم، تزداد المخاوف بشأن تأمين سبل الحماية الاجتماعية، خاصة أن التقييمات تشير إلى أن بعض الأسر قد لا تعود أبدا إلى منازلها نظرا لحدة الأضرار، ففى منطقة الكرنتينا، تشير التقييمات إلى أن فترة إعادة تأهيل المنازل المتضررة قد تستغرق عاما، لذا تعد عملية إصلاح المنازل من أهم أولوياتنا، يتبعها تأمين الطعام للمتضررين والمشردين، وأيضا توزيع المساعدات النقدية والأدوية، وإعادة تأهيل وترميم المستشفيات والمدارس المهدمة، وتقديم خدمات الدعم النفسى والاجتماعى للأطفال المتضررين من الانفجارات.
وأنهينا بالتعاون مع شركائنا العاملين فى مجال المسكن، توزيع مجموعات المأوى والبطاطين والأغطية البلاستيكية المانعة لتسرب المياه على المنازل المتضررة لنحو 25,000 شخص، وندعم إعادة ترميم وتأهيل المنازل المتضررة بدعم من شركائنا الميدانيين.
والمخطط الآن هو توفير الأموال للعائلات التى تضررت منازلها بالكامل لتأمين مأوى لها، وتمويل عملية إصلاح المبانى والمرافق المتضررة من الانفجار بناءً على المساعدات التى نسعى إلى استقطابها دعما للبنان.
للأطفال حجم أكبر من المعاناة، صفى لنا تلك المعاناة من واقع عملك الميدانى؟
بالتأكيد، إن حجم المعاناة وأثر الانفجار ملحوظ على أطفال لبنان، فقد أصبح عدد كبير منهم، الذين كانوا يعيشون بالأصل حالة صعبة بسبب الأزمة الاقتصادية، أكثر عرضة للمخاطر والمعاناة نتيجة الانفجارات، كما أدت الأزمات المتتالية لتفاقم الدوافع التى تزيد من العنف ضد الأطفال والنساء، وبالتالى فإن الشعور بالخوف والضعف المتزايد لم يقتصر فقط على نحو 100 ألف طفل (وفق اليونيسيف) ممن يعيشون بالمنطقة المتضررة مباشرة من الانفجارات، بل طال العديد من الأطفال المتأثرين بشكل غير مباشر بالانفجار، إذ غمرهم شعور بالخوف والقلق.
وأوضحت التقييمات المختلفة، أن الآلاف من الأطفال وأولياء أمورهم يعانون القلق أو الأرق أو الكوابيس التى قد تؤثر على صحتهم العقلية على المدى الطويل، وبالتالى فإن ذلك يشكل أولوية لنا، فنحرص على تزويد الأطفال ومقدمى الرعاية لهم بالدعم النفسى والاجتماعى المناسب.
ما حجم إسهام الأمم المتحدة فى دعم اللبنانيين منذ وقوع انفجار المرفأ بشكل عام؟
لا تزال وكالات الإغاثة حتى اليوم تركز على تقديم المساعدات الإنسانية المنقذة لحياة الأشخاص، فتم تزويد أكثر من 180 ألف شخص بالمساعدات الإنسانية الضرورية بحلول أواخر أغسطس الماضى، وزودنا 3000 شخص بالدعم النفسى، وبالنسبة للمساعدات المقدمة استجابة للانفجارات فتم الوصول إلى 47.500 شخص عبر شركائنا فى مجال الحماية الاجتماعية منذ بداية الاستجابة؛ وأكثر من 2300 أسرة تم تزويدهم بمساعدة نقدية متعددة الأغراض، ودعم أكثر من 200 مؤسسة متناهية الصغر وصغيرة ومتوسطة الحجم.
وتم الوصول إلى 2200 شخص لتقديم خدمات الدعم النفسى والاجتماعى لهم، كما تم تزويد أكثر من 1300 امرأة وفتاة بخدمات الصحة الإنجابية والجنسية والعنف القائم على النوع الاجتماعى، وتوزيع أكثر من29.000حقيبة كرامة ومستلزمات النظافة الشخصية للنساء.
ويستمر توفير خدمات المياه والصرف الصحى والنظافة الصحية لمختلف المرافق الطبية والمستشفيات المتضررة، وتم تقييم أكثر من 674 مبنى من المبانى المتضررة من الانفجار، وتمت إعادة توصيل إمدادات المياه لأكثر من 3 آلاف أسرة، لتصل إلى أكثر من 16 ألف شخص.
ولضمان الأمن الغذائى فى ظل الأزمة، تم تفريغ 12,500 طن مترى من دقيق القمح فى بيروت، وهو ما يغطى نحو 80 % من الحصص الغذائية المتضررة، وتم توزيع أكثر من 92.000 وجبة جاهزة للأكل وتوزيع طرود غذائية لـ44.000 أسرة، كما تم إنشاء 12 وحدة تخزين متنقلة لزيادة السعة التخزينية المؤقتة فى مرفأ بيروت.
ما آلياتكم لضمان وصول تلك المساعدات لمستحقيها؟
إن ضمان وصول المساعدات الضرورية للناس هو أولوية بالنسبة لنا وفق آليات محددة لذلك، فنقوم بالتعاون مع المنظمات الإنسانية بتقييم احتياجات السكان ونستهدف من هم فى أمس الحاجة للمساعدة الإنسانية وضمان توزيع المساعدات بناءً على الاحتياجات الفعلية للمتضررين.
وكانت منظمات المجتمع المدنى العاملة على المستوى المحلى ولا تزال فى طليعة الاستجابة الأولية للانفجار، وأول مَن بادروا فى الوصول إلى المتضررين، وتم وضع عدد من الخطوط الساخنة ومكاتب المساعدة لضمان تواصل الناس مع شركائنا العاملين فى الميدان والعكس صحيح، وكانت الاستجابة على المستوى المحلى مذهلة منذ بداية عملية الاستجابة الفورية لاحتياجات الناس، ولا يزال العمل متواصلا مع المنظمات غير الحكومية الدولية والوطنية على حدٍّ سواء.
العام الدراسى اقترب.. وأعلنت اليونيسيف أن هناك 163مدرسة أصبحت خارج الخدمة بعد الانفجار.. كيف تساعدون لمواجهة هذه الأزمة؟
نعمل حاليا مع شركائنا على دعم وزارة التربية والتعليم العالى بلبنان لضمان عودة الأطفال المتأثرين مباشرةً بالانفجار إلى المدرسة، وتقديم الدعم المطلوب لإعادة تأهيل المدارس المتضررة من الانفجار، وتشمل الاستجابة دعم المدارس مباشرة بتأمين سريع للموارد الضرورية لإعادة تأهيلها وتشغيلها.
ونحرص على تعزيز المبادئ التوجيهية للسلامة المدرسية وتدريب المعلمين على تقديم الرعاية النفسية والاجتماعية لمساعدة الأطفال على التعافى من الصدمات النفسية.
أما بالنسبة للأطفال والمعلمين الذين قد لا يتم إعادة تأهيل مدارسهم فى الوقت المناسب فنعمل بالتعاون مع شركائنا على تقديم معدات التعلم عن بعد الضرورية لهم.
ثمة مشكلات يعانى منها القطاع الصحى منذ سنوات فى لبنان، ما مدى إسهامكم فى هذا القطاع؟
إن القطاع الصحى فى لبنان، لا سيما القطاع العام منه، يعانى تحديات بنيوية تستوجب دعما ملحوظا لتطويره وتعزيز إمكاناته، لذلك دأبت منظومة الأمم المتحدة فى لبنان من خلال منظمة الصحة العالمية على دعم النظام الصحى بشكل مكثف منذ بداية تفاقم الأزمة الاقتصادية، ولكن مع تفاقم وباء كورونا، والأزمة الحادة التى خلفها الانفجار، عملنا على الاستجابة سريعا لهذه الأزمات من خلال سد الحاجات الصحية الملحة عبر توزيع مواد طبية ومستلزمات جراحية للمستشفيات خلال فترة لا تتجاوز الـ48 ساعة.
وتعمل الأمم المتحدة على تأمين التمويل لخطة إعادة تأهيل وإعمار المستشفيات والمستوصفات المتضررة من الانفجارات ضمن شبكة الرعاية الصحية الأولية، وتأمين الأدوية اللازمة للأشخاص الأكثر تضررا، وتم تزويد 14 مستشفى رئيسيا بالأدوية والإمدادات الأساسية لدعم 2600 عملية جراحية ومعالجة الصدمات والاضطرابات النفسية.
جائحة كورونا لها وقع خاص فى لبنان.. كيف دعمت الأمم المتحدة القطاع الصحى لمواجهة تلك الجائحة؟
سعيا منا إلى تفعيل قرارات وحدة ترصد فيروس كورونا فى المناطق، نقوم بدعم الترصد الوبائى بالفحوصات المخبرية وبالكادر البشرى لتفعيل قرارات وحدة الترصد فى المناطق، وعبر الخط الساخن الذى تم استحداثه لهذه الغاية، ونعمل على دعم مراكز العزل بعدد من الممرضين والممرضات، وتزويدها بخدمات المياه والمازوت والكهرباء والدعم اللوجستى والطعام.
ونعمل حاليا على دعم نحو 12 مستشفى حكوميا بالأجهزة الطبية اللازمة للعناية بمرضى كورونا، وتوفير مستلزمات الوقاية الشخصية، وتجهيز مختبرات هذه المستشفيات بما يخوّلها تقديم الخدمات الطبية اللازمة، ونعمل من خلال منظمتنا المتخصصة على دعم القطاع الصحى العام.
كيف تقدرين مستقبل الأوضاع الإنسانية فى لبنان؟
إن الاحتياجات كثيرة حاليا بلبنان، سواء نتيجة أزماته المتتالية أو نتيجة الانفجار، فإلى جانب المساعدة الإنسانية الفورية، يحتاج لبنان لمساعدة جوهرية وطويلة الأمد لدعم الإصلاح الاقتصادى وإعادة الإعمار، ولكن لحين الوصول إلى هذا، فقد بدأت الأمم المتحدة وشركاؤها العمل على ربط وتنسيق تدخلاتها المتنوعة بأطر التنمية، لا سيما إطار الإصلاح والتعافى وإعادة الإعمار الجارى إعداده حاليا بالتعاون مع البنك الدولى والاتحاد الأوروبى، فى ضوء التقييم السريع للأضرار والاحتياجات. وأعرب عن تقديرى لشركائى فى منظومة الأمم المتحدة، ومن يعملون على مجموعة من التقييمات بمختلف القطاعات الاجتماعية، وستشكل هذه التقييمات قاعدة معرفية كفيلة بتوجيه مرحلة تصميم إطار التعافى والمتوقع الانتهاء من إعداده خلال الأسابيع المقبلة.
p
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة