محمد ثروت

وقفة أخرى مع الإلحاد وعلاجه بعيدا عن تسطيح الظاهرة

الإثنين، 12 أكتوبر 2020 06:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
في الوقت الذي كثر فيه الحديث عن قضية الإلحاد، لم يتعرض البعض لطرق العلاج بقدر ما تم التركيز على تبادل الاتهامات بين أنصار التنوير من جهة والمؤسسات الدينية من جهة أخرى، كل يحاول إلقاء تهمة تنامي الظاهرة على عاتق الآخر. 
 
 
   في الكتاب الذي أصدرته الهيئة العامة للكتاب ضمن مشروع رؤية بالتعاون مع الإدارة المركزية للسيرة والسنة بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، تضمن رأي ألمؤسسة الدينية الرسمية الثانية بعد الأزهر، والمعنية بإعداد وتأهيل الأئمة والدعاة في قضية الإلحاد، وأنه استهداف سياسي أو إلحاد مسيس، أي مصنوع وممول من أعداء الأمة الإسلامية، تحت مسمى حرية الاختيار، بقصد إثارة الفوضى وإسقاط الدول أو إضعافها وتمزيقها من الداخل. وهو اتهام لم أجد له سندا منطقيا ويعتبر بمثابة تبادل للاتهامات مع التيارات الفكرية الليبرالية والتنويرية التي ترمي بالتقصير على المؤسسات الدينية في جذب الشباب نحول الفكر المعتدل، بعيدا عن التيارات المتطرفة فكريا أو الخروج على فكرة الدين من الأساس. 
 
إن الربط بين الإلحاد والعلمانية خطأ آخر وقع فيه معدوا الكتيب، فالعلمانية Secularism سياق تفكير لا يرفض الدين في حد ذاته، ولكن يرفض فكرة الدولة الدينية والحكم باسم الدين، كما أن العلمانية ليست كما يعتقد بعض الشيوخ مقدمة للإلحاد، ولكنها دعوة لإعمال العقل    وتنقية التراث الديني من بعض الأمور المناقضة للعقل، وفتح باب الاجتهاد أمام تطورات ومستجدات الواقع، والدعوة لدولة لا دينية، في مواجهة الدولة الدينية، بينما تدعو التيارات الإلحادية إلى التخلي عن الدين، وهي ظاهرة قديمة مرتبطة بمذهب الدهرية وكانوا موجودين قبل الإسلام، وأشار إليهم القرآن الكريم في قوله تعالى: "وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ". (الجاثية: 24)، فهم ينكرون الألوهية وينكرون ملك الموت وقبضة الأرواح باسم الله، ويضيفون كل حادثة إلى الدهر والزمان، وقد رد عليهم الكثير من علماء الكلام وفلاسفة المسلمين، ومنهم الشهرستاني في "الملل والنحل"، والقاضي عبد الجبار الأسد أبادي في "المغني في أبواب التوحيد والعدل" وغيرهما. 
 
أما الإلحاد في صورته المعاصرة، فقد ارتبط بالثورة التكنولوجية الحديثة وأصبحت ظاهرة مع وجود جروبات ومنتديات شبابية وصفحات تنادي بالإلحاد وإنكار جود الله والتخلي عن الدين أي دين، ويرجع لذلك لأسباب منها مظهر رجل الدين نفسه الذي رسمها لنفسه بعض الشباب وبين الصورة الموجودة المنفرة والمتشددة، وكذلك الخطاب الديني الذي يقوم على الصراخ والتنفير من علاقة الإنسان بالله، وأنه خطاب مناقض للعقل، وبعضهم نشأت لديه حالة من الصراع النفسي والفلسفي نتيجة الخلط بين الأديان والمذاهب وغيرها من الأسباب التي تبين أن القضية تحولت إلى ظاهرة.  
 
إن محاولة تسطيح الظاهرة يزيد منها، فالعلاج الحقيقي يتوقف على قراءة دقيقة وعلمية للإحصائيات وأسباب وجود الظاهرة وانتشارها بين الشباب، حتى تتكون لدينا صورة واضحة للعلاج، وأول سبل العلاج مواجهة التطرف الديني الذي ينفر الشباب من صورة الله إله الرحمة والمحبة ومخاطبة الشباب بالجدال العقلي والمنطقي والإقناع بجدوى وجود إله للكون وليس الاعتماد على النصوص الدينية فحسب، فهو في الأصل ينكرها ولا يعترف بها فكيف تكون أداة للحوار والإقناع؟  ويتطلب العلاج الحوار بين أهل الديانات الأخرى على تجديد الخطاب الديني وجعله منفتحا على روح ومستجدات العصر، وأن يقتنع رجال وعلماء الأديان المختلفة أن تجديد الخطاب الديني لا يعني المساس بالعقائد أو تمييعها وتذويبها، بل يعني جعل الدين في خدمة الإنسان وليس العكس، والكف عن تنفير الشباب وتخويفهم من التكاليف دون بيان جوهر التكاليف والطقوس وأنها ليست تعبيرا عن تدين شكلي بقدر ما هي معراج روحي للتواصل مع الله بدون وسيط أو شريك. ويجب تسليح الشباب بالثقافة الدينية من مصادرها الموثقة وعدم تركها لشبكة الانترنت، فقد يكون العلاج في الفهم والحوار والنقاش الحر بالأدلة والبراهين العقلية، بعيدا عن القمع الفكري  الذي لا يسبب إلا  استمرارا للظاهرة بين الشباب. أفلا تعقلون؟









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة