تعود أصول البشرية إلى قارة أفريقيا، هذا هو الاستنتاج البسيط والأحدث الذى توصل إليه علماء مؤخرًا، بعد أن درسوا أصول الإنسان الحديث والجنس البشرى، لسنوات طويلة، حيث أكدت الجينات المستخلصة من أدوات حجرية قديمة وعظام متحجرة، تم تحليلها على مدى العقود القليلة الماضية، أن الإنسان المعاصر الحالى (رجال ونساء) هم أحفاد مباشرين للصيادين وجامعى الطعام الذين ظهروا فى مكان ما بأفريقيا، ثم انتشروا فى أنحاء القارة قبل أن تغادر مجموعة منهم وتغزو بقية أنحاء العالم قبل عشرات آلاف السنين.
ولم يتمكن العلماء من تحديد المكان الذى نشأ فيه أول إنسان، على وجه الدقة، حيث يجادل بعض الباحثين بأن مهد البشرية جمعاء هو شرق القارة الأفريقية، فى إثيوبيا أو كينيا، بينما يقول آخرون إن أوائل البشر ظهروا فى جنوب أفريقيا.
تعود أصول البشرية إلى القارة السمراء
ويدعم علماء الآثار وخبراء الأحافير وباحثو علم الوراثة فكرة جديدة مثيرة، لشرح تطور الإنسان العاقل، بحسب ما نقلته "سكاى نيوز" عن صحيفة "الجارديان" البريطانية، حيث يقول هؤلاء إن العديد من الأماكن المختلفة فى أفريقيا كانت بمثابة مهد البشرية الحديثة، وبأن الإنسان الأول لم يظهر فى مكان واحد فقط ثم انتشر، ولكنه أخذ يتطور باستمرار لنحو نصف مليون عام عبر القارة مترامية الأطراف.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن المسؤول فى متحف التاريخ الطبيعى فى لندن، كريس سترينجر، قوله، إن "السلف المباشر للبشر المعاصرين ربما نشأوا فى أفريقيا منذ حوالى 500 ألف عام وتطوروا إلى مجموعات منفصلة، وعندما ساءت الظروف، وأصبحت الطبيعة صحراء قاحلة، كما هى الآن، تكونت جيوب قليلة منعزلة تضم البشر الذين تشبثوا بالأرض، وهو ما أدى إلى انقراض كثيرين، فيما تمكن آخرون من البقاء".
ويرى العلماء المؤيدون لهذه النظرية، أنه لاحقا عندما تحسنت الظروف، وأصبحت المناطق الصحراوية خضراء مجددا، وتشكلت البحيرات والأنهار، ارتفع تعداد السكان الباقين على قيد الحياة، وتواصلوا مع بعضهم البعض، كما تبادلوا الأفكار والجينات (التزاوج)، ثم تحول المناخ مرة أخرى، فاضطروا إلى الانفصال والتنقل.
وأضاف سترينجر: "لقد حدث هذا مرارا وتكرارا فى أماكن مختلفة لأسباب متنوعة على مدار آلاف السنوات، وكان المنتج النهائى هو الإنسان العاقل، وهو النوع الذى يشبه إلى حد ما نسخة الإنسان الحديث، الذى يعيش الآن فى كل قارات الأرض".
وثمة دراسات أشارت فى السابق إلى أن للبشرية مكان أصل واحد، وهو ما تؤمن به الأستاذة فى جامعة بيركلى بكاليفورنيا ألان ويلسون، ففى العام 1987، قامت ويلسون وفريقها بتحليل الجينات لدراسة الحمض النووى للميتوكوندريا، وهو نوع من المواد الوراثية التى تورثها الأمهات فقط، ومن خلال مقارنة الاختلافات فى الحمض النووى للميتوكوندريا لأفراد تم اختيارهم من جميع أنحاء العالم، تمكنت ويلسون من رسم شجرة عائلة عملاقة للإنسانية، كانت جذورها فى أفريقيا.
وتعليقا على هذه الدراسات، قالت عالمة الوراثة فى معهد فرانسيس كريك فى لندن بونتوس سكوجلوند: "علينا أن نكون حذرين، لأننا نتحدث عن أحداث وقعت منذ مئات الآلاف من السنين، والمشكلة هى أن لدينا فقط حمض نووى قديم من أحافير عمرها بضعة آلاف من السنين، وهذا يجعل من الصعب التأكد تماما من كيفية تفاعل السكان فى تلك الأيام البعيدة. إننا بحاجة إلى مزيد من الأدلة".
بدوره، شدد سترينجر، على ذات النقطة، مشيرا إلى أن "مشكلة الحمض النووى هى أنه يبدأ فى التآكل والتلف بعد الموت، وكلما كانت الظروف أكثر دفئا كلما زادت سرعة حدوث هذه العملية"، واختتم سترينجر، حديثه للصحيفة البريطانية، قائلا: "بالنسبة لأجزاء من العالم حيث يكون الجو باردا نسبيا، على سبيل المثال فى أوروبا أو فى الكهوف العميقة، فإن هذه ليست مشكلة، فقد عثر على حمض نووى يبلغ عمره مئات آلاف السنين فى هذه الأماكن، وتم استخراجه ودراسته، لكن الحرارة فى أفريقيا تمثل مشكلة حقيقية، فهى تقيد نوع الأدلة التى يمكن جمعها".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة